الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عيدنا أهل الإسلام -نشرة تصدرها "الدعوة السلفية" في الأعياد- (عيد الأضحى المبارك ‏‏‏1442هـ)‏

عيدنا أهل الإسلام -نشرة تصدرها "الدعوة السلفية" في الأعياد- (عيد الأضحى المبارك ‏‏‏1442هـ)‏
الدعوة السلفية
الاثنين ١٩ يوليو ٢٠٢١ - ٢٠:٤٢ م
1299


عيدنا أهل الإسلام -نشرة تصدرها "الدعوة السلفية" في الأعياد- (عيد الأضحى المبارك ‏‏‏1442هـ)‏


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  


فهنيئًا لكم معشر المسلمين في يوم عيدكم، في يوم الحج الأكبر.


تَقَبَّل اللهُ منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير.

يأتي عيد الأضحى ومشهد المسلمين على صعيد عرفة؛ ليذكِّر المسلمين بوحدتهم؛ حتى ‏وإن قَلَّ عددُ الحجيج مِن أجل "جائحة كورونا"، نسأل الله أن يرفعها عن بلاد المسلمين، وأن يقر أعين الموحِّدين بوفد حجيجهم بعدده الذي كان يُقَدَّر بالملايين، وهم يملأون ‏جنبات الأرض الحرام تلبية وتكبيرًا.

نعم ما زال موقف عرفة يذكِّر الأمة الإسلامية بوحدتها؛ مصداقًا لقوله -تعالى-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92)، بل عشر ذي الحجة بأسرها التي أقسم الله بفضلها وشرفها، فقال: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1-2)، وحَثَّ على الإكثار من العمل الصالح فيها؛ مما حَفَّز جموع المسلمين في مشارق الأرض ‏ومغاربها إلى تعميرها: بالصيام، والذكر، والصدقة، وعمارة المساجد؛ لا سيما المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد ‏الأقصى المبارك؛ تلك المساجد الثلاثة المُفَضَّلة على سائر المساجد بمشروعية شدِّ ‏الرحال إليها.


وبينما الحجيج يعمِّرون مسجدي: مكة والمدينة، كان المسلمون المقدسيون على نفس ‏الخطِّ يبرهنون على بركة الشام وأهلها، وبقاء أهلها في رباط إلى يوم الدِّين؛ فبينما تسيطر القوات الصهيونية على المدينة المباركة، ويضيِّقون على المسلمين ‏القاصدين المسجد الأقصى في عبادتهم؛ لا سيما في مواسم الطاعات، كما كان منهم في "رمضان"، وكما تكرر منهم "يوم التروية"، وفي كل مرة يضرب ‏المقدسيون أروع الصور في حبِّ المسجد الأقصى والزحف إليه؛ رغم الصعوبات مِن كلِّ ‏صوبٍ مِن "مدينة القدس"، بل ومِن غيرها مِن مدن فلسطين. فنسأل الله أن يثبتهم، وأن يربط على قلوبهم، وأن ينصرهم على عدوه وعدوهم.


إن ذكرى هذه الأيام تذكِّرنا بصفحاتٍ مِن تاريخ إمام هذه الملة إبراهيم -عليه السلام-، والذي انتحل الانتساب إليه كلٌّ من اليهود والنصارى بداعي النَّسَب؛ فبيَّن الله لهم أن ‏الانتساب إلى إبراهيم الخليل -عليه السلام- منحصر في محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- و‏اتباعه، فقال: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:68).‏

ولا ندري بأي وجهٍ يريد بعض المنتسِبين إلى الإسلام، أن يشركوا اليهود والنصارى ‏في النسبة إلى دين إبراهيم -عليه السلام- بعد إذ نفاها الله عنهم؟!

إن الله قد امرنا أن نبرأ مِن دين الكفار وإن كانوا مسالمين؛ فخاطب النبي -صلى الله عليه ‏وسلم- في "سورة الكافرون"، والتي مِن أسمائها: "براءة"، خطابًا افتتحه بقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وختمه بقوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وهذا يشمل المحاربين منهم والمسالمين على حدٍّ سواء؛ إلا أن المسالمين لهم حق ‏البر والإقساط، قال الله -تعالى-ـ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).‏

فما بالنا بالعدو الصهيوني الذي يسرق الأرض، ويدنِّس المقدسات، ويقتل العجائز والأطفال، ويعتقل النساء؟!‏

كل هذه الجرائم يجب أن يستشعر كلُّ مسلم أنها موجَّهة إليه؛ لأن هذا مقتضى شعور ‏الجسد الواحد الذي ينبغي أن يوجد بين جميع أبناء الأمة الإسلامية؛ امتثالًا لقول النبي -‏صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).

وليست مصر ببعيدة عن مكر الصهاينة: فعلى الرغم مِن "معاهدة السلام" التي بينهم وبين مصر، فمع ذلك جعلوا "إثيوبيا" بالوكالة عنهم تحاول التلاعب في ‏حصة مصر ‏مِن ماء ‏النيل. ‏

وهذه القضية تقتضي أن تتوحَّد جهودُ كل المحبين لمصر، وكل المحبين للإسلام "‏باعتبار أن مصر قلب العالم الإسلامي النابض"؛ فتتضافر جهودهم لمواجهة هذه الحيل ‏"الصهيو إثيوبية"، وسط صمتٍ أو تواطؤ مِن كثيرٍ مِن دول العالم.

ولنتذكر دائمًا أن الدعاء ‏سلاح المؤمن: فبينما تُبذَل كثيرٌ مِن الجهود من الاستعداد العسكري والتحرُّك الدبلوماسي؛ إلا أن السبب ‏الأبرز الذي أجَّل الخطر على الأقل عامًا، وأعطى فرصة لعامٍ آخر من الأخذ بالأسباب جاء ‏بقدرٍ مِن الله -تعالى-، ورحمة منه وفضل؛ فبينما تُسَابِق إثيوبيا الزمن لرفع جدار السد إلى أقصى ارتفاع ممكن ليحجز من مياه ‏الفيضان الحالي أكبر كمية ممكنة؛ إذ بالفيضان يبدأ قويًّا على غير المعتاد، فيجبر إثيوبيا ‏على إيقاف العمل في تعلية السد، وليرجى معه أن تكون بقية شهور الفيضان ماءً وفيرًا، ‏يستقر بفضل الله خلف السد العالي بمصر.

فيا أهل مصر... أين شكركم؟! والشكر إنما يكون بطاعة الله، كما قال الله -تعالى- لآل داود -عليه ‏السلام-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ:13).

أما تذكرون مَن بطروا نعم الله؛ لا سيما نعمة المياه؟! (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سبأ:15-16).

يا أهل مصر... لا يصح أن يتصدر في إعلام بلادنا مَن يسب الصحابة -رضي الله عنهم- أو يلمزهم.

يا أهل مصر... هل يصح أن يصف أحدٌ توبة التائبين عن المعاصي المجمع على تحريمها ‏مِن: التبرج، والتلامس المحرم بين الرجال والنساء؛ عودة إلى الفكر الظلامي؟!


يا أهل مصر... ربكم يستجيب دعوات ضعفائكم، ويحفظ عليكم نيلكم، فلا تبارزوه بالمعاصي...


لا تبارزوه بالربا.


لا تبارزوه بالتبرج.


لا تبارزوه بالفحش والبذاءة في الأفلام والمسلسلات.


تراحموا بينكم يرحكمك ربكم.


صلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وأحسنوا إلى الفقراء والمساكين.


عودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فحكموهما في كلِّ صغيرة وكبيرة، وقلوبكم يملأها اليقين أن في حكم الله سعادتكم في الدنيا والآخرة: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا ‏قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).‏


واعلموا أن العمل بطاعة الله -عز وجل- هو طريق لسلامة القلب الذي هو سبب لنيل ‏رضا الله والجنة، كما جاء في دعاء الخليل إبراهيم -عليه السلام-: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:87-89).‏


وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ): "حي، يشهد أن لا إله إلا الله".


وقال مجاهد والحسن، وغيرهما: (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ): "يعني: من الشرك".


وقال محمد بن سيرين: "القلب السليم: أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، ‏وأن الله يبعث مَن في القبور".


هذه تفسيرات السلف للآية كما نقلها العلامة ابن كثير.


ومع هذا خرج علينا مَن يحاربون فهم السلف لصالح بأذواقهم، وما يسمونه: بفتوحاتهم، ‏واختراعات مشايخ طرقهم؛ ففسَّروا الآية بما يصادم مقصودها، وقالوا: إنه لا ينفع إلا مَن ‏أتى الله، ومع ولي يشفع له؛ حيث إن عامة الخلق في زعمه لا يمكن أن تكون قلوبهم سليمة، ولا ينفعهم إلا أن يأتي كلٌّ منهم بصاحب قلب سليم يشفع له!


ومن هنا تعلم الخطر العظيم الذي ينتظر الأمة متى تركت العمل بفهم السلف، وذهبت ‏إلى هؤلاء الذين يغلقون طريق الوصول إلى الله، زاعمين أنه لا يمكن الوصول إليه؛ إلا عبر واسطة ‏شيوخهم وكبرائهم!


وبينما الآيات تحض المكلَّف أنه كلما زاد تعلقه بالله وعظم إخلاصه، سلم قلبه، وبالتالي: ‏نجا عند الله؛ يأتي هؤلاء فيحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويجعلون الآيات حضًّا للتعلُّق بغير ‏الله!


إن موسم الحج فرصة عظيمة لتجديد معاني التوحيد والاتباع في قلوبنا، وتوطين ‏القلوب على التلبية الدائمة لأوامر الله.


وما في صلاة العيد مِن الاجتماع تذكير باجتماع الكلمة.


والأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، ومِن أبلغ ما ورد في الترغيب فيها: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).


فيجمل بكل قادر أن يعتني بالأضحية، وأن يحسن اختيارها، وأن يقسمها: إما مناصفة بينه ‏وبين الفقراء؛ لقوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:28)، أو كما استحب كثيرٌ من السلف: أن تقسَّم أثلاثًا؛ لقوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ ‏وَالْمُعْتَ) (الحج:36)، فيأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدَّق بثلثها.


تَقَبَّل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير.


الدعوة السلفية بمصر


الاثنين 9 ذي الحجة 1442هـ


19 يوليو 2021م


موقع أنا السلفي


www.anasalafy.com