الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (113) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (4) من تاريخ السينما المصرية (1)

الفساد (113) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (4) من تاريخ السينما المصرية (1)
كتبه/ علاء بكر
الخميس ١١ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٨:٥٣ ص
96

الفساد (113) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (4) من تاريخ السينما المصرية (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد احتفلت مصر في عام 2007م بمرور مائة عام على دخول السينما مصر، وذلك باعتبار مرور مائة عام على تصوير أول فيلم مصري محلي، واعتبار هذا الحدث بداية لتأريخ السينما في مصر.

وهي نقطة تَقْبَل عند البعض المناقشة والاختلاف عليها، أي: نقطة أن يكون هذا الحدث هو الحدث الذي يكون عليه بداية هذا التأريخ؛ إذ يمكن أن يكون أول عرض سينمائي في مصر هو البداية وإن كان قد تم فيه عرض أفلام أجنبية لا مصرية، أو تكون البداية بأول تصوير محلي كما وقع عليه الاختيار، أو يكون بظهور أول ممثل مصري، أو بظهور أول مخرج مصري، أو يكون بإنتاج أول فيلم مصري روائي، أو يكون التأريخ بإنشاء أول أستوديو مصري للتصوير باعتبار وجود الأستوديو هو البداية الجادة لصناعة السينما، ورغم كل هذه الاعتبارات المتعددة فقد استقر رأيُ المسئولين على اعتبار عام 2007م هو العام المئوي للسينما المصرية.

والأرجح عند المهتمين بالسينما: أن "الإسكندرية" عَرَفَت أول عروض السينما توغراف (الصور المتحركة) في مصر، وذلك في 5 نوفمبر 1896م، ومن بعدها القاهرة في 28 من نفس الشهر، طبقًا لدراسة موثقة نشرت في مجلة الإذاعة في 19 نوفمبر 1977م (راجع: "فجر السينما في مصر" تأليف محمود علي - ط. الهيئة المصرية للكتاب - مكتبة الأسرة - عام 2016 م، ص 7).

ومعلوم تاريخيًّا: أن أول عرض سينمائي في العالم قام به الأخوان لوي أوجيست لوميير في مقهى الجراند كافيه بباريس في 28 ديسمبر 1895م، وبعدها شرع الأخوان لوميير (في وضع خطة عاجلة للقيام بجولة باختراعهما في العالم قبل أن تُبلَى جدية الاختراع، وقبل أن تتاح الفرصة لمنافسيهما باستغلال آلة شبيهة لاختراعهما. وخلال شهر يناير من عام 1896م أرسل لوميير معاونوه ومساعدوه (فليسيان تروي) و(ألكسندر بروميو)، و(فرنسيس ميسوجتش) إلى أنحاء فرنسا وأوروبا، والجزر البريطانية للكسب من ورائه في أسرع وقت تصوره الأخوان لوميير كافيًا لاختراعهما) (المصدر السابق، ص 25 بتصرفٍ).

كان دخول وانتشار السينما في مصر جزءًا من عصر جديد يأخذ بمظاهر الحياة الغربية بكلِّ ما فيها في ظلِّ الاحتلال الإنجليزي لمصر، وعلي يد الأجانب الذين امتلأت بهم مصر -خاصة الإسكندرية- سواء ممَّن اعتادوا التردد عليها أو أقاموا فيها أو ممَّن تمصر منهم.

لقد عرفت مصر (عروض السيرك والتنويم المغناطيسي والفنتوش (العرائس)، وغيرها من أشكال الترفيه، فشغلت بها الناس عما ألفوه من ترفيه: كخيال الظل وصندوق الدنيا، وحكايات الشطار، والعيارين (الصعاليك)، وألف ليلة وليلة، ولكن بعد حين، فقد كانت هذه المستحدثات قاصرة على قلة من سكان المحروسة أغلبها من الأجانب، في حين كانت الكثرة تعيش على هامش ما يدور حولها من هذه الأعاجيب التي لم تخطر على بالهم.

كان الأجانب هم السادة بعد أن تغلغلوا في شرايين الأمة منذ أن تولي سعيد الحكم، حتى جاء مِن كلِّ بقاع أوروبا المحتالون والباحثون عن الذهب بأعدادٍ هائلةٍ، كما لو كانت مصر كاليفورنيا جديدة! ثم كانت قناة السويس ورواج تجارة القطن ليحول هذا التيار إلى إعصار) (المصدر السابق، ص 31- 32 بتصرفٍ، نقلًا عن (بنوك وباشوات)، ترجمة عبد العظيم أنيس، ص 80 وما بعدها).

وقد زاد من هذا الإقبال على مصر افتتاح قناة السويس في عام 1869م، وربط القاهرة بالإسكندرية عن طريق الخط الحديدي عام 1856، ثم ربط القاهرة بالسويس عام 1858م، ومع نهاية عصر إسماعيل وصل الربط إلى أسوان عام 1898م.

 لماذا الإسكندرية؟!:

(ليس في هذا غرابة، فالإسكندرية كانت في نهاية القرن التاسع عشر تنافس العاصمة في الأهمية، وكانت أيضًا بؤرة تجمع الأجانب من كلِّ لون، تستقبل كل جديد وغريب من ألوان الحياة العصرية، وكان من بين هذه الغرائب: السينماتوغراف) (راجع المصدر السابق، ص26).

وكان من العروض السينمائية الأولى المعروضة في الإسكندرية -والتي تم عرضها في بورصة طوسون باشا من الخامسة إلى الحادية عشرة مساء كل نصف ساعة- عروض: المتصارعون - أهالي مدغشقر - غابة بولونيا - الحدادون - لاعبو الملاكمة - صائدو الجمبري - ميدان الأوبرا في باريس - البحر في الهافر، وغيرها.

و(قد جذبت هذه العروض الأولى المجتمع السكندري، فقد شاهد طلبة المدارس والجامعات السينماتوغراف)، (وأبرق مندوبو الصحف إلى القاهرة بوصف أخبار هذا الاختراع العجيب؛ الأمر الذي جعل صاحب امتياز عرض الجهاز في مصر (هنري ديللو سترولوجو) يقرر عرض اختراعه في القاهرة بعد أن مهَّدت له الصحافة، وكان عرضه الأول في القاهرة بصالة (حمام شنيدر) على نخبةٍ مِن علية القوم في 28 نوفمبر 1896، أي: في نفس الشهر) (المصدر السابق، ص 27).

(وقد أوردت جريدة (المقطم) في عددها الصادر بتاريخ أول ديسمبر 1896م وصفًا للعرض الأول في القاهرة قالت فيه: مِن أبدع ما تمتعتْ به الأنظار في هذا الشتاء من المخترعات والألعاب التي يأتينا بها الأوروبيون كل عام الصور المتحركة. فقراء المقتطف يعلمون أن المصورين بالشمس توصلوا إلى تصوير الصور وضم بعضها إلى بعض بحيث إذا مرت أمام عيني الناظر رآها تتحرك كأنها الأجسام الحية تمامًا.

وقد حضر (المستر ديللا سترولوجو) صاحب امتياز عرض هذه الصورة في القطر المصري، وقد عرضها مساء السبت الماضي في حمام شنيدر بجانب دائرة البرنس حليم على جماعة من أهل الذوق ورجال الأدب يتقدمهم سعادة محافظ العاصمة، فراقهم ما رأوه من الصور المتحركة، حتى خيل لهم أنهم يرون أمامهم أشباحًا متحركة وأجسامًا حية لا ينقصها إلا الصوت)، (وقد اتصل بنا أن صاحبها عازم على تعيين يوم للحريم فقط دون غيرهن، وجعل ذلك اليوم تحت رعاية سعادة المحافظ) (المصدر السابق، ص 27 - 28 بتصرفٍ)، وقد كان جمهور هذه العروض الأولى (في غالبه من الأجانب والمتمصرين، والنخبة في المجتمع المصري) (المصدر السابق، ص 29).

وكانت مصر في هذه الفترة -في عام 1896م- تعاني من موجات من وباء الطاعون والكوليرا، تقول مجلة المصور في عددها في 20 سبتمبر 1902م: (كان ظهور الوباء عام 1896م في ثغر الإسكندرية أوائل مايو. وبلغ مجموع الإصابات في القطر كله منذ بدايتها حتى خفت وطأته في سبتمبر إلى 21708 إصابة، منها: 18101 وفاة) (المصدر السابق، ص 32 نقلًا عن مجلة المصور)

 وخلال فترات التنقل وإقامة العروض السينمائية بين القاهرة والإسكندرية أحضر (دلليسترولوجو) من (ليون) مصورًا يُدْعَى (بروميو)، وهو: المهندس الأول الفوتوغرافي لمحل (لوميير) الشهير لأخذ مناظر مصرية لعرضها في مصر ودول العالم الأخرى.

فالتقط في الإسكندرية مناظر لوصول وقيام القطارات وللمشاة والعربات، وفي القاهرة التقط مشاهد، مِن أهمها: صورة موكب الخديوي، وهو سائر إلى الاحتفال بالكسوة الشريفة، وساحة منصور باشا بالقاهرة، وصور نزول العربان من الهرم الكبير في الجيزة، وبالطبع: كانت هذه البداية لمجيء مجموعات أخرى بعد ذلك للتصوير في مصر.

ولا يعني ذلك نفي إمكانية وجود محاولات أخرى غير محاولة (لوميير) لعرض الرسوم المتحركة (السينما الفوتوغرافية) في مصر، فعلى سبيل المثال: ذكرت جريدة (المؤيد) عرضًا للخواجات (برونونصر) في مخازن فرنسيس، وعرضًا آخر للمصور الشهير (جاك جلستوستين) في 21 ديسمبر 1897م (انظر المصدر السابق، ص 41 -42).

وذكرت جريدة الإجيبشان جازيت في 20 نوفمبر 1896م أنه كان هناك عرضًا يعرض -لم تذكر جنسيته- في القاهرة قرب مكتب التلغراف المصري بشارع بولاق (انظر المصدر السابق، ص 43)؛ لذا يمكن القول: إن فجر السينما في مصر لم يعرف سينما فوتوغراف لوميير فقط، بل عرف أكثر من جهاز عرض وأكثر من مصور.

أول تصوير سينمائي مصري:

اعتبرت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة: أن التصوير المحلي لزيارة الجناب العالي (الخديوي) للمعهد العلمي في مسجد أبي العباس المرسي في يونيو 1907 م، هو تصوير لأول فيلم سينمائي محلي، وتم اتخاذ الاحتفال بالعيد المئوي للسينما في مصر على أساسه في يونيو 2007 م.

والثابت: أن مَن قام بهذا التصوير الخواجات (عزيز) و(دوريس) في الإسكندرية في يونيو 1907 م، وكان عزيز ودوريس من مصوري الفوتوغرافيا، ويملكان محلًّا للتصوير الفوتوغرافي بشارع إسبتالية الأروام نمرة 3، وقد حاول عزيز ودوريس كذلك إلى جانب القيام بالسينماتوغراف (الصور المتحركة الصامتة) إدخال الصوت على الحركة، أي اختراع صور متحركة ناطقة (السينما فون).

وقد توالت أعمال عزيز ودوريس السينما فوتوغرافية: كتصوير سقوط منزل في قسم اللبان، والكشف على الجرحى، ونقلهم إلى المستشفى، وإخراج الجثث، وغير ذلك من أعمال الردم والأنقاض، ومنظر وضع حجر الأساس لمدرسة (زرفوداكي) في الشاطئ، وفيه صور كثيرين من كبار الإسكندرية وأبنائها، والمسابقات التي تمت في مدرسة القديسة كاترين التابعة للفرير، ورسم المنطاد من ساحة وابور المياه حين طيرانه، والاحتفال بافتتاح مدرسة محمد على الصناعية، والتي حضرها أصحاب الدولة والأمراء من أعضاء العائلة  الخديوية، ورئيس النظار (رئيس الوزارة)، والنظار (الوزراء)، وقناصل الدول والأعيان، وعلماء الإسكندرية، وفي مقدمتهم قاضي الثغر، حيث تم تصوير الحفل جميعه لعرضه على العموم بعد ذلك (انظر في ذلك المصدر السابق، ص 50 – 55).

ويذهب البعض إلى أن أول مَن قام بتصوير فيلم سينمائي محلي هو المواطن (دي لاجارين)، وذلك من خلال صور جريدة سينمائية باسم: (في شوارع الإسكندرية)، حيث كان يقوم بتصوير الحوادث اليومية وعرضها على الجمهور، وكان (دي لاجارين) صاحب دار عرض (سينما باتيه) التي افتتحها في مارس 1905 في الإسكندرية في شارع طوسون (البنك الأهلي حاليًا)، وهو صاحب عقد احتكار أفلام (دار إخوان باتيه) في باريس في الإسكندرية.

وفي هذه الصالة أقيمت أول محاولة للفيلم الناطق سنة 1907م بواسطة آلة عرض (ملييس)، وقد توسع (لاجارين) بعد ذلك حيث أجر صالة واسعة بشارع البورصة القديمة، وافتتح دار جديدة باسم (باتيه) لاقت نجاحًا كبيرًا، وهذا يعني أن (لاجارين) بدأ نشاطه السينمائي قبل عزيز ودوريس، وساهم في إيجاد الفيلم الناطق في نفس الوقت تقريبًا الذي قدَّم فيه عزيز ودوريس السينمافون، ولكن المعلومات عن (لاجارين) قليلة ونشاطه لم يمتد طويلًا، بينما تشير إعلانات شركة (دوريس فيلم) بالإسكندرية إلى تواجدها حتى الثلاثينيات (المصدر السابق).    

وقد تَوَالَى ظهورُ دور العرض في القاهرة والإسكندرية وخارجهما، وقد ساهمت العروض المسرحية الموجودة وقتها في نشر السينما فوتوغرافيا بتقديم عروضها مع عروضها المسرحية لجذب المتفرجين، كما كانت تفعل بعرض وصلات الغناء بين فقراتها مِن بعض المطربين المشهورين وقتها.

وكما حدث لخيال الظل من وجود الراوي الشعبي لحكايات الزناتي خليفة وأبي زيد الهلالي فقد حلَّ محله في زمن السينما فوتوغراف (المفهماتي) الذي يقوم بدور الراوي لما كان يعرض من أفلام صامتة، وكان في العادة شخصًا من طراز العمالقة ضخم الجثة في يده عصا يتوسط الصالة ليفهم المتفرجين ما يرونه من حوادث الفيلم.

وقد (استطاع الإيطالي (ليوبولد فيوريللو) أن يقدم الترجمة باللغة العربية للأفلام لأول مرة، وبصورةٍ ناجحةٍ في سينما أولمبيا حوالي سنة 1913، ومنها انتقلت إلى دور أخرى، وصارت جزءًا من دعاية الفيلم.

وقد كانت هذه الترجمة (باستعمال قطع من الزجاج كتب عليه الحوار باللغة العربية بعرضه بآلة أخرى على شاشة منفصلة تصاحب العرض، ثم أدخل عليه تعديلات عدة حيث أنشأ معملًا خاصًّا لطبع ترجمة على الأفلام)، ثم (اختفت سنة 1934م وحلَّ محلها طريقة أخرى عن طريق جهاز لطبع الأفلام (إيديال تيترا فيلم)، يطبع على الشريط نفسه بلغة أو لغتين) (انظر في ذلك المصدر السابق، ص 95 -96).

السينما الناطقة:

(في السادس من أكتوبر سنة 1927م نطق أول فيلم في تاريخ السينما في العالم، وهو فيلم (مغني الجاز)، (وكان ذلك قبل البداية للسينما المصرية الصامتة بفيلم: (ليلى) لعزيزة أمير بأربعين يومًا، حيث عرض فيلم (ليلى) في السادس عشر من نوفمبر 1927م)، و(لم تستطع السينما في مصر اللحاق بركب المتكلمين في السينما إلا في عام 1932م حيث بدأ السباق بين مجموعة فيلم: (أنشودة الفؤاد) ومجموعة فيلم (أولاد الذوات)، حيث قرر الأخوان (بهنا) أصحاب شركة (بهنا فيلم) أن يدخلا ميدان السينما بإنتاج أول فيلم مصري ناطق (أنشودة الفؤاد)، حيث اتفقا مع إحدى كبار المطربات، وأحد كبار الملحنين وأحد كبار ممثلي المسرح للمشاركة في الفيلم، ولكن لم يتم إنجاز الفيلم وعرضه إلا في 14 أبريل 1932م، بينما استطاعت مجموعة فيلم (أولاد الذوات) إنجاز فيلمها وعرضه في 14 مارس 1932م رغم أنه قد بدأ تصويره بعد فترة من بدء تصوير الفيلم الأول.

وقد حقق فيلم (أولاد الذوات) نجاحًا كبيرًا فقد تم تسجيل الصوت في باريس، بينما أخفق فيلم (أنشودة الفؤاد) بسبب عدم مواءمة الأغاني وطريقة معالجتها السينمائية للمزاج السائد في تلك الفترة القائم على التطريب وبطء الإيقاع؛ مما يتنافى مع طبيعة السينما) (انظر في ذلك المصدر السابق، ص 125 -126).

أستوديو مصر:

هو أول أستوديو برأس مال مصري مائة بالمائة، حيث أسس طلعت حرب في منتصف العشرينيات شركة مصر للتمثيل والسينما كأحد المؤسسات الكبيرة لبنك مصر، ثم أسس أستوديو مصر وافتتحه عام 1935م؛ ليساهم في دعم صناعة السينما في مصر، ليصبح أستوديو مصر بعد ذلك هو الاختصار لشركة مصر للتمثيل والسينما، وكان أول فيلم تم إنتاجه في الأستوديو فيلم: (وداد) وذلك عام 1935م، ولاقى الفيلم نجاحًا، وكان أول فيلم مصري يتم عرضه في مهرجان البندقية السينمائي الدولي عام 1936م.

وقد أقيم الأستوديو على مساحةٍ كبيرةٍ من الأرض تضم أكثر من بلاتوه للتصوير، ويضم ورشًا للديكور وغرفًا للممثلين، ومخازن للملابس ومعدات التصوير السينمائي، وبالأستوديو أشهر ديكور للحارة المصرية التي تضمنتها مشاهد كثيرة للأفلام السينمائية المصرية، وقد شهد الأستوديو تطورًا كبيرًا في كافة المجالات؛ سواء الفنية أو التكنولوجية، وفي مجالات الديكور والتصوير والمونتاج.

وقد كانت هناك قبل إنشاء أستوديو مصر محاولات عشوائية لإقامة أستوديوهات نفذت بداخلها بعض الأفلام، لكن أستوديو مصر حول السينما المصرية إلى صناعة متكاملة وركيزة اقتصادية، وقد أقيمت أستوديوهات أخرى بعد ستوديو مصر، منها: (الأهرام)، و(ناصبيان)، و(جلال)، و(نحاس)، لكن كلها أقل منه شأنًا.

السينما والألوان:

حفل تاريخ السينما عالميًّا بالعديد من التجارب في مجال الفيلم الملون، ولم تنتشر الألوان تجاريًّا حتى الأربعينيات من القرن العشرين، (وكانت أول محاولة لاستخدام الألوان في السينما المصرية في فيلم (زينب) الصامت الذي عرض في عام 1930 حيث ظهرت بعض المشاهد ملونة، وتم تلوينها باليد صورة صورة باستخدام الفرشاة. وقد تأخر ظهور أول فيلم مصري روائي كامل بالألوان إلى عام 1950 حين ظهر فيلم (بابا عريس)، ثم تلاه بعد ذلك أفلام: (ست الحسين)، (الحب في خطر)، (نهاية قصة)، والأفلام الثلاثة عُرِضت عام 1951م، ثم فيلم (دليلة) للمخرج محمد كريم عام 1956م، وهو أول فيلم مصري بالألوان يصور بالسينما سكوب، (وأصبحت معظم الأفلام منذ نهاية الستينيات تصور بالألوان؛ إلا إذا كانت هناك ضرورات درامية تحتم تصويرها بالأبيض والأسود).

(والغريب أن السينمائيين المصريين منذ أن عَرَفوا الألوان في منتصف السبعينيات لم يعد أحد منهم إلى التصوير بالأبيض والأسود على الإطلاق حتى لو كانت هناك أسباب درامية أو تاريخية؛ هذا وإن فعل صلاح أبو سيف العكس تمامًا في فيلم (القاهرة 30) الذي صوَّره بالأبيض والأسود، وأصر على أن مشهد الحفل الذي أقيم في سراي (بهيجة حافظ) يتم تصويره بالألوان كضرورة درامية حيث يتبدى الثراء والفخامة والرياش الفاخر من وجهة نظر بطل الفيلم الفقير) (راجع: "سحر السينما" تأليف علي أبو شادي - ط. الهيئة المصرية للكتاب - مكتبة الأسرة 2006م، ص 103 -104).

الدوبلاج في السينما:

الدوبلاج: عملية إعادة تسجيل الحوار أو التعليق بعد ترجمته من لغة الفيلم الأصلية إلى لغة أخرى، فمهمة القائمين على الدوبلاج أن يجعلوا الأفلام الناطقة باللغات الأجنبية ناطقة باللغة المحلية التي تعرض فيها هذه الأفلام بهدف تسهيل فهم هذه الأفلام مما يوسِّع دائرة انتشارها، ويوفِّر على الجماهير مشقة متابعة الترجمة المطبوعة على الشريط أو عدم القدرة على المتابعة إن كانوا أميين) (المصدر السابق، ص153 بتصرفٍ).

(وقد تمت أول عملية دوبلاج لفيلم أجنبي في مصر عام 1937م)، (بتعريب فيلم (مستر ديدز يذهب إلى المدينة)، (وكان الفيلم قد حصل على الأوسكار في هذا العام)، ولكن المحاولة لم يُكتَب لها النجاح حيث كُتِب الحوار باللغة العربية دون مراعاة للمساحات، وزمن الكلام على الشاشة؛ مما تعذر معه إيجاد التطابق بين الصوت والصورة، فلم تنجح هذه المحاولة بسبب ذلك (انظر المصدر السابق، ص 156 -157).

وقد قام أستوديو مصر (بدبلجة أول فيلم أجنبي بالألوان، وهو: (لص بغداد)، وكان ظهور الألوان دافعًا لدبلجة بعض الأفلام التي تدور حوادثها في أجواء شرقية، أو تكون من قصص ألف ليلة وليلة)، (وفي نهاية الخمسينيات أعادت شركة (سوف أكسبورت فيلم) السوفيتية تجربة تعريب الأفلام أسوة بما يحدث في روسيا من دوبلاج لكل فيلم يعرض هناك، وبالفعل عربت جزأين من ثلاثية (نهر الدون الهادئ)، ثم فيلم (مصير إنسان)، (لكن التجربة لم تكن ناجحة تمامًا حيث اعتمد المخرج المسئول عن الدبلجة على نفرٍ محدودٍ مِن الممثلين والممثلات، وأسند إلى بعضهم أكثر من دور صوتي في الفيلم الواحد؛ وذلك بسبب ضآلة الميزانية المخصصة لذلك، ومِن ثَمَّ فقد توقفت العملية كلها بعد ذلك) (المصدر السابق، ص 157- 158 بتصرفٍ).

ومِن تجارب عمليات الدوبلاج دبلجة فيلم (الأميرة والأقزام السبعة) لحساب شركة (فوكس)، وحين عرض الفيلم عرضًا عامًّا لاقى نجاحًا جماهيريًّا، وساعد ذلك على أنه موجَّه للأطفال)، (وهناك العديد من المسلسلات التلفزيونية للأطفال تم دبلجتها إلى العربية، بل ووصل الأمر إلى تغيير أسماء أبطالها واستبدالها بأسماء عربية أيضًا)، (المصدر السابق، ص 158 بتصرفٍ).

ومِن خلال هذا العرض السريع لأبرز المعالم التاريخية للسينما في مصر نرى: أن دخول السينما في مصر كان في زمن الاحتلال الإنجليزي، في وقتٍ طغى فيه تيار التغريب لنشر كل مظاهر الحياة الغربية حلوها ومرها، ما يحمد منها وما يعاب، بتشجيع من الغرب ومباركة من حكام تلك الفترة.

ونرى كذلك: أن مِن أول مَن قاد إدخال فن السينما إلى مصر هم مِن الأجانب مِن غير المسلمين؛ سواء كانوا من الأوروبيين غير المقيمين بمصر أو من الأجانب المقيمين فيها أو المتمصرين، ثم استكمل مسيرتهم من بعدهم مصريون ممَّن فتنوا بهم وبكل مظاهر الحياة الغربية الأخرى، وممَّن تربوا على موائد الغرب وتشربوا ما هم عليه، فصاروا يتبعونهم حذو القذة بالقذة، جاهلين أو متجاهلين ما يرتكبونه من المخالفات الشرعية فيما يقدمونه، معرضين عما ينبغي أن يكون عليه هذا الفن من ضوابط تسمح بالأخذ به ونشره في المجتمع المسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com