الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مَن أزوِّج ابنتي؟

مَن أزوِّج ابنتي؟
نادر بكار
الاثنين ١٥ نوفمبر ٢٠٢١ - ١٧:٠٤ م
142

مَن أزوِّج ابنتي؟

كتبه/ نادر بكار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فثمة خلل ما قد اعترى علاقات الزواج في مجتمعنا، وصار تزايد حجمه وتسارع وتيرته مخيفًا لمَن له أدنى عناية بهذا الشأن.

لستُ مِن هواة التهويل، ولا أنا أسيرٌ لتحيُّزٍ معينٍ، ولستُ كذلك متابعًا لهذا النمط من المشاكل وحده كي يطغى على تفكيري فلا أعود أرى غيره، لكن إحصاءات حالات الطلاق لا سيما لحديثي الزواج نسبيًّا لا تحتاج خبيرًا لفهم دلالاتها، وأخبار فشل الزيجات الحديثة صارت تقتحم عليك يومك دون جهد منك في البحث أو التنقيب؛ إن أعرضت عن الأولى وتغافلت عن الثانية، فحتمًا لن تجسر على الإعراض عن سؤال نفسك وابنتك تكبُر أمام ناظريك: تُرى أي مصير ينتظر زواجها؟!

ثم التداعي المنطقي: مَن أزوِّج ابنتي؟!

ومصطلح "المجتمع" في سياقنا هو (المصري) بلا شك؛ وإلا فإن الظاهرة يمكن أن توصف بالعالمية دون أن نُتهم بالمبالغة، لكن توسيع نطاق البحث ليس مِن خصائص هذا المقال.

ثم إن توصيف المشكلة ومِن ثَمَّ البحث عن جذور أسبابها قبل الانطلاق في افتراضات الحل لن يتسع له المقام أيضًا، ربما قد يجب في مرحلة لاحقة، وها هي بضع خواطر مبعثها استشعار الخطر والحاجة إلى رفع الصوت: (ثمة خلل ... وخلل مخيف!).

والحق أن الناس في مجتمعنا على ضروبٍ شتى في كيفية بدء علاقات الزواج وكذا في إنهائها، شأنهم في ذلك شأن اختلاف مشاربهم وأذواقهم في غيرها، والنمط الغالب والقالب الواحد لم يعد موجودًا؛ لأن بيوتنا نفسها ببساطة لم تعد متشابهة، لكن دعنا نقل: لا يزالُ حديث: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ ‌مَنْ ‌تَرْضَوْنَ ‌دِينَهُ ‌وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، يمثِّل بالنسبة إلى قطاعٍ كبيرٍ من هذا المجتمع العنوان العريض، وعلى هذا القطاع نسلِّط الضوء أكثر.

تُرى: هل استقامت له الأمور وتغيَّرت في حقه نسبة الفشل مقارنة بغيره من القطاعات؟

اختر ما تشاء من الإجابات، دونك السهل منها لو أردتَ التغافل أو الصعب لو أردت المواجهة!

"إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتؤدي الأمانة، وتعين على نوائب الحق"؛ هذا ما رأته خديجة -رضي الله عنها- ابتداءً في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم اختارته زوجًا، ثم كان أن صرَّحت به يوم أن أفزعه ما رأى في الغار وطلب مشورتها، فاستدلت بهذه الخصال على استحالة أن يرى في حياته -صلى الله عليه وسلم- ما يخزيه أو يفضحه، وكلها خصال لا يخبر عنها إلا مَن عاشر وخبر، وكلها خصال لا يتحدث بها صاحبها أو يضرب لها الأمثال، إنما تُحكَى عنه سمتًا لا ينفصل، وخُلُقًا لا يُعَاب.

أما أن فلانًا يحفظ من القرآن كذا وكذا، ويطلب من العلم كذا وكذا، ويلازم من العلماء هذا وذاك، ويتقعر في حديثه ويتفيهق، فدونك خصال الخوارج ما سبقهم في ذلك الدرب أحدٌ، كما في الحديث: (‌يَحْقِرُ ‌أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) (متفق عليه).

"ابن الأصول" ... وصف ٌمصري عبقري، اختصر المسألة في كلمتين فقط، قد يبدو مبهمًا فقط لمَن لم يعتد سماعه، أو للذي لا يفهم بعد: أن الأمر أرحب بكثيرٍ مِن قوالب جامدة اختارتها ذائقته، ويغصب علينا إلصاقها بالشريعة!

الأصول التي هي مكارم الأخلاق، والتي أتت البعثة الشريفة لإتمامها لا للتجافي عنها والاستخفاف بها.

"ابن الأصول" هو: الذي لن يستدعي مما يحفظ مِن آيات أو تضرب أصابعه على هاتفه بحثًا في أقوال الأئمة ما يظن به إبراءً لذمته واحتياطًا لدينه، وهو يخالف أبسط الأصول ويتنكر لبديهيات المروءة.

"ابن الأصول" هو: الذي تردعه أصوله يوم يفتيه الناس، وتوقفه أصوله حتى لو توافرت له، وتلزمه أصوله وإن غاب عنه الرقيب.

"ابن الأصول" لا ينسى الفضل ويعطي في الخصومة فوق العدل؛ يألف ويؤلف، ويعطي ولا يمن، ويرحم ويرفق، فإذا ما غشي ما يغشاه البشر أقبل مستغفرًا معتذرًا مُنصفًا مِن نفسه، سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى، هل تحدث نفسك الآن بأن هذه عينها أوصاف مَن نطلق عليه: "ملتزمًا"؟

من جديد لن أعطي إجابة، ولستُ مَن سيقول: افعل ولا تفعل، يكفيني فقط أن أكرر هذا الوصف على مسامعك وصغه أنت على النحو الذي تحب، فقط أذكِّرك: أننا نتحدث هنا عن ابنتك.

ولئن كان سهلًا على النفس أن يكون التزامها بالشرع مختصرًا في سمتٍ ظاهرٍ، ونمطٍ معينٍ في الكلام، فإذا ما اضطرت إلى بيع وشراء، ونكاح وطلاق، وتنازع واقتضاء، كشفت عن وجهٍ غير الوجه، وسلوك غير السلوك؛ أقول: إن كان ذلك سهلًا على النفس وتجد له ألف مبرر ومبرر، فلن يكون سهلًا عليها على الإطلاق يوم تتجرع من نفس الكأس، وتنطلي عليها نفس المظاهر وتخدعها نفس العبارات.

لن يكون سهلا ًعليها وهي التي ارتضت من الدين سمتًا ظاهرًا، وجادلت بآيات وتحججت بأحاديثَ، وذهبت كل مذهب في الاقتطاع من حقوق الناس، أن ترى يومًا الدائرة تدور عليها، وسيف البغي يقطر من دمها، وقد تكون الدائرة أقرب إليها مما تتصور!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com