الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التفوق والوصول إلى القمة

التفوق والوصول إلى القمة
إبراهيم جاد
الاثنين ١٥ نوفمبر ٢٠٢١ - ١٧:٠٧ م
50

التفوق والوصول إلى القمة

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا شك في أن كلَّ البشر يطمحون إلى القمة، وتجتمع فيهم خصال حب التفوق أو السعي إليه، والواقع خير شاهدٍ ومثالٍ، فهم حريصون كل الحرص على بلوغ القمة، والتربُّع على سفح التفوق العلمي في الثانوية.

وعلينا أن نبذل الجهد والمال، وإن حالت بيننا وبينه الظروف والأحوال، ولكن هذا الحرص في أمور الدنيا والآخرة أم في الدنيا فقط؟

إن الدين لم يتعارض يومًا ما مع مقاصد الدنيا الحسنة، وحفظ وبناء الأوطان، والعلم والرغبة في الاكتشاف والمعرفة، بل في تسخير كل ما خلق الله -تعالى- في صالح البشر، وحث على استعمال العقل في التأمل في خلق ملكوت السماوات والأرض، قال -تعالى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ ‌كَيْفَ ‌خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (الغاشية: 17-19).

بل العلماء شأنهم غاية في الرفعة، ومكانتهم هي الأعلى قدرًا في العقول والقلوب، قال الله -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11).

وجعل السعي في طريق العلم الشرعي وتعليم الناس وإن دخل فيه علم دنيوي للمؤمنين فيه نية صالحة طريقًا يسهِّل إلى الجنة: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ ‌طَرِيقًا ‌إِلَى ‌الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).

بل جعل العلم من الحسد المحمود والغبطة المطلوبة: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، ‌فَسَلَّطَهُ ‌عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) (متفق عليه).

بل جعل فضل العالم على العابد كفضل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أدنانا: (فَضْلُ ‌العَالِمِ ‌عَلَى ‌العَابِدِ ‌كَفَضْلِي ‌عَلَى ‌أَدْنَاكُمْ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

وجعل جزاء مَن خرج في طلب العلم عظيمًا: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌خَرَجَ ‌فِي ‌طَلَبِ ‌العِلْمِ ‌فَهُوَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ ‌حَتَّى ‌يَرْجِعَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

كل هذا وغيره في فضل العلم والعلماء.

وسؤالي الذي انتزعه مِن وسط مجتمعنا ومن بين أبنائنا: هل حرص البعض منا على الفوز في الثانوية العامة كحرصه على الفوز بالجنة؟!

إن بعض الآباء والأمهات يربون أبناءهم أن الثانوية مصيرك وبدونها لا قيمة لك، وبدونها أنت فاشل، فمع الأسف أي تربية هذه التي تجعل مَن لم يحقق حلمه في الثانوية ينتحر!

مأساة جذورها عميقة مبدأها البيت والوالدين والمجتمع!

وأرجو أن يفهم الجميع قصدي، فالثانوية مهمة غاية الأهمية، ولكن أين الركن السادس من أركان الإيمان، وهو: الإيمان بالقضاء والقدر الذي قوامه على التسليم والرضا، وإن خالف هوانا وجاء دون رغبتنا بعد ما بذلنا ما علينا؟!

أين التربية الإيمانية التي تدفع الأفكار السيئة عن أبنائنا؟!

وانتبه جيدًا لتعرف بمَ جَنَى بعضنا على أبنائنا!

لماذا بعض أبنائنا لا يفكر في مصيره الأخروي فيفضِّل الانتحار على تقبُّل عدم التوفيق في الثانوية؟!

نحن نحتاج إلى ترتيب الأولويات في حياتنا وحياة وعقول أبنائنا.

أيها الآباء ... العقيدة الصحيحة نجاة لكم ولأبنائكم، ربوهم على التفوق والجد والاجتهاد، والأخذ بالأسباب المشروعة، وإن لم يوفقه؛ فهذا قدر الله -عز وجل-، لا بد من التسليم التام له.

أيها الآباء ... ربوهم على أن الأهم في حياتك أن تزرق الطاعة والعبودية الصحيحة لله -تعالى-، والثانوية طريق من الطرق، إن وفقت فلله الحمد والمنة، وإن لم يحدث فهناك فوز عينه عليه هو رضا الله -تعالى- والجنة.

أيها الآباء ... الأمانة تستوجب خوفنا عليهم من النار كما نخاف عليهم من الفشل في الثانوية العامة.

أيها الآباء ... ربوهم أن خدمة هذا الدِّين شرف في كلِّ المجالات؛ في الدعوة، في الطب، في الهندسة، إلخ، المهم أن تجعل لك نية صادقة.

أيها الآباء ... ربوهم على الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما علت فهي حقيرة، فاستغنِ عنها بالآخرة، واعتبرها وسيلة تصل بها إلى الجنة.

أيها الآباء ... أبناؤكم أمانة في أعناقهم ستسألون عنها أمام ربكم؛ فلماذا لم نحاسبهم على تقصيرهم في حق ربهم -جل وعلا- كمحاسبتنا لهم على الثانوية؟!

أيها الآباء ... عظموا أوامر الله -تعالى- وحدوده أمام أبنائكم، فيعظموها مثلكم، وخذوا بأيديهم إلى الله وهم صغار، يأخذونكم إلى جنة وهم كبار بإذن الله -تعالى-.

أيها الآباء ... المال بدون دين وأخلاق فشل على المستوى الشخصي والمستوى العام.

أيها الآباء ... طبيب خلوق خير من طبيب عالم فذ، ولكنه سيئ الخلق والطباع، وأنتم أول مَن تجنون ثمار البر أو الهجر، والقطيعة والعقوق.

أيها الآباء ... حرصكم يظهر في أبنائكم؛ فاحرصوا على خيري الدنيا والآخرة معًا.

أيها الآباء ... قدِّموا نموذجًا طيبًا لأبنائكم بالصبر والرضا على القَدَر الذي لم يأتِ بما تشتهون، واحتضنوهم بالأفعال والأقوال قبل أن تذوقوا مأساة فقدانهم وتعيشوا تعاسة الحرمان منهم!

اعلموا ... أن القمة الحقيقية يوم أن يأخذك ولدك بيديه إلى الجنة، وأن تجتمعوا جميعًا في جنات الفردوس، فهناك لا نصب ولا وصب.

فاللهم حقق لنا ولهم كل أمنية صالحة في الدنيا والآخرة، وبصرنا بطريق الإيمان، واختم لنا ولهم به، اللهم أمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة