الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع آيات (15) (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ) (موعظة الأسبوع)

وقفات مع آيات (15) (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ) (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ٢٤ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٩:٤٦ ص
195

وقفات مع آيات (15) (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ ‌خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: 9).

موضوع الآية:

بيان فضل المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-.

قصة نزول الآية:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي الْجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إلى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللهُ)، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَهَبَ إلى أَهْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ، فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، ‌وَنَطْوِي ‌بُطُونَنَا ‌اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (لَقَدْ عَجِبَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَوْ ضَحِكَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ)، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة -رضي الله عنه-.  

تمهيد للوقفات:

الآية تدل على فضل الأنصار، وتشير للتي قبلها، والتي تدل على فضل المهاجرين، وهذا يأخذنا إلى جعل الفوائد كلها حول مكانة الصحابة -رضي الله عنهم-.

وقفات مع الآية:

(1) وقفة تاريخية للكلام عن مكانة الصحابة -رضي الله عنهم-:

- أرسل الله -تعالى- النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمة ونورًا للبشرية: قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحديد:9)، فعاده قومه وتعرَّضوا له بالأذى، (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى:23).

- وتبعه قوم باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، وتحملوا لذلك كل ألوان الأذى حتى هاجروا: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر: 8).

- ولما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبله قوم قدَّموا له ولأصحابه كل أنواع النصرة والإعانة: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِين َتَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إليهم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).

- وقد استمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يجاهد ويجاهد معه الصادقون والمفلحون: قال الله -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح: 29).

- وبعد ثلاث وعشرين سنة من التربية والدعوة والجهاد مع نبيهم -صلى الله عليه وسلم- رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد تمام الدين: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: 3).

- ورغم شدة أمر الوفاة وعظيم المسئولية، استمرت الراية مرفوعة: قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144)" (رواه البخاري)، وهكذا بقي دين الله يحمله أصحابه.

- وظلت الراية عالية ترفرف كل يوم على أرض جديدة للإسلام وتحقق بشارة القائد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) (رواه مسلم).

(2) الصحابة من عوامل نجاح الدعوة الإسلامية:

- من خلال ما تقدَّم يظهر لنا أن نجاح الدعوة الإسلامية وانتشارها في الأرض كان له عوامل ثلاثة بعد توفيق الله -تعالى-:

أولها: المنهج الرباني الكامل: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: 3).

ثانيها: شخصية رسول الله القائد وتفانيه في الدعوة إلى وفاته: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ) (المدثر: 1-2).

ثالثها: الصحابة الذين نقلوا الدِّين ونشروه في العالم: قال -تعالى-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:137).

- أعداء الدين من المبتدعة والمنافقين والكفرة والملاحدة يحاولون هدم الدعوة الإسلامية من خلال هدم هذه الأصول الثلاثة بطرق مختلفة، بحسب عقيدة كل طائفة منهم.

- الشيعة الرافضة يهدمون الإسلام من خلال هدم الأصل الثالث (الصحابة) حقدًا وقومية: قال الخميني في كتاب كشف الأسرار: "إن مثل هؤلاء الأفراد الحمقى والأفاكون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر!" (كشف الأسرار ص 107-108، نقلًا عن الفوائد البديعة)(1).

(3) سبق الصحابة للعالمين:

- سبقوا العالمين في كل المجالات "ولو زاد عليهم غيرهم في الكمية"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ) (متفق عليه).

أمثلة مختصرة:

أ- أسرع الناس استجابة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-: قال أصحاب موسى لموسى -عليه السلام-: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:24)، وقال أصحاب عيسي لعيسى -عليه السلام-: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة:112)، وأما أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285)، وقالوا: "فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدْقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" (رواه الطبري في تفسيره، وابن كثير في البداية والنهاية).

ب- أشد الناس محبة واتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: قال عنهم عروة بن مسعود -رضي الله عنه- لما رجع إلى قريش -وكان مشركًا يومئذٍ-: "أَيُّ قَوْمٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ تَعْظِيمَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَمَا يُحِدُّونَ إليه النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ" (رواه البخاري).

ج- أعظم الناس بذلا لنفوسهم في سبيل الله -تعالى-: ذكر ابن سعد في طبقاته: "لما كان يوم اليمامة، كان أول مَن جرح أبو عقيل الأنصاري -رضي الله عنه-، رُمي بسهم وهن له شقه الأيسر حتى أوشكت يده على السقوط من كتفه، وحمل مع الجرحى إلي الرَّحل، فلما حَمِيَ القتال وانهزم المسلمون، نادي المنادي: يا للأنصار، الله الله، فنهض أبو عَقيل يريد قومه، فقال ابن عمر: ما فيك قتال، قال: قد نوَّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلتُ: إنما يقول يا للأنصار، لا يعني الجرحى، قال أبو عَقيل: أنا من الأنصار وأنا أجيبه ولو حَبْوًا، قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى ثم جعل ينادي: يا للأنصار كَرَّة كيوم حُنين، قال ابن عمر: فنظرتُ إلى أبي عَقِيل وقد سقطت يده، وبه من الجراح أربعة عشر جرحًا، ووقفت عليه وهو صريع بآخر رمق، فقلت: أبا عقيل، فقال: لبيك، بلسان مُلْتَاث، لمن الدّبْرة؟ قلتُ: أبْشر، قد قُتل عدوّ الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله" (الطبقات الكبرى لابن سعد، نقلًا عن أخلاق النصر للشيخ أحمد فريد).

- والخلاصة: لو لم يكن لهم إلا شهادة الله (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) (الفتح:18)، ووعد الله (وَكُلا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى) (النساء: 95)؛ لكفى، ولا يضرهم طعن الطاعنين.

(4) اختلاف الصحابة كان مِن أجل الدِّين:

- إن أعداء الدِّين من المبتدعة والمنافقين والكفرة يتخذون مِن اختلاف الصحابة ذريعة لهدم الدعوة الإسلامية.

- بداية ... الاختلاف أمر قدري: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) (هود:118-119).

- إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- باختلافهم قبل وقوعه، وثناؤه على الطائفتين وإن اختلفا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) (رواه البخاري).

- كان خلافهم للدِّين وليس للدنيا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ)، مقتل عثمان -رضي الله عنه-، وانقسام الرأي السائغ بين معجِّل بالقصاص مِن قتلة عثمان، وهم أهل الشام، ومتريث حتى تتبيَّن الأمور وتستقر الدولة بعد ثورة الفجار، وقتلهم أمير الأبرار عثمان -رضي الله عنه-.

- إنصافهم في أشد حالات الخلاف يثبت ذلك: إنكار علي -رضي الله عنه- على قاتل الزبير -رضي الله عنه-، ذكر ابن كثير -رحمه الله-: "لما استأذن عمرو بن جرموز على علي -رضي الله عنه- بعد قتله الزبير يريد حظوة عنده، فقال له علي -رضي الله عنه-: بشِّر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) (متفق عليه)، ولما رأى سيفَ الزبير، قال: إن هذا السيف طالما فرَّج الكرب عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (البداية والنهاية).

(5) من واجبنا نحو الصحابة:

- محبتهم والتعرف عليهم ومطالعة سيرتهم العطرة؛ فاتباعهم سبب الرضا: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة: 100).

- نشر فضائلهم والتعريف بمكارمهم، فهم القدوة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (البقرة:137).

- الذود عن أعراضهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، "مِن وسائل الدفاع عنهم: الرد على الطاعنين، والتشنيع بهم وفضحهم، والمطالبة بمعاقبتهم ومقاطعتهم، وتفعيل كل الوسائل المتاحة مِن: مخاطبة الجهات الرسمية -الحملات الإلكترونية - النشرات - المحاضرات - الخطب- ... ".

- الدعاء لهم والترضي عليهم، وهو ما جاءت به الآية التالية للآية معنا: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا ‌غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 10).

فاللهم ارضَ عن الصحابة، واجمعنا بهم في جنات النعيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كان انتصار المسلمين في معركة القادسية سنة 14هـ على الفرس، ثم سقوط دولة الفرس سنة 16هـ في عهد عمر الفاروق، من أعظم أسباب حقدهم وكيدهم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com