الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (75) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (3) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (3-3)

الفساد (75) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (3) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (3-3)
علاء بكر
السبت ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠ - ١٠:١٦ ص
516

الفساد (75) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (3) ازدياد تدهور العدالة الاجتماعية (3-3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتزداد حِدَّة الفقر وأعداد الفقراء في مصر في محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية، وتقترب نسبة الفقر في سكان الريف من 52 %؛ لذا فإن الصعيد والريف أماكن طاردة للسكان.

وطبقًا لبحث الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2019م، فإن محافظة أسيوط هي أكثر المحافظات في مصر فقرًا حيث بلغت نسبة الفقر بين سكانها: 7و66%، تليها سوهاج بنسبة: 64 %، فالأقصر بنسبة: 55 % -ولعلها نتيجة لفترة الكساد السياحي فيها-، فالمنيا بنسبة فقر بلغت: 53 %، وهذه أفقر أربع محافظات في الصعيد، يليها محافظتي الحدود: الوادي الجديد، ومرسى مطروح.

بينما تأتي محافظة البحيرة كأعلى نسبة فقر في وجه بحري بنسبة فقر: 47 %، تليها بقية محافظات الصعيد: أسوان، فقنا، فبني سويف، فالجيزة، بينما تنخفض نسبة الفقر في الفيوم إلى 25 %.

أما أقل المحافظات فقرًا فهي: محافظة بورسعيد بنسبة فقر: 6و7 %، فالغربية بنسبة: 8%، فدمياط والدقهلية فكفر الشيخ، بينما بلغت نسبة الفقر في القاهرة 30% (لذلك كان من الطبيعي أن توجد أفقر القرى المصرية في الصعيد أيضًا ومعها البحيرة، حيث سجلت سوهاج أعلى نسبة من القرى الفقيرة بين قراها بنسبة 87 % بعدد 236 قرية، تليها أسيوط بنسبة 2و66 %، وعدد 207 قرية، ثم المنيا 163 قرية، وقنا 60 قرية. أما البحيرة فقد بلغ عدد القرى الفقيرة بها 155 قرية، أي: أن هذه المحافظات الخمس يوجد بها 921 قرية من قائمة أفقر ألف قرية بنسبة 1و92 % (راجع: الفقراء وعاصفة كورونا، عبد القادر شهيب، ص 55).

و(ليس صعبًا فهم: لماذا استوطن الفقر معظم محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية؟ فهي كانت غائبة حتى وقت قريب مضى عن اهتمام الدولة، وجهود الإدارات الحكومية بها على مدار سنوات طويلة؛ ولعل هذا ما جعلها مناطق طاردة للسكان؛ خاصة بعد أن واجهت المناطق الريفية بها مشاكل كبيرة في الزراعة لم تجد لها حلولًا كافية؛ فضلًا عن عدم الاهتمام المناسب بالبنية الأساسية فيها من طرق وطاقة ومياه شرب وصرف صحي، خاصة وأن الحصة التصويتية للصعيد ضئيلة لقلة عدد سكانها على خلاف محافظات الوجه البحري، والدلتا التي أجبرت كثافتها السكانية الإدارات الحكومية على إعطائها قدرًا كبيرًا من الاهتمام يفوق الاهتمام بمحافظات الصعيد والحدود، وإن كان بالطبع يقل عن الاهتمام بالقاهرة (المصدر السابق، ص 56-57).

و(قد تضاعفت نسبة الفقر في القاهرة خلال ثلاث سنوات مضت حيث ارتفعت من 5و17% عام 2015 م إلى 1و31 %عام 2018م، ولكن ذلك يمكننا تفسيره بأن القاهرة تضم في ذات الوقت النسبة الأكبر من العشوائيات والمناطق الخطرة، وهي مناطق يسكنها في الأغلب فقراء أو مَن يعيشون على هامش خط الفقر، والأغلب أن هؤلاء سقطوا تحت خط الفقر لانخفاض دخولهم بعد تعويم الجنيه المصري، والذي أعقبه انقلاب في معدل التضخم)، (فضلًا عن أن العاصمة تضم أيضًا النسبة الأكبر من موظفي الحكومة الذين عانوا كثيرًا هذا الجنون الذي أصاب أسعار السلع الأساسية خاصة الغذائية، كما يضاف إلى ذلك: أن القاهرة كانت ولا تزال تمثِّل مركز جذب لفقراء المحافظات الأخرى والباحثين معهم عن فرص عمل توفِّر لهم دخولًا مناسبة، وهؤلاء أسهموا بالطبع في زيادة أعداد الفقراء في العاصمة) (المصدر السابق، ص 59 - 60).

ونظرًا لأن مشكلة الفقر ليست مشكلة طارئة أو مؤقتة، لكنها قديمة ومزمنة، بل وتزايدت في العقدين الأخيرين، وأصبحت تحتاج لمعالجة جادة وحاسمة، فقد صار لدى الدولة في السنوات الأخيرة خطة لمواجهة الفقر وإنقاذ الفقراء بدأ تنفيذ بنودها المختلفة، وربما دفعنا إلى ذلك: أن الإدارة المصرية تبنت خطة صارمة للإصلاح المالي والاقتصادي كانت تحمِّل الفقراء أعباءً كبيرة إضافية، وعانى منها الكثير ممَن يعيشون على هامش خط الفقراء ويصارعون في حياتهم حتى لا يسقطون تحت هذا الخط.

جهود الإصلاح الاقتصادي والمالي:

لقد تولَّدت لدى الدولة في السنوات الأخيرة الإرادة السياسية الجادة في الأخذ بنهج علاج جذري للمشكلة الاقتصادية في مصر بعيدًا عما كان يتبع من نهج إدارة سابق يقوم على التخفيف من حدة الأزمات بتقديم المسكِّنات مع بقاء جذور المشكلة كما هي.

ولقد تضمنت خطة الإصلاح للهيكل الاقتصادي -والتي قطعت فيها الدولة شوطًا طويلًا- التخلص من دعم الطاقة وبعض السلع، وإعادة تسعير الخدمات التي تقدِّمها الحكومة لتصير أسعارًا اقتصادية، أي: تغطي تكلفة إنتاج هذه الخدمات، ثم كان تعويم الجنيه في نوفمبر 2016م الذي كان من شأنه زيادة الأسعار وارتفاع معدل التضخم، حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري إلى النصف مرة واحدة في أيام قليلة، وارتفع معدل التضخم ليتضاعف لنحو ثلاثة أضعافه مع بداية عام2017م، وهو ما أدَّي بالطبع إلى تآكل الدخول الحقيقية لفئات اجتماعية عديدة بصورة لا تجد معها ما قدَّمته الحكومة من زيادة في المرتبات وما حققته من نمو في الاقتصاد، فزاد عدد الفقراء، بل ارتفعت نسبة الفقر المدقع من 3و5 % عام 2015 م إلى 2و6 % عام 2018 م) (المصدر السابق، ص 51-52)؛ ولذلك لزم الأمر مع تنفيذ خطة الإصلاح المالي والاقتصادي وضع خطة موازية لعلاج الآثار الجانبية لها لتخفيف أعبائها على غير القادرين وحماية للفقراء.

تنشيط الاقتصاد المصري:

لقد صاحبت خطة الإصلاح الاقتصادي محاولات لتنشيط الاقتصاد المصري الذي كان يعاني من الركود؛ فتم ضخ استثمارات عامة وحكومية كبيرة ابتداءً من 2015 م لتحقيق زيادة مضطردة في معدل النمو الاقتصادي في ظل تراجع الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية؛ بسبب الظروف السياسية التي عاشتها البلاد وتوقف استثمارات ومشروعات قائمة، وقد تم توجيه هذه الاستثمارات في مشروعات البنية الأساسية وقطاع التشييد؛ لأنها تعد المشروعات المناسبة لتحريك عجلة الاقتصاد سريعًا، وتسهم في صياغة مناخ أفضل للاستثمار والمستثمرين.

وقد تم جذب استثمارات أجنبية في مجال البترول والطاقة الكهربائية، فكانت اكتشافات الغاز الجديدة ومحطات إنتاج الكهرباء الكبيرة التي تم إقامتها باستثمارات أجنبية، وقد أسهم ذلك في زيادة معدل النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة تسهم في زيادة متوسط دخل الأسرة.

ولتخفيف أعباء ذلك المواطنين وضعت خطة موازية لمواجهة الآثار الجانبية للإصلاح الاقتصادي وحماية الفقراء تضمنت:

- زيادة دعم أصحاب الدخول المحدودة نقدًا وعينًا.

- زيادة دعم البطاقات التموينية التي يستفيد منها نحو 4و64 مليون مواطن حيث زاد الدعم ليبلغ 50 جنيهًا للفرد، ليبلغ إجمالي دعم التموين ودعم رغيف الخبز نحو 89 مليار جنيه في السنة.

- زيادة الأجور والمرتبات لموظفي الحكومة وللعاملين في قطاع الأعمال العام وزيادة المعاشات.

- زيادة العلاوات في العام المالي 2017 م/ 2018 م لمواجهة آثار تعويم الجنيه.

- زيادة الإعفاء الضريبي على دخول الموظفين من 6500 جنيه إلى 7200 جنيه.

- رفع الحد الأدنى الأجور.

- مد مظلة الحماية الاجتماعية، وهي إحدى توصيات صندوق النقد الدولي لتخفيف أعباء برنامج الإصلاح الاقتصادي.

- تقديم مساعدات وإعانات حكومية من خلال توزيع القوات المسلحة ومعها الشرطة، بعض السلع الغذائية والضرورية من خلال قوافل متحركة، مع إقامة معارض ثابتة ومعارض موسمية مخفضة تنظمها وزارة التموين للسعي إلى السيطرة على أسعار السلع الأساسية.

- استهداف القرى الأكثر فقرًا وتزايد نسبة الفقر فيها عن 70%، والتي خصص لها 103 مليار جنيه، ويتضمن العمل فيها تمهيد الطرق، وتوفير الكهرباء، وشبكات الري والمياه النقية، وشبكات الصرف الصحي، وتوفير وحدات صحية، وبيطرية، واجتماعية، ومركز شباب، وتدوير المخلفات الزراعية، وتطوير منظومة المخلفات الصلبة، وإنشاء صناعات بيئية، تشارك فيها منظمات من المجتمع المدني، وتستهدف المبادرة نحو277 قرية في 16 محافظة تم اختيار مائة قرية منها كمرحلة أولى تجريبية.

- بدء تنفيذ برنامج كبير للإسكان الاجتماعي للتخلص من العشوائيات غير الآمنة، ونقل سكانها إلى أماكن سكنية لائقة.

ويستهدف البرنامج نحو مليوني مواطن، إلى جانب تطوير وتنمية 250 منطقة عشوائية بتوفير الخدمات الأساسية والضرورية لسكانها من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.

- كما يتضمن البرنامج بناء مليون وحدة سكنية لأصحاب الدخول المحدودة وللطبقة المتوسطة، وقد ظهرت بالفعل بشائر هذا البرنامج.

- تقديم القروض لتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

- بدء تطبيق مشروع لتطوير التعليم، وهو مشروع سوف يستغرق سنوات طويلة لتحقيقه، يهدف إلى تحسين الخدمة التعليمية، والتخلص من الدروس الخصوصية التي يعاني منها أولياء الأمور.

- البدء في تنفيذ برنامج للتأمين الصحي الشامل، ومقرر له مراحل تستغرق نحو ثلاثة عشر عامًا لتغطية كل محافظات الجمهورية (راجع المصدر السابق، ص 94-97).

وهذه كلها -بالإضافة إلى غيرها من الجهود- تعد آليات جادة لمكافحة الفقر، ولكنها بالطبع لا تكفي لمواجهة حِدَّة الفقر في مصر، واتساع رقعته، وصعوبة التخلص منه والقضاء عليه، فالتحدي أكبر من ذلك.

تداعيات أزمة كورونا:

جاءت أزمة كورونا بتداعياتها السلبية الكبيرة على الاقتصاد العالمي والمحلي، والتي أوجبت على الحكومة كضرورة اقتصادية إنفاق أكثر، وفي أسرع وقت؛ للخروج من الركود الذي أصاب الاقتصاد من جديد بسبب أزمة كورونا.

ولقد كانت وطأة أزمة كورونا على الفقراء وعلى مَن يعيشون على هامش خط الفقر شديدة، فالتباعد الاجتماعي أو الشخصي الذي اتبع عالميًّا لمواجهة انتشار الوباء يقوم على إلزام الناس على البقاء في منازلهم، وبالتالي إغلاق الكثير من المنشآت الاقتصادية أو تقليل العمالة بها، وإغلاق الحدود ووقف كل رحلات الطيران، ومنع السفر والتنقل والنقل، أي: بإيجاز ضرب الاقتصاد العالمي؛ إذ تراجعت حركة التجارة العالمية من صادرات وواردات، وتوقفت السياحة العالمية تمامًا، وتضررت كل الصناعات التي لا يمكن للعاملين بها ممارسة أعمالهم عن بُعد (أون لاين) من منازلهم.

وجاءت التقديرات الأولية لصندوق النقد الدولي بتوقع انخفاض معدل النمو العالمي لعام 2020 م من 6و2 % إلى 3 % بالسالب، وهذه النسبة مرشحة للانخفاض أكثر في ضوء استمرار هذه الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن جائحة كشفت ضعف وعوار الأنظمة الصحية) (المصدر السابق، ص 144-145).

وبالطبع كان لنا نصيب مثل هذه التداعيات، مرة نتيجة تأثرنا بما يحدث للاقتصاد العالمي من التوقف التام لحركة السياحة والطيران، وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج، حيث تأثر اقتصاد الدول التي يعملون بها، كما انخفضت إيرادات قناة السويس لتراجع وانكماش التجارة العالمية، كما انخفضت عائدات البترول نتيجة انخفاض أسعاره عالميًّا، إلخ، ومرة أخرى: تأثرنا نتيجة تداعيات الأزمة على الاقتصاد داخل مصر نفسها. ومجابهة هذه الأزمة تطلبت -وما زالت تتطلب- تغطية قدرات وإمكانيات كبيرة في المجال الصحي، وإنفاق أموال إضافية للحفاظ على اقتصادنا حتى لا يطاله الركود.

(وسوف يعقد ذلك من مشكلة الفقر لدينا لعدة أسباب، منها: أن إجراءات مواجهة وباء كورونا صحيًّا سوف تؤثر سلبيًّا على أصحاب الدخول المحدودة؛ خاصة الذين ليس لديهم عمل منتظم، ومنها أيضًا أن هذه المواجهة سوف تضيف أعباءً مالية إضافية ضرورية على عاتق موازنة الدولة، وبذلك ستقل الموارد المتاحة لديها لتمويل خطة مكافحة الفقر وانتشال الفقراء من فقرهم، ومنها كذلك أن الدولة سوف تجد نفسها مطالبة بمزيدٍ مِن الإنفاق على النظام الصحي حتى يكون مستعدًا لمواجهة وباء قادم مفاجئ، وهو أحد دروس جائحة كورونا الجديدة) (راجع المصدر السابق، ص 152- 153).

وقد بدأت الإدارة المصرية في التصدي للأزمة من خلال مواجهة الوباء صحيًّا، وأيضًا: مواجهة تداعياته الاقتصادية لتخفيض حدتها على اقتصادنا حيث (اتخذت حزمتين من القرارات الاقتصادية وبدأت في تنفيذهما يشكل عاجل، وشملت الحزمتان تخصيص نحو مائة مليار جنيه لمواجهة تداعيات الأزمة بما فيها ما يحتاجه القطاع الصحي)، فكان خفض أسعار الفائدة لتخفيض الأعباء على الحكومة والموازنة العامة والمشروعات الاستثمارية العامة والخاصة، (وتأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ستة أشهر، وتحديد القطاعات الأكثر تأثرًا بانتشار وباء كورونا لتقديم الدعم اللازم لها، ومنها: قطاع الطيران والقطاع السياحي وإعفاء الأجانب من ضرائب الأرباح الرأسمالية نهائيًّا، وتأجيل مستحقات الشركات العامة في القطاع السياحي والمنشآت الفندقية لمدة أربعة أشهر بدون غرامات وفوائد، وتقدم البنوك لها تمويلًا ميسرًا بفائدة منخفضة؛ بالإضافة إلى صرف 500 جنيه ولمدة ثلاثة أشهر لنحو مليون ونصف مليون من العمالة غير المنتظمة، والتي كانت الأكثر تضررًا بإجراءات العزل الاجتماعي وتراجع النشاط الاقتصادي، ومنح أصحاب المعاشات العلاوات الخمس المستحقة لهم بحكم قضائي طال انتظاره، مع زيادة في المعاشات في الموازنة الجديدة) (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 153-155).

(وهذه الإجراءات والقرارات كان لها هدف أساسي مزدوج من ناحية تعويض مَن لحقت بهم خسائر مِن جراء تراجع النشاط الاقتصادي بسبب وباء كورونا، ومن ناحية أخرى الحفاظ على عجلة الإنتاج والنشاط الاقتصادي وأثره، حتى لا يتضرر اقتصادنا كثيرًا وتتراكم خسائره إذا ما توقف هذا النشاط الاقتصادي أو أصابه عطب كبير من جرَّاء ما أصاب الاقتصاد العالمي ومن جراء الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها لمواجه الوباء، حيث حرصت الإدارة المصرية على تحقيق درجة من التوازن بين الإجراءات الصحية لمواجهة كورونا وإجراءات الحفاظ على عجلة الاقتصاد وأثره) (المصدر السابق، ص 155).

دور الجمعيات الأهلية ومسئولية رجال الأعمال:

رغم جهود الدولة لمكافحة الفقر وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الفقراء، فإن حدة مشكلة الفقر واتساعها يجعل مواجهتها من الصعوبة بمكان، فما زال الأمر يحتاج إلى خطة شاملة كاملة لا إلى جهود وآليات مبعثرة، خطة تتضمن إدماج للفقراء في مسار التنمية، وتقديم خدمات حكومية مجانية حقيقية جيدة لهم، وقبل ذلك وبعده فلا بد من قيام منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بدورها في مساعدة الفقراء والمحتاجين، ولابد أيضًا من تحمل رجال الأعمال لمسئوليتهم الاجتماعية تجاه هؤلاء الفقراء والمحتاجين، وهو واجب عليهم لا منة منهم، فالكل في سفينة واحدة تحتاج إلى مزيدٍ مِن التكافل والتضامن والتكاتف، وينبغي فيها مراعاة العدالة الاجتماعية وتقويتها والحفاظ عليها حفاظًا على المجتمع من مشاعر الكراهية والحقد والبغضاء في ظل ازدياد الأثرياء غنى وإعراضًا عن المحتاجين، وازدياد الفقراء فقرًا ومعاناة وتهميشًا، وهي حالة تهدد سلامة المجتمع ككل وتماسك أفراده.

(وهذا لا يعني عدم الإقرار بالمسئولية الأولى للحكومة في مكافحة الفقر؛ لأنها هي التي تصنع الخطط وتصوغ السياسات وتقترح البرامج الزمنية وتتخذ القرارات التنفيذية، فإن دور الحكومة في مكافحة الفقر دور قيادي وموجَّه لبقية مكونات ومؤسسات الدولة، ففي مقدورها حفز المجتمع المدني وانتهاج السياسات المشجعة له ليلعب دورًا أكبر في مكافحة الفقر، وهي أيضًا في مقدورها حث رجال الأعمال على الوفاء بمسئولياتهم الاجتماعية والقيام بدورهم في هذه العملية؛ خاصة وأن الأمر هنا ليس مجرد حث رجال الأعمال على تقديم تبرعات وهبات مالية -كما كنا نفعل دومًا-، وإنما إشراكهم في عملية التنمية الاجتماعية التي يتعين أن تمضي في مسارها جنبًا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية ونحن تكافح الفقر) (المصدر السابق، ص 178).

- إن تضافر الجهود من الحكومة والمجتمع المدني ورجال الأعمال هو الطريق لتخطي الأزمة الاقتصادية التي نعانيها.

- إن مسئولية رجال الأعمال توجب عليهم ألا يتهربوا من دورهم التنموي بإقامة المزيد من الاستثمارات التي تحتاج إليها البلاد بشدة لتجاوز الأزمة الاقتصادية من جهة، ولتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، وهي مسئولية قد تزايدت في ظل أزمة كورونا الحالية؛ إذ يجب عليهم ما استطاعوا المحافظة على استمرار أنشطتهم ومشاريعهم الاقتصادية، والحفاظ على العمالة الموجودة فيها، وتقديم المساعدات الضرورية للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة في المجتمع، بل والمساهمة في توفير قدرٍ مِن الأموال اللازمة لتنفيذ خطة الدولة في مكافحة الفقر؛ خاصة وقد وجدوا الدعم والمساندة من قِبَل الدولة من خلال إجراءات عديدة لتشجيع الاستثمار ودعم المستثمرين، خاصة بعد أزمة كورونا.

(لقد حصل رجال الأعمال من الحكومة على الكثير من الدعم بدءًا من تخفيض أسعار الفائدة، وتخفيض ضريبة الدمغة على توزيع الأرباح إلى النصف، ومرورًا بتخفيض أسعار الغاز والكهرباء للمصانع، وانتهاءً برفع الحجوزات على الممولين المتأخرين في سداد الضرائب مقابل دفع 10 % من المستحقات، وتقديم دعم بمليار جنيه خلال شهرين، وكلها إجراءات تمنح رجال الأعمال دعمًا حكوميًّا بمليارات الجنيهات، وبالتالي ما سوف يسهم به رجال الأعمال في خطة مكافحة الفقر سبق وأن حصلوا على أضعافه من الحكومة، ولا يزالون يطالبون بالمزيد!) (المصدر السابق، ص 166–167).

إن في مصر نحو 57 ألف جمعية أهلية، نسبة كبيرة منها تم تأسيسها خلال العقد الأخير أي: بعد عام 2011 م، فقد تأسس خلال العقد الأخير نحو 24.5 ألف جمعية تمثِّل 43 % من إجمالي عدد الجمعيات الأهلية الموجودة والمسجلة حاليًا في سجلات وزارة التضامن الاجتماعي، وهذه الجمعيات منها 96 جمعية أجنبية دولية حازت على موافقة وزارة الخارجية على إنشائها؛ هذا عدا وحدات ومنظمات أخرى للمجتمع المدني غير مسجلة كجمعيات أهلية حيث تم إنشاؤها كشركات غير هادفة للربح أو كمكاتب قانونية ومحاماة تعمل في المجال الحقوقي ومجال حقوق الإنسان. وقد بلغ إنفاق هذه الجمعيات الأهلية على العمل المجتمعي في عام 2018 م وحده فقط نحو عشرة مليارات جنيه طبقًا لتقديرات وزارة التضامن، وهو رقم يساوي أكثر من نصف ما أنفقته الحكومة في ذات العام على برامج الحماية الاجتماعية في موازنتها (راجع المصدر السابق، ص 120).

ويمكن تصنيف الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني إلى أربعة أنواع:

الأول: جمعيات يقوم نشاطها على البرِّ والإحسان، وتهتم بالعمل الخيري، وتستند إلى الوازع الديني، حيث تقدِّم مساعدات مالية وعينية للفقراء والمحتاجين في المناسبات الاجتماعية، مثل: الزواج وبدء العام الدراسي، وكذلك الأعياد الدينية، وتمثِّل نسبة هذا النوع من الجمعيات حوالي ثلث إجمالي عدد الجمعيات الأهلية تقريبًا.

الثاني: جمعيات خدمية ورعائية، توفِّر رعاية اجتماعية لبعض الفئات، مثل: الأطفال الفقراء وأطفال الشوارع والأيتام، والمسنين، والمعاقين، وغيرهم، وهي تقدِّم خدمات متنوعة مجانًا أو بأسعار مخفضة ورمزية. ولا يقل هذا النوع مِن الجمعيات عن نصف إجمالي عدد الجمعيات الأهلية، وهي جمعيات في تزايد مع تراجع دور الدولة في الحياة الاقتصادية بعد تبني سياسات اقتصاد السوق.

الثالث: جمعيات تنموية لا يقتصِر نشاطها على تقديم إعانات أو خدمات للفئات الاجتماعية المحتاجة، وإنما تستهدف تمكين الفئات المهمشة من خلال التعليم والتدريب، وأيضًا تقديم القروض الاستثمارية وتوفير فرص العمل، وذلك بغرض دمج هذه الفئات في المجتمع وتوفير مصدر رزق دائم يغنيها عن الحاجة للإعانات. ويمثِّل هذا النوع من الجمعيات الأهلية حوالي خمس الجمعيات الأهلية.

الرابع: منظمات حقوقية لا تقدم خدمات مباشرة، ولكن تتبنى مطالب لفئات محددة كالنساء أو الأطفال أو السجناء، دفاعًا عن حقوق الإنسان. وعدد هذه المنظمات لا يتجاوز 500 منظمة، وهي رغم قلة عددها إلا أنها الأكثر جذبًا للتمويل الأجنبي (المصدر السابق، ص 122 - 123).

لقد لعبت الجمعيات الأهلية دورًا كبيرًا في محاربة الفقر في عدة مجالات متعددة ومتنوعة، (وحددت وزيرة التضامن السابقة د. غادة والي نحو 12 ألف جمعية أهلية نشطت في مواجهة الفقر حتى عام 2018 م أنفقت نحو عشرة مليارات جنيه على العمل المجتمعي، وفي مقدمته توفير حماية للفقراء ومساعدتهم على التخلص من فقرهم، وهذه الجمعيات الأهلية قدمت مساعدات نقدية وعينية أو موسمية أو أدوية لنحو مليون فقير، وأهم المساعدات العينية التي ساهمت الجمعيات الأهلية في تقديمها للفقراء كان الطعام. ورصدت الوزيرة السابقة إسهام بنك الطعام وحده في إطعام نحو 250 ألف أسرة شهريًّا، مع توفير نحو 4و9 مليون وجبة مدرسية سنويا لنحو 30 مدرسة، ويعد شهر رمضان الشهر الذي يتم التوسع من خلاله في توزيع الطعام على الفقراء من خلال (كرتونة الغذاء) أو موائد الرحمن، فإن مائة جمعية أهلية تتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي تقدِّم سنويًّا تحت مظلتها ما لا يقل عن خمسة ملايين كرتونة غذاء، وتشير التقديرات الحكومية أنه تقام خلال شهر رمضان نحو مليون مائدة رحمن تبلغ تكلفتها ملياري جنيه) (المصدر السابق، ص 127-128).

(وطبقًا لتقديرات وزارة التضامن الاجتماعي، فإن هناك نسبة 40 % من الجمعيات الأهلية المسجلة قانونًا ليست نشطة، وبالتالي: فإن نسبة الجمعيات الأهلية النشطة تمثل 60 % فقط من الجمعيات الأهلية المسجلة، وهذا يعني أن المجتمع المدني لا يعمل بكل قواه في شتى المجالات داخل البلاد، وهذا ينطبق بالطبع على مجال مواجهة الفقر ومساعدة الفقراء)، فإن (الجمعيات التي تتعاون في مواجهة الفقر مع وزارة التضامن، فإن عددها لا يتجاوز مائة جمعية فقط من بين 57 ألف جمعية مسجلة، أو حتى 34 ألف جمعية يمكن اعتبارها جمعيات نشطة الآن في مصر) (المصدر السابق، ص 132).

(وهذه الجمعيات الأهلية التي تنشط في مجال مكافحة الفقر تقدِّم مساعدات لنحو مليوني فقير فقط، طبقًا لتقديرات وزارة التضامن الاجتماعي، بينما يوجد لدينا أكثر من ستة ملايين من المواطنين يعانون الفقر المدقع، ونحو ثلث المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، أي: أن جهد تلك الجمعيات الأهلية في مساعدة الفقراء لا يغطي سوى 6% فقط من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، و أقل من ثلث من يعانون الفقر المدقع، ومثل هذا الجهد المشكور بالطبع، لا يمكن اعتباره كافيًا لمحاربة الفقر وتخفيض عدد الفقراء؛ لأنه لا يشمل النسبة الأكبر من الفقراء بصفة عامة ومَن يعانون فقرًا مدقعًا، وحتى ما تنفقه تلك الجمعيات على الفقراء في شكل مساعدات ومعونات ليس مناسبًا ويعد ضئيلًا إذا ما قورن بما يدفعه الأغنياء والفئات الاجتماعية الأكثر قدرة في مصر، فمثلًا فإن ما ينفق على موائد الرحمن خلال شهر رمضان لا يزيد كثيرًا على ثلث ما ينفق على سهرات رأس السنة، والتي تبلغ 5.5 مليار جنيه، فضلًا عن أن مَن يحتاجون حقائب رمضان الغذائية يفوق ما يوزع منها خلال شهر الصوم، مع التنبيه إلى أن ذلك يتم في شهر واحد في السنة) (المصدر السابق، ص 134).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة