الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تذكرة العشر الأواخر

ليكن شعارك في رمضان: لن أخرج من رمضان إلا بفوز وغنيمة، وأجور عظيمة

تذكرة العشر الأواخر
عبد الرحمن راضي العماري
السبت ٠٨ مايو ٢٠٢١ - ١٦:١١ م
197

تذكرة العشر الأواخر

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعلم أيها النبيه أن الله وصف أيام رمضان المباركات بأنها (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:184)، إشارة لقلة عددها وسرعة انقضائها، وفي ذلك بيان ليسرها وتشجيعًا لنا على الاجتهاد فيها، وعدم الخوف من التعب، فإنه تعب يسير، فهي (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) يترتب على التعب فيها أجر جزيل، وخير كثير، وها نحن قد أقبلنا على عشرة أيام من هذه الأيام المعدودات؛ فلو شئنا لقلنا عنها: ساعات معدودات، أو أنفاس معدودات، وهي على قلتها اشتملت على جوائز وفضائل لا مثيل لها، أعظمها: "ليلة القدر".

وأنت تعلم أن ليلة القدر أعظم الليالي وأكرمها؛ فهي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3)، مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، والشباب منا خصوصًا اجتمع لهم فرص الفوز بالأجور الغالية والرقي للمنازل العالية، فنحن كشباب آتانا الله صحة وقوة، مع إكرامه لنا ببلوغ رمضان ولياليه المباركة، وها هي أعظم فرصة لنا على تجديد العزيمة ورفع الهمة، لننشغل بعبادتها عن المحرمات وما ابتلينا به من فتن وفخوخ نصبها أعوان الشيطان لنخسر رمضان؛ فاعزم على الإحسان، وتفويت الفرصة على أعداء الرحمن، واستعن بالله الكريم المنان.

فما بقي مِن الشهر الفضيل سوى القليل؛ فاحرص أخي الشاب النبيل على تحصيل أكبر قدرٍ مِن الأجور قبل الرحيل؛ قبل رحيل الشهر أو رحيلك؛ فكم رحل هذا العام من أناس ولم يبلغوا رمضان، وكثرة الموت في أيامنا أمر مشاهد، ولنا في ذلك تذكرة وعظة.

فاجتهد أخي الحبيب فيما بقي يغفر لك ما مضى من تقصير، ولك في الخيل عبرة؛ فإنها كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "إذا شارَفَت نهايةَ المِضمار، بَذَلَت قُصارَى جُهدِها لتفوز بالسباق، فلا تَكنِ الخيلُ أفطَنَ منك، فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تُحسِن الاستقبال، لعلّك تُحسِن الوداع".

وقد قال ابن تيمية -رحمه الله-: "العِبرةُ بِكمالِ النهاياتِ، لا بنَقصِ البدايات".

وكان الحسن البصري -رحمه الله- يقول: "أحْسِنْ فيما بَقَي، يُغْفَرُ لك ما مضى، فاغتَنِم ما بَقي، فانك لا تدري متى تُدرِكُ رحمةَ الله".

وأبين من ذلك كله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ) (رواه البخاري)، والعشر الأواخر خاتمة رمضان.

وإن كنت حرمت من الاعتكاف هذا العام بسبب إجراءات كورونا، وهذا أمر محزن، لكنك تعلم أن العبد قد يؤجر بنيته على العمل إن صدقت النية، وتأكد عزمه على العمل، نعم إن علم الله منك خيرًا وصدقًا، ورأى فيك حزنًا على الحرمان من هذه العبادة السنوية الجليلة التي كان يواظِب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها تحريًا لليلة القدر، وتكن كمن قال فيهم الله واصفًا حالهم حين حرموا من الخروج للجهاد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عنه -سبحانه-: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) (التوبة:92).

ويا لسعادتك إذا كنت ممَّن كان يواظب على الاعتكاف وحرم منه لعذر قاهر، كما هو الحال في هذا العام، ومصداق ذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) (رواه البخاري).

ويشهد بصدقك في حب الاعتكاف: أن تقوم بما تقدر عليه في البيت أو المسجد، وتتخلق بأخلاقه، وتستشعر معانيه العظيمة، وتتفكر فيها كأنك تعيشها؛ حينها تكون أهلًا لتحصيل أجره وفضله، وتكون أجدر على الفوز بليلة القدر وحسن الختام.

فجدد العزم، وأظهر الحزم، وليكن شعارك في رمضان: لن أخرج من رمضان إلا بفوز وغنيمة، وأجور عظيمة، وقلب جديد أستطيع أن أتحمل به أعباء ومهام الصلاح والإصلاح، وأستطيع بما جمعته من أنوار القرآن والطاعات أن أمشي بهذه الأنوار في الناس داعيًا مرضيًّا، وهاديًا مهديًّا.

والله ولي التوفيق.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة