الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (95) أين دور الصناعة في الاقتصاد المصري؟ (7)

الفساد (95) أين دور الصناعة في الاقتصاد المصري؟ (7)
علاء بكر
الثلاثاء ٢٢ يونيو ٢٠٢١ - ١٨:١٤ م
266


الفساد (95) أين دور الصناعة في الاقتصاد المصري؟ (7)


كتبه/ علاء بكر


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  


فقد أثار -وما زال- قرار تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان الكثير من التساؤلات حول مصير عشرات الشركات الوطنية الأخرى التي ليست لها أهمية شركة الحديد والصلب، فإذا كانت الأهمية الإستراتيجية لشركة الحديد والصلب، وهي صناعة ثقيلة لها تاريخها ودورها في دعم الاقتصاد المصري على مدار تاريخها الذي يمتد لأكثر من نصف قرن لم تشفع لها أمام سلبيات إدارية عبر سنوات قادتها إلى هذه النهاية المأساوية؛ فكيف بغيرها من الشركات التي باتت هي الأخرى تتعرض للخسارة؟!


لم تستفد شركة الحديد والصلب مما لديها من كميات كبيرة من الخردة، ولم تستغل الأراضي التابعة لها والمهملة، كما أن معظم أراضي الشركة هي بقرارات تخصيص، وقسم كبير منها غير مسجل -أي: معرض لأن يضيع بتصفيتها-، وهذا يحتاج -كما يقترح البعض- إلى صدور قرار من رئاسة الوزراء بتمليك شركة الحديد والصلب لجميع الأراضي التابعة لها مقابل تسديد جزء من قيمتها لوزارة المالية حال بيع شيء منها، ونظرًا لأن توفر فحم الكوك لشركة الحديد والصلب مرتبط بما يتم توريده من شركة النصر لصناعة الكوك، والتي قللت من توريدها للفحم؛ بسبب تأثر إمكانياتها الحالية، وأيضًا: لمطالبتها شركة الحديد والصلب تسديد كامل الدَّين الذي عليها أولًا؛ مما ترتب على نقص توريد فحم الكوك لشركة الحديد، مع أنها أنشئت خصيصًا لهذا الأمر، ولكنها اتجهت نحو تصدير الفحم.


وقد تسبب ذلك في أضرار كبيرة للأفران العالية بشركة الحديد التي أنشئت لتعمل بصورة مستمرة بلا توقف؛ مما ساهم في تهالك المعدات إلى جانب الإهمال في التطوير، وفي الوقت الذي يتم فيه السعي لفصل المناجم والمحاجر عن شركة الحديد تمهيدًا لتصفيتها.


ويرى البعض: أن الحل الأمثل هو دمج شركة النصر لفحم الكوك مع شركة الحديد والصلب؛ ليتسنى توفير الحديد الخام وفحم الكوك للشركة بما يقلل مِن خسائر الشركتين معًا، ويذكر لشركة الحديد والصلب أنها تعد قلعة للصناعة الثقيلة في مصر، ورائدة لصناعة الصلب في المنطقة حيث ساهمت في بناء السد العالي، وفي بناء منصات الصواريخ خلال حرب الاستنزاف، وهو الدور الذي لم يكن أن تقوم بها شركات القطاع الخاص.


كما قامت بعمل جميع فلنكات مترو الأنفاق، وتصنيع جميع أعمدة كهرباء الريف، حيث إن وزارة الكهرباء لم تتعاقد في هذا الأمر إلا مع شركة الحديد والصلب، كما أنها تمتلك وحدات أكسجين بدرجة نقاوة 98 % مدت بها مستشفيات وزارة الصحة بالأكسجين خلال أزمة كورونا، فساهمت بذلك في إنقاذ وزارة الصحة في أزمتها.


ويذكر للشركة: أنها أيضًا لم تتأثر مدخلات الإنتاج الخاصة بها خلال إغلاق أزمة كورونا حيث إن موادها الخام كلها محلية، وهذه الميزة تجعلها قادرة على النهوض والنجاح مرة أخرى.


ويذكر للشركة أيضًا: أنها أسهمت في قيام مصانع عديدة في منطقة التبين وحلوان، وإيجاد صناعات مغذية للصناعات المعدنية، وقبل هذا وبعده؛ فإن الشركة تمتلك عمالة صناعية مدربة ينبغي المحافظة عليها، وتوفير مظلة الحماية لها بدلًا مِن تسريحهم و تحويلهم إلى عمالة غير منتظمة (للاستزادة انظر في ذلك: ندوة لجريدة الأهالي بتاريخ: 3 فبراير 2021م، ص 5).


ولا يخفى أن قرار تعويم الجنيه المصري قد أثر أيضًا سلبيًّا على صناعة الصلب في مصر؛ حيث أدَّى إلى زيادة نفقات التشغيل للمصانع نتيجة لارتفاع سعر الدولار، فضلًا على المنافسة غير العادلة مع الحديد المستورد في ظل إغراق السوق بالحديد المستورد من تركيا وأوكرانيا والصين بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجه عندنا، وهو ما تسبب في تفاقم مديونيات الشركة.


الإصلاح الاقتصادي قبل الإصلاح المالي: 


إن أخطر ما جاء في تعديلات قانون قطاع الأعمال هو: مادة إتاحة تصفية الشركات التي تتعرض للخسارة، وهو التعديل الذي حَذَّرت منه النقابات المعنية باتحاد العمال، والذي يمكن أن يتسبب في تصفية حوالي 50 شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال تتعرض للخسارة، وبالتالي: زيادة معدلات البطالة والإضرار بالصناعية التي هي المعيار الذي يقاس به تقدم الدول، وهو التعديل الذي سارعت وزارة قطاع في الأخذ به حتى قبل صدور لائحته التنفيذية! 


إن كلًّا مِن: وزارة قطاع الأعمال، والجهاز المركزي للمحاسبات، يتعاملان مع الشركات التابعة لقطاع الأعمال بمنطق البورصة أكثر من التعامل بمنطق رجال الأعمال المحترفين الذين لا يلجئون عادة للتصفية، بل ولا يتهاونون في مشاريعهم الاقتصادية لتصل إلى حد الخسارة؛ فالأولى إعادة هيكلة الإدارات السيئة بغيرها من الكفاءات الإدارية ولو بمشاركة خبرات أجنبية متخصصة قادرة على وضع الحلول المناسبة مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية لهذه المشكلة.


قال الأستاذ أحمد فرغل -النائب بالبرلمان، ووكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب- في حوار له مع جريدة (فيتو): (للأسف الحكومة لم تقم بالإصلاح الاقتصادي، وإنما قامت بإصلاح مالي؛ للعمل على سد العجز في الموازنة العامة للدولة، وذلك من خلال خطتها لتخفيض قيمة الدعم على الطاقة والمواد البترولية، وزيادة الضرائب والرسوم بداية من عام 2016. وبالتالي أرى تلك الإصلاحات هي إصلاحات مالية، وليست إصلاحات اقتصادية).


وأضاف: (الإصلاح الاقتصادي يعني إنشاء وتشغيل مصانع، وتطوير شركات، وزيادة إنتاج في مختلف المجالات والقطاعات. وهنا أسأل: توجد كم شركة اشتغلت وتم فتح كام مصنع، واشتغل كم واحد فيها، وما حجم الزيادة في الإنتاج في شتى القطاعات؟ هذا هو الإصلاح الاقتصادي).


وقال: (كنت أريد طفرة في الاستثمارات وإنشاء المصانع وتشغيل المصانع المتعثرة، وتوفير فرص عمل حقيقية  ورفع مستوى معيشة المواطن و زيادة دخله، ولكن للأسف الحكومة لديها كيانات اقتصادية كبيرة لم تستطع الحفاظ عليها، ولم تستطع إدارة الأصول العديدة التي تمتلكها بشكل احترافي، ووصلنا لدرجة أننا نمتلك شركات خاسرة ولا نفكر في إصلاحها، بل نفكر في التخلص منها)، (للأسف الحكومة لم تفكر بشكل اقتصادي. وعلى سبيل المثال: قطاع الأعمال الذي يملك ثروة كبيرة لم تستطع البلاد الحفاظ عليها وتحاول التخلص منه باعتباره عبئًا عليها، وهي نظرة خاطئة بالفعل)، (أتمنى أن يكون لدينا إصلاح حقيقي ملموس على أرض الواقع واستثمارات ملموسة تزيد من الإنتاج ، والعمل على تطوير شركات قطاع الأعمال، وليس تصفيتها).


وختم النائب -وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب- حواره قائلًا: (التطوير يحتاج إلى إرادة حقيقية وإدارة جيدة في ظل توفر الإمكانيات، فالأمر ليس مستحيلًا وإنما في الإمكان حال وجود إرادة حقيقية، كما أن هناك اعتبارات قوية تجعلنا نتمسك بالإبقاء على تلك الشركات وتطويرها -كما ذكرت من قَبْل- لمواجهة أي ممارسات احتكارية، وكذلك توفير فرص العمل والحفاظ على الخبرات الموجودة، وكذلك الحفاظ على أصول الدولة، وتشجيع الصناعة الوطنية) (راجع: النائب أحمد فرغل: "الإبقاء على شركات قطاع الأعمال يمنع الاحتكار" حوار مع جريدة (فيتو) عدد 16 فبراير 2021، ص 6 بتصرفٍ)


لقد ذكر وزير قطاع الأعمال: أن هناك نحو مائة وعشرين شركة قطاع عام، منها: ثمان وأربعون شركة خاسرة، والباقي يحقق أرباحًا. وأن هناك خطة كاملة لمحو خسائر شركات القطاع الخاسرة والنهوض بها ما عدا بعض الشركات التي لا أمل في إصلاحها؛ لأن الأموال التي سيتم ضخها لن تكون في مكانها وأنها مهدرة.


ومِن أهم هذه الشركات:


شركة سماد طلخا:


وهي عبارة عن شركة (أمونيا)، لديها ثلاثة مصانع أو ثلاث وحدات، وتحول الغاز إلى سائل ويتم تحويله إلى (يوريا). والسماد والأمونيا فيها مرحلة وسيطة، مع وجود وحدة حامض نيتريك، ونترات النشادر، بتركيز منخفض؛ لأنه لو بتركيز مرتفع سيتحول إلى متفجرات. والدلتا للأسمدة أساسها شركة النصر بالسويس وهي شركة صغيرة، وعند النكسة تم نقلها إلى طلخا، وبها وحدة أمونيا صغيرة وأمونيوم نترات، مع بناء مصنع أمونيا ويوريا جديد عام 1980م، ونيترك آسيد الذي يعد سبب الانبعاثات الضارة على الكتلة السكنية، كما تمت إقامة عزبة عنتر على حدود الشركة وهي ضمن العشوائيات التي تحاول الدولة تطويرها، وبالتالي: كانت هذه الكتل متضررة من الانبعاثات وتعرضت لوفيات.


وفي 2019 تم الإصلاح في وحدة اليوريا التي كانت تعمل بـ65 % من طاقتها، وتمت زيادتها لـ 95 %، و تبقى الوحدة التي تنتج الأمونيا، وهي قديمة وصيانتها سيئة. وتستخدم سماد طلخا خمسة وأربعين مليون وحدة بريطانية لإنتاج الطن الواحد؛ إلا أن انفجارًا حدث بالمصنع أدَّى إلى صعوبة موقف التطوير، والنزول باستهلاك الغاز إلى اثنين وثلاثين مليون وحدة.


شركة كفر الدوار:


تعد شركة كفر الدوار للغزل ضمن خطة تطوير الغزل، وهي ضمن مجموعة شركات البحيرة التي كان من المفترض أن تندمج جميعها في كفر الدوار. والشركة لديها تسعون ألف (ماردن) للغزل والنسيج لإنتاج تسعة آلاف طن، وهي ماكينات جديدة ذات حساسات تنبه للأعطال قبل حدوثها.


شركة مصر للألومنيوم:


هي من شركات القطاع العام المرشحة للتصفية حيث تتمثل أسباب خسائرها في تراجع أسعار الألمونيوم مع ارتفاع أسعار الكهرباء، وبلغت الخسائر 6و1 مليار جنيه مقابل 570 مليون جنيه العام الماضي.


شركة النقل البري والبحري:


تمتلك وزارة قطاع الأعمال ثلاث شركات نقل ركاب وخمس شركات نقل بضائع، وقد استحوذ اتحاد العاملين على شركات البضائع مع وجود نسبة للشركة القابضة؛ إلا أن الشركات حققت خسائر وتم دعمها بمليار ومائتي مليون كسلفة (راجع في ذلك مقال: 48 شركات تواجه مصير التصفية بعد الحديد والصلب" جريدة النبأ - عدد 6 فبراير 2021 م، ص 5 بتصرفٍ).


وقد أشار وزير قطاع الأعمال إلى أنه سيتم طرح عدد من الشركات تحقق أرباحًا ضمن برنامج طروحات الذي تتبناه الحكومة، ومنها: شركة الإسكندرية لتداول الحاويات، وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، وشركة الشرقية للدخان.


وبالنسبة لشركات الأدوية -وصناعة الدواء صناعة إستراتيجية مهمة-: فهناك شركات منها حققت خسائر، وهي تواجه العديد من التحديات والصعوبات، ومِن بينها: تقادم الآلات وخطوط الإنتاج، وارتفاع قيمة المدخلات من خامات ومستلزمات الإنتاج. وهناك عدد من المستحضرات يقل سعر بيعها عن التكلفة؛ لذا تحتاج هذه الشركات إلى إعادة هيكلة وتطوير، وإلى تنسيق مع وزارة الصحة فيما يخص تسجيل وتسعيرالمستحضرات والمستلزمات الطبية (راجع في ذلك: ندوة جريدة الأهرام مع وزير قطاع الأعمال في عدد الجمعة 19 أكتوبر 2018 م، ص 6).


رفض بيع شركة الشرقية للدخان:


تملك الشركة القابضة 55 % فقط من أسهم الشركة الشرقية للدخان، بينما يملك حملة أسهم الشركة 45 % منها، وهي من الشركات التي تحقق أرباحًا، وإن تأثرت بالطبع نتيجة ارتفاع سعر الدولار بعد تعويم الجنيه المصري؛ نظرًا لأنها تستورد التبغ من الخارج، ومحظور في مصر زراعة التبغ، وقد رفض البرلمان في التسعينيات مشروعًا لزراعة التبغ في مصر.


وتسعى الشركة حاليًا لطرح مشروع جديد لزراعة التبغ في مصر؛ لتوفير العملة الصعبة التي تنفق على استيراد التبغ على أن يتم ذلك تحت إشراف القوات المسلحة، مع تكفل الشركة بكل المصروفات (راجع في ذلك: حوار رئيس الشركة الشرقية للدخان بجريدة الفجر - عدد 31 مارس 2016م، ص9).


وقد تحمَّسَتِ المجموعة الاقتصادية الوزارية لطرح حصة في أسهم شركة الشرقية للدخان في البورصة، ومعها نسبة من أسهم عددٍ مِن شركات قطاع الأعمال رغبة في تخفيض العجز في الموازنة، وكذلك وقف نزيف الخسائر في البورصة حيث ستنعشها هذه الطروحات.


وقد رفضت الرقابة الإدارية هذا البيع اعتراضًا على مبدأ طرح حصص الشركات في البورصة في الوقت الذي تعاني فيه البورصة المصرية من انخفاض في الأسعار؛ مما يعد إهدارًا للمال العام (راجع مقال: "الرقابة ترفض بيع الشرقية للدخان في البورصة" للكاتبة منال لاشين -جريدة الفجر- عدد 15 نوفمبر 2018م، ص ه).


والعجيب هنا: أن تكون في مصر شركات لصناعة الدخان، ومصانع لإنتاج الخمور، والسماح باستيراد التبغ واستيراد الخمور، وكلها أمور مرفوضة شرعًا وعقلًا؛ فدين الدولة هو الإسلام الذي يحرِّم ذلك باتفاق؛ فكيف تساهم الدولة في إنتاجه وترويجه وتقوم بتصديره لدول إفريقية ودول العربية؟!


ومعلوم أن أضرار التدخين والخمور على الصحة، وبالتالي على الاقتصاد، جسيمة لا يعتد معها بأي مبررات؛ خاصة وأن وسائل للتوعية وللمكافحة لا تجدي وحدها في مواجهة تلك الآفة الخطيرة.


إن التدخين هو المدخل والباب الرئيسي لتناول المخدرات بين الشباب، لا يكابر أحدٌ في ذلك، والواجب المساهمة في غلقه لا في فتحه.


في انتظار شركة أخرى للدخان:


في الوقت الذي تتجه الدولة فيه إلى تصفية شركة الحديد والصلب، تسعى الدولة للترخيص لشركة جديدة لصناعة الدخان، فشركة الشرقية للدخان تحتكر صناعة السجائر في مصر، حيث تبلغ الحصة السوقية للشركة 70 %، بينما 30 % من الحصة السوقية للشركات الأجنبية، وتدر صناعة السجائر 60 مليار جنيه (8و3 مليار دولار) سنويًّا.


و(في مفاجأة من العيار الثقيل: طرحت مصر مزايدة لرخصة لإنتاج السجائر التقليدية والإلكترونية؛ الأمر الذي اعتبره الكثيرون بداية حقيقية لكسر احتكار الشرفية للدخان لصناعة السجائر في مصر. وعلى الفور طالبت أربع شركات تبيع السجائر في مصر، وهي: أدخنة النخلة، وبريتش أمريكان توباكو، وإمبريال توباكو، والمنصور الدولية للتوزيع بتجميد المزايدة، ودراسة طرح رخص تسمح لجميع الشركات بالتصنيع؛ لا سيما أن المزايدة لا تتسم بالعدالة، وتخالف قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. وتشترط المزايدة مساهمة الشرقية للدخان بنسبة 24 % من رأس مال الشركة التي سيتم تأسيسها من قبل صاحب العرض الفائز، علمًا بأن الشركة الفائزة سيحق لها تصنيع الجيل الجديد من السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن.


ومن المقرر: أن يكون موعد إجراء المزايدة 6 يونيو القادم (2021)، (علمًا بأن من شروط المزايدة ألا يقل الإنتاج السنوي عن 15 مليار سيجارة، وهذا يعد حجم السجائر الذي تنتجه الشركة الشرقية للدخان لصالح الشركات الأجنبية، وهي نفس الحصة التي ستخرج منها ما يعني أن إجمالي المعروض في السوق لن يتغير كثيرًا) (راجع في ذلك مقال: "نهاية احتكار الشرقية للدخان لإنتاج السجائر" هالة عبد اللطيف - جريدة النهار-  عدد 24 مارس 2021 م، ص 9).


تصدير المواد خام لا مصنعة:


(منذ بدأت مصر تعرف التجارة الدولية والتصدير والاستيراد على نمطٍ واحدٍ لم يتغير، وهو أن تقوم بتصدير منتجاتها في صورة خام)، ففي العهد الملكي (كان يتم تصدير القطن في صورة خام من مصر إلى مانشستر في إنجلترا، فكانت مصر تعد كمزرعة القطن لجميع المصانع البريطانية، وذلك حتى عام 1922 حيث قام طلعت باشا حرب بافتتاح بنك مصر في 7/5/1920، ثم تلاه بافتتاح 28 شركة على رأسها شركات الغزل والنسيج والصباغة؛ وذلك لاستغلال القطن المصري بزيادة قيمة مضافة عليه بدلًا من تصديره خامًا، وقد أجادت مصر في ذلك وتم افتتاح شركات مصر للغزل والنسيج، وطنطا للكتان، والمحلة للغزل والنسيج، ومصر البيضا للصباغة، وغيرها، وكان هذا بداية تحويل المواد الخام إلى إنتاج تام).


ولكن نجد أنه خلال العقود الثلاث السابقة تقوم مصر (بتصدير منتجاتها في صورة خام، فنجدها تخلَّت عن سياسة التصنيع والقيمة المضافة، وذلك ببيع شركات من القطاع العام بعد تحويلها لما يسمَّى بقطاع الأعمال، والقانون 203 لسنة 1988 للمستثمرين، فتم إغلاق معظم الشركات وتشريد العمالة الموجودة بمصانعها، واستغلال أراضي هذه الشركات في الاستثمار العقاري؛ ولذلك نجد أن مصر تقوم بالتصدير للخارج سنويًّا في حدود 22 مليار دولار)، (ونجد أن الصادرات عبارة عن مواد خام، وهي: القطن في حالة خام، البترول في حالة خام، الغاز في حالة خام، الفوسفات في حالة خام، الرمل الزجاجي في حالة خام، الرمل الأسود في حالة خام)، (وفي حالة القيام بإجراءات التصنيع وزيادة قيمة مضافة، فإن صادرات مصر ستبلغ سنويًّا ما لا يقل عن 53 مليار دولار، كما أن استغلال المواد الخام وتصنيعها سيعمل على توفير ما لا يقل عن 5و1 مليون فرصة عمل)، (إضافة إلى زيادة القيمة المضافة للصادرات، وزيادة التأمينات الاجتماعية على العمالة، وخفض الواردات المصرية نتيجة زيادة الإنتاج) (راجع في ذلك: "أربعون قرارًا لإصلاح الاقتصاد المصري: روشتة الإنقاذ" د. صلاح جودة -ط. كتاب الهلال- سبتمبر 2013، ص 123 - 125 بتصرفٍ واختصارٍ).


ويضرب د. صلاح جودة الأمثلة على ذلك: (الرمل الزجاجي: مصر تقوم بتصدير الرمل الزجاجي بسعر الطن 12 دولارًا إلى ثلاث دول رئيسية، وهي: إيطاليا - تركيا - إسرائيل. الرمل الزجاجي المصري درجة نقائه عالية (5و98 %)، تقوم هذه الدول بالتعامل مع الرمل الزجاجي على مراحل، منها: مرحلة الغسيل وذلك لفصل نسبة ال 5و98 % من الرمل عن 5و1 %، وما يتم استخراجه من الطن الواحد يتم إعادة بيعه لمصر الطن بزيادة حوالي 300 %. ومصر تقوم باستيراد الزجاج من الخارج في صورة تامة في بعض الأحيان وذلك بسعر 2000 دولار لمخرجات الطن من الرمل الزجاجي.


إسرائيل تقوم بعمل شرائح للسليكون والكومبيوتر والطيران، مخرجات الطن الواحد بمبلغ 23000 دولار للطن، أي: أن مصر تفقد كثيرًا؛ بسبب عدم القيام بالتصنيع وبيعه في صورة خام، وهذا مثال صارخ على العشوائية الاقتصادية وعدم الاهتمام بالقيمة المضافة)، (الفوسفات: وتقوم مصر سنويًّا بتصدير حوالي 4 ملايين طن فوسفات خام، وكذلك تقوم بتصدير الغاز الطبيعي في صورة خام للأردن في أغلب الأحيان، وتقوم الأردن باستخدام الفوسفات والغاز الطبيعي في تصنيع الأسمدة الأزوتية، وإعادة تصديرها لمصر في صورة إنتاج تام، وتقوم مصر باستيراد أسمدة أزوتية سنويًّا بما يقارب حوالي 8و1 مليار دولار، فإذا علمنا أن مصر تقوم بدفع مبلغ 80 مليون دولار سنويًّا كدعم صادرات للشركات المصدرة للفوسفات بواقع 20 دولارًا لكل طن، نجد أن مصر تخسر من تصدير الفوسفات في صورة خام الآتي: أسعار متدنية لبيعه في صورة خام - خسارة 80 مليون دولار كدعم صادرات - خسارة أيدي عاملة لا تقل عن 25 ألف فرصة عمل سنوية ودائمة، خسارة في استيراد الأسمدة الأزوتية).


(الرمل الأسود: تقوم مصر بتصديره في صورة خام، وهو موجود في محافظة كفر الشيخ بكميات كبيرة، ويستخدم في كافة الصناعات الحربية، وصناعات الكومبيوتر وخلافه، ولو قامت مصر بتصنيع هذا المنتج حتى في صورة أولية، فإن ذلك يوفر حصة سنويًّا بما لا يقل عن 12 مليار دولار؛ بالإضافة إلى توفيرها ما لا يقل عن 150 ألف فرصة عمل، وهذا هو الاتجاه العالمي واقتصاد المعرفة واقتصاد القيمة المضافة؛ ولذلك يجب إصدار قرار: (ممنوع تصدير أي مواد خام، ويكون التصدير في صورة إنتاج تام) (المصدر السابق، ص 125 - 128 بتصرفٍ واختصارٍ).


ويختم د. صلاح جودة كلامه بقوله: (تستطيع مصر أن تغير من شكل الميزان التجاري ويتم تحويل العجز إلى فائض في الميزان التجاري)، (وذلك باستخدام الخطوات الآتية:


1- إعادة تشغيل جميع مصانع الغزل والنسيج، وذلك عن طريق حل المشاكل المالية عن طريق الهندسة المالية وتوريق الديون، وذلك يعمل على حل مشكلة تصدير القطن على صورة الخام.


2- يتم عمل مجموعة من الصناعات والمصانع في منطقة وسط سيناء، وذلك لتصنيع وتأهيل الرمل الزجاجي واستخدامه مبدئيًّا في صناعة الزجاج وشرائح الكومبيوتر.


3- عمل مصانع جديدة، وكذلك إعادة تشغيل جميع مصانع الفوسفات، وذلك لإنتاج الأسمدة الأزوتية بدلًا من استيرادها من الخارج. 


4- عدم تصدير الغاز الطبيعي في صورة خام، ويتم تصنيعه في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية وغير ذلك.


5- يتم عمل شراكة مع أحد الشركات الأوروبية أو الأمريكية؛ وذلك لتصنيع واستخدامات الرمل الأسود في المجالات العسكرية والفضائية ومجالات الكومبيوتر.


وبذلك تستطيع مصر أن تنهض، وتكون تلك البداية الحقيقية لدخول مصر عصر التصنيع خطوة أولى نحو التقدم؛ لأن الدولة التي تقوم بتصدير منتجاتها في صورة خام تعد دولة عقول أولادها ومسئوليها (خام) (المصدر السابق، ص 128 - 129 بتصرفٍ).    


ومؤخرًا قامت الدولة ببذل جهود حثيثة للاستفادة من ثروات المواد الخام بدلًا من تصديرها إلى الخارج في صورتها الأولية؛ حيث دَشَّنت العديدَ من الشركات والمصانع العاملة في مجال الطاقة: كمحطات تسييل الغاز الطبيعي، كذلك الاستثمار في الرمال السوداء بعد إنشاء شركة الرمال السوداء، ومصانع وشركات ملحقة بها في ملاحات منيسي بقرية الشهابية بمحافظة كفر الشيخ، والتي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتشرف عليه جهات سيادية بالتعاون مع شركات أجنبية، حيث تحتوي الرمال السوداء على العديد من المواد الخام: كالألمنيت والزركون اللذين يدخلان في صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والسيراميك؛ بالإضافة إلى الروتيل الذي يستخرج منه التيتانيوم، ويدخل في صناعة الصواريخ والطائرات أيضًا، بالإضافة إلى أنه عنصر أساسي في صناعه البويات، والماجنتيت الذي يُعَد من أهم الخامات التي تستخدم في صناعه الحديد، والجارنيت في صناعات عدة، ويبقى المعدن السادس الإستراتيجي هو المونازيت، ولكن لندرته أصبح إستراتيجيًا حيث إنه يحتوي على اليورانيوم والثوريم اللذين يدخلان في صناعه المفاعلات النووية.


ونأمل أن يتم الاستفادة من الرمال الزجاجية، والتي تدخل في صناعات محورية: كالسليكون وأشباه الموصلات، والأواني الزجاجية والكريستال، والنجف، وأدوات المائدة، وغيرها.


موقع أنا السلفي


www.anasalafy.com


 


تصنيفات المادة