الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية الأخلاقية في مرحلة الطفولة (5) الأخلاق السامية

الأمانة من أعظم الأخلاق

التربية الأخلاقية في مرحلة الطفولة (5) الأخلاق السامية
عصام حسنين
الثلاثاء ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠ - ٢٣:٥٧ م
411

التربية الأخلاقية في مرحلة الطفولة (5) الأخلاق السامية

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الأساس الثاني: خلق الصدق:

وهذا أصل مِن أصول الأخلاق الإسلامية، وهو أساس لما وراءه مِن الأخلاق، فالصدق منجاة، والإنسان الصادق يرشد إلى الخير كله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا) (متفق عليه).

(وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ): أي يبالغ فيه ويجتهد، فيعوّد الولد الصدق، ويربى عليه، تعليمًا وتدريبًا واختبارًا.

وأنجح وسيلة في ذلك هو القدوة، فصدق الوالدين وصدق البيئة التي يخالطها الطفل لها أكبر الأثر في تنشئته على الصدق، ومما يقع فيه كثير من الوالدين: الوعد الكاذب؛ فإن وعدت فاصدق، وإلا كان كذبًا وخلفًا للوعد، فعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- أنه قال: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟) قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- الأساس الثالث: كتم السر:

وهذا مما يجب أن يربى عليه الطفل تعليمًا وتدريبًا واختبارًا؛ لما له من أعظم الأثر في نفس الطفل وصلاحه ومعاملته مع غيره ومجتمعه، فإن نشأ الطفل بهذه الصفة ينشأ قوى الإرادة، حافظاً للسانه لا يتكلم إلا بخير، وينشأ أمينًا في كل شيء، ويعوّد أنه إذا خاصم لا يفجر، فلا ينشر سر صديقه الذى ائتمنه عليه يومًا ما.

ولننظر إلى تربية أم سليم -رضي الله عنها- لابنها أنس -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حفظ السر، فعن ثابت البناني قال: قال أنس -رضي الله عنه-: "أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَةٍ، قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدًا قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ" (متفق عليه).

هكذا فليكن اقتداء الأمهات بأم سليم -رضي الله عنها-.

- الأساس الرابع: الأمانة:

الأمانة من أعظم الأخلاق، ومما يدل على مكانتها أنها أول ما يرفع مِن الأمة، وأنه يعز وجوده، حتى تفتخر القبيلة أن بها رجلًا أمينًا، والإنسان الأمين محبوب من الله ورسوله ومن المؤمنين، بل ومِن جميع الناس، ويكفينا أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كان معروفًا بين قريش قبل أن يبعث بالصادق الأمين، بل وبعد بعثته كان المشركون يأتمنونه على أموالهم، وقد أبقى عليًّا في مكة يرد ودائع المشركين.

وهذا الخُلُق العظيم يحتاج إلى حزم وصبر من الوالدين في غرسه في نفوس أطفالهم مع التدريب والمحاسبة دون ملال، والصلاح من الله -تعالى-؛ فعليهم بالدعاء.

- الأساس الخامس: سلامة الصدر:

يعود الولد حب الخير للمسلمين، وأن يكون سليم الصدر لهم، فلا يحمل في قلبه غلًّا لأحدٍ.

وطريق تطبيق ذلك: ألا تقارنه بأحدٍ، وعندما يتكلم الوالدان عن أحدٍ يدعوان له بالبركة، ويرشدانه إلى الدعاء أن يوفقه الله -تعالى-، وأن لكل إنسان في هذه الدنيا نصيبه وقدره، مع اجتهاده أن يكون أفضل منه، وهذه هي الغبطة المحمودة، ومهما يفعل من خير يُمدح عليه، ويبغض إليه خُلُق الحسد والحقد.

ومن أسس الأخلاق:

الانتماء للإسلام، وللوطن الذى يعيش فيه، فيحب الإسلام والمسلمين، ويحب الوطن الذي يعيش فيه، ويسعى لحفظه ونفع أبنائه، ودفع الشر عنه، وكذا جميع أوطان المسلمين، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحب مكة، ويقول لها: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وكذا يعلم احترام الآخرين، والتواضع معهم، والعطف والرحمة على الصغير وعلى فقراء وضعفاء المسلمين، ويُغرس فيه المسئولية الاجتماعية أنه يعيش في مجتمع وهو مسئول عن صلاحه؛ فلا بد وأن يصلح المكان الذى يعيش فيه ولا يخربه، ويسعى بالنصح الصالح لأبنائه، ويعلم أن أعظم خلق هو المحافظة على الصلاة في وقتها ومكانها؛ فإنها تعلمه حفظ المواعيد، والنظام، والإتقان، فإذا شب على ذلك كان حازمًا، محافظًا، متحملًا للمسئولية.

وبعد؛ فقد يكون هذا الكلام مثاليًّا، والسؤال: كيف الطريق إلى تحقيقه؟

نعم، إن تربية الأطفال تربية سوية وفق الهدي النبوي الشريف وسط مجتمع تتباين مؤسساته في التربية لأمر شاق، لكن ليس بالصعب ولا المستحيل؛ فلابد من بذل الجهد بصدقٍ وإخلاصٍ، والله -تعالى- يعطي كلٌّ منا على حسب نيته، ومَن صدق الله صدقه.

وما يتلقاه الطفل في سنواته الأولى يبقى معه حياته كلها وإن رأى أو سمع خلاف ما تربى عليه، فأبشر أيها المربي الفاضل، ولكن عليك بخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبصدق وإخلاص وبتربية جميع النواحي الإنسانية في الطفل مع الدعاء، والله المستعانِ.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً