الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (55) الآثار السلبية للمدارس الأجنبية (1-2)

مظاهر الاختلاف في منظوماتنا التعليمية- جذور المدارس الأجنبية في مصر- تحذير المصلحين من المدارس الأجنبية...

الفساد (55) الآثار السلبية للمدارس الأجنبية (1-2)
علاء بكر
الاثنين ٠١ يونيو ٢٠٢٠ - ١٠:٤٥ ص
598

الفساد (55) الآثار السلبية للمدارس الأجنبية (1-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فيوجد في مصر حاليًا أربع منظومات للتعليم تسير متوازية جنبًا إلى جنبٍ في كل مراحل التعليم المختلفة، من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي؛ فهناك التعليم الحكومي في المدارس والجامعات الحكومية، وهناك التعليم الأزهري في المدارس الأزهرية وفي جامعة الأزهر، وهناك التعليم الخاص في المدارس والجامعات الخاصة، وهناك التعليم الأجنبي في المدارس والجامعات الأجنبية الموجود في مصر.

وقد يُقال -لمن ينظر للأمر من أول وهلة-: إن هذا تنوع وإثراء للتعليم، ولكن عند التأمل والدراسة نجد أننا أمام أنظمة تعليمية متعددة، تعدد تباين ومغايرة وتباعد لا مجال للتنقل أو الحركة فيما بينه، ولا ينطبق عليه القول بأنه مجرد تنوع في التعليم، فهو تعدد وازدواج في أنظمة التعليم، له تداعياته على الأجيال التي تنشأ في كنفه.

إن التنوع المقبول في التعليم تنوع لا خروج فيه عن القاعدة الأصلية في التعليم، فتكون كل منظومة تعليمية مرتبطة بالقاعدة التعليمية الأصلية لا تحيد عنها، وتصب في النهاية فيها؛ فهذا تنوع وإثراء، وهذا مفقود في منظوماتنا التعليمية إذ توجد فروق كثيرة بينها، وهذه الفروق تبلغ أقصى درجاتها في الانشقاق والمباينة للقاعدة الأصلية للتعليم في المدارس والجامعات الأجنبية.

مظاهر الاختلاف في منظوماتنا التعليمية:

1- التباين في الملكية:

التعليم الحكومي والأزهري ملكيته للدولة، والتعليم الخاص ملكيته لفردٍ أو مجموعة من المستثمرين، أو شراكة بين الدولة ومستثمرين، ومنها ما هو مؤسس على أساس تعاوني: كالمدارس القومية، أما التعليم الأجنبي فتابع لجمعيات أو هيئات أو دول أجنبية بشراكة مع مستثمرين مصريين أو بدون شراكة.

وهذا الاختلاف في الملكية يترتب عليه الاختلاف في الإمكانيات والإدارة والأنشطة التعليمية، بل وفي طقوس وأزياء الطلبة فيها؛ فضلًا عن تباين المستويات الاجتماعية للطلاب، وتباين علاقة هذه المدارس والجامعات بأولياء أمور الطلبة.

2- التباين في الإمكانيات:

فما تملكه الدولة فقير نسبيًّا في المباني والتجهيزات، بينما ترتفع الإمكانيات في التعليم الخاص بكل صوره، فهناك مدارس خاصة ثلاث نجوم، وأخرى أربع نجوم وأخرى خمس نجوم، وبعضها مبني على طرز وتجهيزات أجنبية؛ أما المدارس الأجنبية فتمتاز بالطرز والتجهيزات الحديثة الأكثر تقدمًا.

ويهولك في التعليم الخاص والأجنبي مباني الكليات والمدارس المقامة على المساحات الشاسعة إلى جانب المرافق والتجهيزات والملحقات، والحدائق المتعددة بالمقارنة بالمدارس والجامعات الحكومية.

3- التباين في المسميات:

فالمدارس الحكومية تسمى باسم المكان أو القرية أو الحي أو المدينة، أو باسم أحد الزعماء الوطنيين أو الشهداء، أما المدارس الخاصة فتسمى بأسماء أجنبية أو أسماء قديسين، أما المدارس الأجنبية فتلتزم غالبًا بأسماء دولها إن كانت بريطانية، أو فرنسية، ونحوها.

حتى في رياض الأطفال تسمَّى الحكومية منها منسوبة إلى أماكنها، بينما تسمى في القطاع الخاص والهيئات الأجنبية بأسماء جذابة، أو يطلق عليها مسميات أجنبية مثل: (بيبي هوم - مودرن سكول - هابي تشيلد).

أما في المعاهد العليا والجامعات الخاصة فتغلب على أسمائها صفة الحديثة أو التكنولوجية أو الأكاديمية أو المستقبل، بينما تحتفظ الجامعات الأجنبية غالبًا بأسماء دولها: كالجامعة البريطانية، أو الكندية.

4- التباين في الإدارة:

فالتعليم الحكومي والأزهري يدار بنظام حكومي مركزي تغلب عليه البيروقراطية، ورغم امتداد إشراف هذا النظام ليشمل القطاع الخاص، فإن القطاع الخاص فيه قدر من المرونة والاحترافية في الإدارة.

أما الجامعات الحكومية -وإن قيل عنها: إنها مستقلة- فتلتزم بما يصدر من المجلس الأعلى للجامعات، بينما تتمتع الجامعات الخاصة منذ قرار إنشائها الجمهوري بالحرية في تنظيم مسيرتها، أما الجامعات الأجنبية المقامة فهي مستقلة بذاتها ومجالسها، ولا تسمح لأحدٍ بالتدخل في شئونها.

5- التباين في المناهج:

لا يوجد تفاوت كبير بين مناهج المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، فكلاهما يوافق ما تقرره وزارة التربية والتعليم سواء في مواد التدريس أو في الامتحانات، وإن امتازت المدارس الخاصة بقدرٍ كبيرٍ من الأنشطة المختلفة والرحلات.

أما مناهج الجامعات الخاصة فتزعم أنها أحدث، ولكن كثيرًا من أساتذتها معارين من الجامعات المصرية، أما مناهج المدارس الأزهرية فيغلب على مناهجها العلوم الشرعية إلى جانب العلوم الدنيوية الأخرى.

أما مناهج المدارس والجامعات الأجنبية فهي مرتبطة ارتباطًا تامًّا بمناهج دول المنشأ الأجنبية، ولا دخل للسلطات المصرية في شئونها، وما توافقت فيه مع المناهج المصرية فهناك التغاير في أدبيات التربية النقدية، وهناك اختلاف في الثقافة الأسرية للطلاب عن غيرهم، بل هناك إحساس الطلاب فيها بتميزهم عن بقية طلاب المدارس الحكومية؛ إضافة إلى الاختلاف في الأنشطة الجامعية ووسائل المواصلات والأزياء والعلاقة مع الأساتذة، وكذلك حفلات التخرج التي يشهدها كبار المسئولين وقيادات المجتمع؛ إذ إن أكثر الخريجين من أبناء هؤلاء المسئولين والقيادات، إلى جانب الدعاية والإعلان حول امتيازاتها وإمكانياتها وانجازاتها.

6- التباين في تكلفة التعليم ولغة التعليم:

وهو مؤشر يعكس التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ككل على المنظومة التعليمية؛ فالتعليم الحكومي مجاني ليس له تكلفة رسمية إلا رسوم تتعلق بالأنشطة المدرسية والتأمين الصحي، ومع ذلك فكثير من الأسر الفقيرة تنوء بحمل هذه النفقات الدراسية، ومنهم مَن يُعفَى منها لظروفه الاجتماعية أو المادية.

وكذلك الشأن في التعليم الأزهري، ورغم هذا الزعم بمجانية التعليم الحكومي قبل الجامعي فقد تم اختراقه من خلال المدارس التجريبية للغات والمدارس الذكية والمدارس التجريبية، وهي مدارس جعلتها الحكومة بتعليم أجود ومصروفات أعلى للقادرين على تحمل التكلفة.

ويمتد التعليم المجاني إلى التعليم الجامعي وإن اخترقت بعض شعب كلياته عامل المصروفات إما لكون التعليم فيها باللغة الأجنبية أو لأن التعليم فيها أفضل نسبيًّا، بل أنشأت مراكز جامعية بمقررات متميزة بمصروفات أعلى.

أما التعليم في المدارس الخاصة والأجنبية فهو بمصروفات عالية لا يقدر عليها إلا الأغنياء، والنتيجة ارتباط جودة التعليم بدرجة مصروفاته، وعليه تتفاوت المصروفات في التعليم الخاص، لكنها تتضاعف بمعدلات باهظة في المدارس التي تعد طلابها للشهادات الأجنبية.

أما الجامعات الخاصة: فإن مصروفاتها باهظة، ومعظم كلياتها ومقرراتها باللغة الأجنبية، أما الجامعات الأجنبية فمصروفاتها فلكية، ومقرراتها تدرس بلغات دول المنشأ؛ خاصة الإنجليزية والفرنسية.

لقد انتعش التعليم الخاص منذ التحول السياسي في مصر إلى سياسة الاقتصاد الحر، والاستثمار بقوانين 1975م وما بعدها، ودخل القطاع الخاص المصري بثقله في إنشاء المدارس الخاصة العربية ومدارس اللغات الأجنبية الخاصة، وأخذت أعدادها تتزايد، ويتزايد عدد الطلاب فيها حتى بلغوا نحو 11% من مجموع طلاب التعليم الحكومي عام 2009 م - 2010 م المقيدين في رياض الأطفال، والتعليم الأساسي والثانوي.

ومن بين هذه المدارس الخاصة: مدارس اللغات التي فيها أقسام تعد طلابها للشهادات الأجنبية كالشهادة الإنجليزية (آي جي سي أس إي)، والتي بلغ عدد مدارسها حوالي 65 مدرسة، أو شهادة كمبردج، ومنها ما يعد لشهادة الثانوية العامة الأمريكية والتي بلغ عددها حوالي 80 مدرسة.

وللأسف، امتد هذا التعليم باللغة الأجنبية إلى كثيرٍ مِن مدارس الرياض في القطاع الخاص، وهذا بالطبع يقلل من القدرة على التعليم باللغة العربية فتبدو أمام أبنائنا وكأنها عاجزة عن التعليم في هذا العصر، كما يضعف وبشدة مستوى الطلاب في اللغة العربية، إلى جانب آثاره الاجتماعية والفكرية والثقافية على شبابنا.

هذا بخلاف المدارس الأجنبية التي تتولاها القنصليات الأجنبية التي تعدها لأبناء بعثاتها الدبلوماسية وجالياتها في مصر، والتي تستقبل أعدادًا من الطلاب المصريين في ضوء نفوذ أهلهم أو المصالح المشتركة بينهم وبين السفارات ممن يتحملون مصروفاتها الباهظة.

أما الجامعات الخاصة التي تحمل أسماء دولها، وبالتالي نعتبرها أجنبية على الرغم من أن رأسمالها -أو الجزء الأكبر منه- يتحمله أصحاب رأس المال المصري؛ إلا أنها تتبع دولها ومعظم هيئات التدريس فيها من الأجانب.

ومن هذه الجامعات: "الجامعة الأمريكية" وهي أقدمها، بل إنه لم يكن هناك في مصر جامعات خاصة أو أجنبية غيرها قبل عام 1996م.

ومنها كذلك: الجامعة الفرنسية، والبريطانية، والألمانية، والكندية، واليابانية، وفي الطريق الصينية، والإسبانية، والإيطالية، وجميعها يتم التدريس فيها حاليًا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وقد تظهر فيها شعب تدرس بالألمانية أو اليابانية.

وقد كان عدد الملتحقين بالجامعات الخاصة المصرية عند إنشاءها عام 1998 م حوالي 1911 طالبًا وطالبة، ومع الزيادة في أعدادها بلغت عشر جامعات مصرية خاصة، ويزداد عدد طلابها عن 50 ألف طالب وطالبة أي: بزيادة بلغت أكثر من عشرين ضعفًا.

والخلاصة: أنه قد أصبح لدينا منظومتان من التعليم الخاص، ومن التعليم الأجنبي من رياض الأطفال والتعليم الأساسي والثانوي حتى الجامعات، وهي جميعها تتقاضى مصروفات باهظة بالنسبة لمتوسط الدخل السنوي للمواطن المصري.

يقول د. حامد عمار تعليقًا على هذا التعدد وأسبابه: (التربية عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربوية)، (إنه مجتمع ظل يواجه التكيف مع أعاصير العولمة الرأسمالية التي تحتضن آليات الهيمنة العسكرية والتكنولوجية، وقوتها المعرفية في اقتصادياتها ومنتجاتها وشركاتها المتعددة الجنسية والعالمية، واتسعت مع حرية التجارة الداخلية والخارجية وإلغاء كافة القيود على الاستثمارات الوطنية والأجنبية وحرية الأجانب في التملك. وصاحب ذلك تقليص دور الدولة في مسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وترك المسئولية للأفراد والجماعات، ولا يحظى الصالح العام إلا بقدرٍ قليلٍ مِن رعاية الدولة؛ ضمانًا لبقاء نظام الحكم.

لقد أصيب النسيج الاجتماعي بالشروخ والتفسخ، وزادت الهوة بين الفقراء والأغنياء، ومهد التقدم التكنولوجي لاستخدام قوة السلاح للهيمنة والابتزاز، ولشيوع ظاهرة العنف، وتوهين التماسك العائلي والاجتماعي، وإلى تآكل مفاهيم المواطنة والولاء المكاني للوطن في السعي نحو الهجرة، وما تتضمنه ثقافته من قيم التضامن في السراء والضراء، ولم يكن أمام لعبة السياسة العالمية إلا أن يجد نظام الحكم نفسه بوعي ومع الضغوط منساقًا في هذه اللعبة ضمانًا للمحافظة على سلطانه، فالعولمة ليست نهاية التاريخ وليست قدرًا مقدورًا، وهناك قوى عالمية تدعو إلى البديل، ومع ذلك سعى مجتمعنا إلى الاندماج في تيارات العولمة المختلفة واحتضانها بحرفية) (انظر: المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين في القرن الحادي والعشرين، د. حامد عمار - د. صفاء أحمد ط. مكتبة الأسرة 2015 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب - ص 171 - 172 بتصرفٍ. وللاستزادة: راجع نفس المصدر: ص 103 - 106، ص 165 - 172).

جذور المدارس الأجنبية في مصر:

خلال ثلاثة عشر قرنًا هجريًّا لم تعرف مصر مدارس للتعليم الأجنبي فيها، ولم يكن يجرؤ أصحاب الديانات والنحل من اليهود أو النصارى أو غيرهم على بناء أماكن للتعليم الأجنبي لأبناء المسلمين، ولكن مع ضعف الدولة العثمانية وانتعاش الروح الأوروبية الاستعمارية، وظهور التبشير (التنصير) مرتبطًا باستعمار أقطار العالم الإسلامي، وحصول الدول الأوروبية الاستعمارية على الكثير من الامتيازات الأجنبية في تركيا والعديد من أقطار العالم الإسلامي التابعة لها؛ ظهرت المدارس الأجنبية، بلا فرقٍ بين التبشيرية منها وغير التبشيرية، وإن كان أكثرها في تلك الفترة كان تبشيريًّا؛ إذ رأى المبشِّرون في تلك المدارس الأسلوب الأنجع والأقوى للوصول إلى الغزو الفكري والعقائدي والثقافي للمسلمين، وذلك بعد فشل الحملات الصليبية المتتالية في كسر المسلمين وهدم الإسلام عبر قرون من الصراع العسكري.

(وإنما كانت المدرسة والتعليم أولى خطط التبشير لسببين مهمين: الأول: أن حاجة الناس إلى العلم لا تنقطع، فالإقبال عليه غريزة دافعة إلى طلبه. الثاني: أن التعليم يتضمن تنشئة الأجيال، وهذه المدارس تصبغهم بصبغتها وتوجههم بوجهتها) (انظر: المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية: تاريخها ومخاطرها، تأليف: بكر بن عبد الله أبو زيد - ط. دار العاصمة، ص 38 - 39).

وفي لبنان التي تركزت فيها جهود الفرنسيين والأمريكيين أنشئت في عام 1830م أول مدرسة للبنات، وفي مصر بداية من عام 1840م -ومن خلال البعثات التنصيرية (التبشيرية)- كان تأسيس الكلية الفرنسية بالإسكندرية والجمعية الإنجيلية البروتستانتية، ثم تبعتها مدارس الآباء اليسوعيين عام 1880م، وقد بلغ عدد مجموع الطلاب المسلمين فيها حتى عام 1891 م 7117 طالبًا.

وقد قامت العديد من الجاليات الأوروبية بإنشاء مدارس لها في كل بلدٍ حلَّت فيه، قامت بذلك الجالية اليونانية في الإسكندرية عام 1843 م ثم في المنصورة وطنطا والقاهرة، وغيرها، وهكذا الجالية الإيطالية منذ عام 1862 م، والجالية الألمانية عام 1866 م.

وتطور الحال إلى إنشاء الكليات للتعليم العالي، وكان أولاها في بيروت سنة 1862 م، والتي تحولت إلى اسم: (الكلية السورية الإنجيلية)، وهي تعرف اليوم باسم: (الجامعة الأمريكية في بيروت)، وأنشئت في اسطنبول (كلية روبرت)، ثم في القاهرة (الكلية الأمريكية).

وأما في جبال النوبة: فقد استولت الإرساليات البريطانية على التعليم فيها منذ عام 1919 م، حيث حاصرت توسع المدارس العربية والإسلامية فيها (راجع المصدر السابق، ص 38 - 42).

وتعجلًا للثمار كان يتم إعطاء الأولوية في إنشاء المدارس التبشيرية (التنصيرية) في الأقطار العربية والإسلامية إلى:

1- مجاهل إفريقيا.

2- البلاد التي يكثر فيها الصراع الفكري، وتعدد الملل كما في لبنان ومصر وسوريا.

3- البلاد ذات الرقع الصغيرة لضعف نفوذها ومعنوياتها.

4- لتعليم الصغار في مراحل التعليم الأولى، والتي هي محاضن للأطفال؛ لأن سن الطفولة هو البيئة الخصبة للتنصير (التبشير)، يسهل فيها التحويل ويسرع فيها التأثير قبل أن يتطبع النشء بالطابع الإسلامي؛ عقيدة وشريعة.

5- لتعليم البنات؛ لأنهن سيكن أمهات الغد، وهن أقوى وأسرع تأثيرًا على أولادهن من غيرهن (المصدر السابق، 46 - 47).

وسائل إغراء المدارس الأجنبية:

كان لا بد أن تكون هناك وسائل ومظاهر إغراء تتمتع بها المدارس الأجنبية حتى تنجح في استمالة أبناء وبنات المسلمين، ومن ذلك:

1- إظهارها بأنها تهدف نشر العلوم والمعارف الحضارية في بلاد المسلمين، وهو الهدف الظاهري الذي يروِّجه الاستعمار في احتلاله للشعوب الضعيفة.

2- زعم أنها مدارس تثقيفية تهذيبية تعدّ نماذج متقدمة للعلوم، وتعليم اللغات.

3- إيهام الناس بأنها رفيعة المستوى؛ ليلهث وراءها محبو الظهور والاستعلاء.

4- زعم مكافحة ما عليه ويعاني منه المسلمون مِن التأخر والجهل والتخلف.

5- الإنفاق عليها بسخاء من خلال ما يُرصد لها مِن أموالٍ طائلةٍ، وإمكانياتٍ وتجهيزاتٍ عاليةٍ.

6- جعل الأولوية لخريجيها في الوظائف والمناصب العليا.

7- جعل المكانة الاجتماعية لخريجيها تفوق مكانة خريجي المدارس الحكومية والخاصة.

تحذير المصلحين من المدارس الأجنبية:

صحب ظهور هذه المدارس الأجنبية واستفحال أمرها تحذير الكثير مِن المصلحين والكتَّاب والمفكرين المخلصين منها، وكتب العديد منهم في التنبيه على خطورتها، وما يمكن أن تحدثه من آثار سلبية على أجيالنا، وللأسف لم تلقَ هذه الكتابات والتحذيرات آذانًا صاغية لتعمل هذه المدارس دورها المرسوم لها، وما زالت ليجرف التيار الجميع، وتذهب التحذيرات أدراج الرياح!

كتب الأستاذ أحمد أمين في مقالة له بعنوان: (المدارس الغربية في البلاد الشرقية) يقول: (فواجب الشرق ألا يشجع هذه المدارس؛ لأنها مأوى التبشير والاستعمار معًا، وهي تجعل من نفسها داعية لدين غير دين البلاد، كما تجعل من نفسها حكومة داخل حكومة البلاد، وفي ذلك إهدار الاستقلال ومدعاة للفساد.

إن الأمم الحية الحريصة على توحيد كلمتها، وتوحيد آمالها، تصب أبناءها في قالبٍ واحدٍ حتى يكونوا متفقين متساندين؛ أما هذه المدارس فتجعل أبناء البلاد شيعًا، كل طائفة تصطبغ بصبغة خاصة، وإذ ذاك تتضارب الميول وتتنازع الآمال، ويكون أبناء البلد الواحد بعضهم أعداء بعض، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى) (المدارس العالمية: 71 - 72 نقلًا عن مقالات أحمد أمين ج 10 / 1154).

وللأستاذ محب الدين الخطيب محاضرة في صحيفة الفتح الإسلامية بعنوان: (المدارس التبشيرية) جاء فيها: (فحرام أن يسلم الوالد ولده، والأخ أخاه إلى المدرسة التبشيرية لتأخذه عدة سنوات، فتتسلمه ولدًا صحيحًا بعقيدته وثقافته ودينه -يعني على الفطرة-، ثم بعد حين ترده إلى أهله وأمته وبلاده ولدًا مزيفًا، ما كان فيه أُخذ منه، وما أعطيه ففاسد) (المدارس العالمية، ص 72).

وكتب الشيخ محمد الغمراوي في كتابه: (الطريقة المثلى للمحافظة على كرامة الإسلام ورد عادية الطاعنين عليه، ص 15): (وأسباب ضعف الروح الإسلامي في البالغين من المسلمين اليوم يمكن إجمالها في شيءٍ واحدٍ هو سوء التربية الإسلامية، وإذًا فعلى المسلمين أن يعنوا العناية كلها بإنشاء أولادهم نشأة إسلامية في مدارس إسلامية ينشئونها مِن أجل ذلك، ولا يدعوا أولادهم فريسة للمدارس غير الإسلامية الروح، تربيهم على غير غرار الإسلام وتخرجهم عنه بالتدريج، فإن المسلمين إن لم يصونوا أولادهم وهم صغار عن تحكم الملحد أو غير المسلم في عقولهم ونفوسهم لم يكن لهم أن يعجبوا من خروجهم وهم كبار عن طريق الدين، ومتابعتهم مَن يطعن باسم العلم أو الأدب أو حرية الرأي أو حرية التفكير) (المصدر السابق، ص 73).

وكتب شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه: (الدعوة إلى الإصلاح) ص 74 - 75 يقول: (لم يتفشَ زيغ العقيدة فيما سلف تفشيه اليوم؛ لأن وسائل ساعدت على سريان وبائه لم توجد مِن قبل، وأمهات هذه الوسائل ثلاثة أمور، أحدها: هذه المدارس التي يفتحها الأجانب في أوطاننا باسم العلم ويغفل بعض المسلمين عن سريرتها فتأخذهم بمظاهرها حتى يسلموا أطفالهم وهم على الفطرة إلى مَن يصبغ هذه الفطرة بسواد، وينزع منها روح الأدب الذي يجعلهم أولياء لعشيرتهم نصحاء لأمتهم. ثانيها: تهاون بعض الآباء بواجب أبنائهم إذ يرسلون الناشئ إلى معاهد العلم في أوروبا قبل أن يتلقن علوم الدِّين ما يجعل عقيدته مطمئنة، فيلاقي في أثناء الدراسة هنالك أو في بعض المحادثات شُبُهًا لا يجد في نفسه مِن الحجج ما يدفعها، وإذا تواردت الشبه على الناشئ رانت على قلبه، وأصبح يبصر وجه الحق أسودًا قاتمًا، فيعود إلى وطنه وهو يحمل لأبويه عقيدة (أنهما في ضلال مبين)، وذلك جزاء مَن يستهين بهدى الله، ولا يهمه إلا أن يكون لابنه مورد رزق واسع أو منصب في أحد الدواوين! ثالثها: أن كثيرًا مِن الحكومات الإسلامية ضعف فيها روح الاعتزاز بالدين الحنيف فاستباح واضعو برامج التعليم العام في مدارسها أن لا يضربوا لعلوم الدين بسهم، ومَن يضرب لها فبسهمٍ لا يغني مِن جهل، والتعليم الذي يهضم فيه جانب العلوم الدينية لا يرجى منه تهيئة نشء تتساقط عليهم الشبه فيطردونها أو توسوس إليهم الشياطين فيستعيذون منها) (المصدر السابق، ص 76 - 77).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة