الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

اليقين (5) أسباب اليقين وثمراته

اليقين (5) أسباب اليقين وثمراته
كتبه/ شريف الهواري
السبت ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١ - ١٤:٢٤ م
74

اليقين (5) أسباب اليقين وثمراته

كتبه/ شريف الهواري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الأسباب التي تعين على تحقيق اليقين:

قطعًا العقيدة الصحيحة هي الأصل الذي ينطلق منها العبد، والعقيدة مبناها على اليقين، فإن صَحَّ صحت وكملت، وإن كملت وزاد اليقين بها أثمرت وأثرت، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ ‌لَمْ ‌يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15)، بعد إيمانهم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.

1- تحقيق محبة الله ورسوله توصل إلى برد اليقين:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (‌ثَلَاثٌ ‌مَنْ ‌كُنَّ ‌فِيهِ ‌وَجَدَ ‌حَلَاوَةَ ‌الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).

2- تحقيق تقوى الله:

فتقوى الله نابعة من اليقين فيه -سبحانه وتعالى-، وما أخبر به من الغيب، وبالتالي العمل المتواصل بلا انقطاع، واستحضار مراقبته أدخلهم باب الإحسان، والذين من صفاتهم الإيمان بالغيب وأداء الواجبات من صلاة وزكاة، ولديهم يقين في الآخرة يدفعهم لمزيد من العمل، (الم . ‌ذَلِكَ ‌الْكِتَابُ ‌لَا ‌رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة: 1-4)، وكما قلنا: التقوى توصل إلى الإحسان، والإحسان هو المغذي لليقين، والإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه).

وإن كانت التقوى من ثمرات اليقين؛ إلا أنها من أسباب زيادته واستقراره وثباته في وجه محاولات الباطل لإفساده.

3- الإقبال على القرآن والالتصاق به:

فهو مِن خلال اليقين من أعظم أسباب زيادته كذلك، قال -تعالى-: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية:20)، وقال -تعالى-: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118)، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (الواقعة:95)، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء:9)، وقال -تعالى-: (إِنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ . لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) (التكوير:27-28).

4- الاقتداء بالأنبياء والرسل:

قال الله -تعالى-: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90)، فهم أعظم مَن حقق اليقين -كما مرَّ بنا-، وخصوصًا نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، والذي أُرْسِل لك قدوة في كلِّ شيء، وخصوصًا اليقين، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21).

5- النظر والتأمل والتفكر في الآيات الكونية، وبديع صنعه سبحانه و-تعالى- وأثر ذلك على زيادة اليقين: قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75)، فسماء ذات أبراجٍ، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!

قال الله -تعالى-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذاريات:20)، وقال -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت:53)، وقال -تعالى-: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية:4)، كلما نظرت وتفكرت في آياته الكونية، وبديع خلقه ازددت يقينًا فيه -سبحانه وتعالى-، وتقويت على الثبات.

6- الصبر:

فهو قرين اليقين، ومِن أعظم أسباب ثباته ونمائه: قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)، وقال -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم:60).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "بالصبر واليقين تُنَال الإمامة في الدين".

والمقصود هو: الصبر الواجب على الطاعة، وعن المعصية، وعلى قضاء الله -تعالى- وقَدَره، وهذا عمل بما أيقنت فيه، وما جاءك منه -سبحانه وتعالى-.

7- النظر لحال مَن ماتوا بغير يقين وكيف طلبوا الرجعة:

(وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة:12).

8- الحذر مِن مجالسة أهل الأهواء والبدع:

فهؤلاء هم مَن أدخل الريبة والشك في قلوب مجالسيهم، وقد حذَّر -تبارك وتعالى- من مجالسة أمثال هؤلاء، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأنعام:68)، وقال -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء:140).

9- الدعاء والتضرع:

كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ ‌اقْسِمْ ‌لَنَا ‌مِنْ ‌خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مصائب الدُّنْيَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فالله -تعالى- هو المعطي المانع، القابض الباسط، المقرب والمبعد، وهو واهب اليقين، فهيا ندعوه ونتضرع إليه، فإننا إن صدقنا في طلبه امتن علينا باليقين.   

ثمرات اليقين:

اليقين هو أصل الدِّين، فمِن خلال صحة اليقين -فيما ذكرنا- يحصل للعبد:

1- محبة الله ودينه ورسله؛ لعظيم عنايته بعباده، ورحمته بإنزال كتبه وبعث رسله.

2- الخوف والخشية مِن مغبة معصيته وعتابه وعقابه -سبحانه وتعالى-.

3- الرجاء الصحيح فيه -سبحانه وتعالى-.

4- الإخلاص في الظاهر والباطن، والأقوال والأفعال؛ لليقين في اطلاعه على ذلك.

5- حسن التوكل عليه، والاطمئنان لحسن تقديره وتدبيره، واختياره لك.

6- حصول العزة والأنفة والقوة لليقين في حفظه لأوليائه.

7- المواظبة على العمل الصالح المفروض والمسنون من منطلق اليقين في حبه ورضاه لذلك.

8- اليقين فيما ذكرنا من أعظم أسباب تحصيل الشعور بالمراقبة وأثرها معلوم.

9- الأخذ بالأسباب للوصول إلى ما وعد به -سبحانه وتعالى-.

10- لا سبيل للوصول إلى برِّ الأمان في الآخرة إلا باليقين، وبالتالي: الاستعداد.

والخلاصة: 

إن لم يكن لدينا يقين في المنهج وعظمته وجدارته واستحقاقه للسيادة، سينجح الباطل في أن نتشكك في هذا المنهج القويم، وأن نبتعد عنه، وأن يقدِّم الناس مناهج الباطل العفنة والمنحرفة على منهج الرب -سبحانه وتعالى-، وما صبر مَن صبر على المنهج وتحملوا الأذى وصبروا إلا باليقين فيه.

فباليقين حصل الإخلاص، والخوف والرجاء والمحبة، وكان التوكل والهرب من النار، وأداء الواجبات والحقوق.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com