السبت، ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٤ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) -2

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) -2
وائل عبد القادر
الثلاثاء ١٠ أغسطس ٢٠٢١ - ١٥:٢١ م
201


(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) -2


كتبه/ وائل عبد القادر


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  


المعنى الثاني: المعنى الحسي:


وذلك لما كان يلقاه النبي ـصلى الله عليه وسلمـ من الشدة عند نزول الوحي عليه، حتى إن جبينه ليتفصَّد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وقد كان يثقل جسمه -عليه الصلاة والسلام- بذلك؛ حتى إنه إذا أُوحي إليه وهو على ناقته بركت به، والثقل على هذا المعنى ثقل حقيقي.


ويشهد لهذا المعنى: ما ورد عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بسندٍ صحيحٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَحَرَّكْ، وَتَلَتْ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)، والجران: باطن العنق.


وقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا" (متفق عليه).


والمعنى: (لَيَتَفَصَّدُ): يسيل من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم شبه الجبين بالعرق المفصود مبالغة من كثرة عرقه. وفي لفظ مسلم: "إِنْ كَانَ لَيُنْزَلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا".


وأخرج الإمام البخاري بسنده عن زبد بن ثابت: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (النساء: 95)، قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (النساء: 95).


(تَرُضَّ): من الرض، وهو الدّق، وكل شيء كسرته فقد رضضته.


وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: أن يَعْلَى بْن أُمَيَّةَ كَانَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَيْتَنِي أَرَى نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ عَلَيْهِ، مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ عُمَرُ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاعَةً، ثُمَّ سَكَتَ، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَى يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، يَغِطُّ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: (أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟) فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ، فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ).


والغطيط مثل صوت النائم الذي يردده مع نفسه، ومعنى "ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ": أي أزيل ما به وكشف عنه.


والأدلة على هذا المعنى كثيرة، وكلها تثبت ثقل الوحي الذي هو كلام الله المجيد ثقلًا حسيًّا حقيقيًّا.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 


تصنيفات المادة