الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وداعًا أيها الجندي المجهول ... "عماد غريب" -رحمه الله -

وداعًا أيها الجندي المجهول ... "عماد غريب" -رحمه الله -
كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
الخميس ٢١ أكتوبر ٢٠٢١ - ١٧:٣١ م
123


وداعًا أيها الجندي المجهول ... "عماد غريب" -رحمه الله-


كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كنتُ أعرف أخي وحبيبي في الله الشيخ عماد غريب منذ أكثر من 25 عامًا، لم يتغير فيها هذا الرجل -الذي أحسبه كان من الصالحين- في شيء من سماته الخُلقية؛ هذه السمات التي يلحظها كلُّ مَن يقابله مِن أول لقاء بلا عناء، فقد كانت بصمة شخصية للرجل، فنظرته لك وهو يسلِّم عليك كأنه يخصك من بين الحضور بالاهتمام، وصوته الشجي ونبرته المرحبة بأي أحدٍ لا تكاد تخفى على إنسان، والابتسامة الدافئة لا تفارقه عبر السنين، وهو لا بد أن يكسر الحواجز بينك وبينه -حتى حينما يقابلك لأول مرة- بمزحة لطيفة تذيب الجليد، كأنكما تعارفتما منذ سنين، هذه المزحة اللطيفة وهذه البسمة الدافئة التي تشي بسماحة النفس ستكون حتمًا حاضرة في أي لقاء يجمعك به!

لقد شاهدتُ ذلك بنفسي في كلِّ مرة قابلته فيها عَبْر كلِّ هذه السنين؛ ألا يدل هذا على كون هذه الأخلاق سجية غير متكلَّفة، وطبعًا نابعًا من نفسٍ زكيةٍ -هكذا نحسبه والله حسيبه-.

ومع ذلك لم تكن جديته في النقاش تخفى عليك، وستلحظ حتمًا اهتمامًا خاصًّا منه إذا كان النقاش يدور حول أمرٍ مِن أمور الدعوة إلى الله، وستكون أجمل لحظة في النقاش حينما تختلف معه في وجهة نظرٍ ما، حينها ستتبين بنفسك كل أساليب التلطف والتأدب، وهو يشرح لك وجهة نظره، وهذا في حال الخلاف، فما بالك بالوفاق؟! وإني أشهِد اللهَ بما علمتُ مِن حاله أنه لم يكن له -فيما أعلم- شغل عن الدعوة كأنها روحه ودمه، أو الهواء الذي يتنفسه؛ لا سيما دعوة الشباب والنشء الصاعد.

ولك أن تتخيل حجم بذل رجل قد فتح الله له في هذا الباب ما فتح، وقضى من عمره سنواتٍ -بل عقودًا- لا همَّ له إلا تربية أبناء المسلمين تربية متكاملة.

إنها نوع التربية التي ستجد فيها القرآن والسنة أساسًا ونبراسًا، والعلم الشرعي هدى وبصيرة، وستجد فيها الحثَّ على البرِّ، وحُسن الخُلُق، والسلوك السوي -بالقدوة، والقصة، والمحاضرة، وبطيب المعاشرة-، ولن تعدم فيها ذلك الترفيه المنضبط، والإرشاد النفسي والاجتماعي، ودفع الشباب نحو الإيجابية في الحياة.

لذلك لم يكن من العجب أن يشهد جنازته هذا العدد الهائل مِن الناس، والمحبين، والكبار والصغار، وهو الذي لم يكن حريصًا يومًا أن يكون مِن المشاهير اللامعين، وقد أكرمه الله بالكثير مما يؤهِّله لذلك، ولكنه كان يعمل في صمتٍ.

لقد شاهدتُ شبابًا يبكون في جنازته كما يبكي الابن والده؛ كيف لا وكان لهم بالفعل والدًا؟!

وإن سألتني: ما أشدَ ما وجدته يوم جنازته مِن ألمٍ؟

فسأقول لك: لا أعرف أيهما أشد على النفس: أيوجعك رحيل حبيب إلى قلبك لم يجمعك به إلا الاجتماع على خير -بفضل الله-؟ أم يؤلمك أشد مِن ذلك: رحيل جندي كان يقف على ثغرٍ كأفضل ما يقف الجنود البواسل؟! ويا ألم الفقدان في الحالتين! فاللهم اخلفنا في مصابنا.

وداعا أيها الجندي المجهول ... لئن جهلك أهلُ الأرض، فرب السماء عليم بحالك، وهو أرحم بك منا، وذاك الظن بربنا الكريم.

اللهم اغفر لعبدك عماد غريب، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفْسِح له في قبره، ونوِّر له فيه.       

موقع أنا السلفي


www.anasalafy.com