الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حتى لا تتحول الحضارة إلى حطام!

حتى لا تتحول الحضارة إلى حطام!
الأربعاء ٢٢ ديسمبر ٢٠٢١ - ١٠:٣٠ ص
70

حتى لا تتحول الحضارة إلى حطام!

كتبه/ وائل رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لله في خلقه سُنَنٌ لا تتبدل ولا تتغير، ومِن هذه السُنَن التي بيَّنها -سبحانه- في كتابه الحكيم أنَّ اقتراف الفواحش، واتباع الشهوات، وشيوع الفساد في الأرض، واستعلان المنكرات، وعدم التناهي عنها، مِن أهم أسباب دمار الأمم وهلاكها، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16)، وقال -سبحانه- عن بني إسرائيل: (‌كَانُوا ‌لَا ‌يَتَنَاهَوْنَ ‌عَنْ ‌مُنْكَرٍ ‌فَعَلُوهُ) (المائدة:79).

وقد أشار ابن خلدون -رحمه الله- في مقدمته إلى: أن السلوك الأخلاقي المنحرف هو طريق الانهيار الحضاري، وذكر أن رقي الأمم لا يتحقق بتوافر القوة المادية أو رقي العقل، بل بتوافر الأخلاق الحسنة.

وقال -رحمه الله-: "إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة؛ حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل سلوك طريقها".

والتاريخ أكبر شاهد على أن تدهور الأخلاق كان له دورٌ كبيرٌ في سقوط الحضارات؛ فانهيار الإمبراطورية الرومانية لم يكن إلا بسبب الفساد الأخلاقي الذي انتشر فيها، وكذلك كان هذا الفساد سببًا في انهيار الإمبراطورية الساسانية حين انتشر بينهم زواج السفاح، وما ضاعت الأندلس؛ إلا بسبب الانهيار الأخلاقي الذي أصابها.

والناظر في الحضارة الغربية اليوم، يجدها قد أخذت بنصيبٍ مِن حضارات الهالكين، وانحرافاتهم الأخلاقية والسلوكية، والدليل على ذلك: تصاعد وتيرة الحملات والضغوط الغربية، لفرض القبول والترحيب بالشذوذ الجنسي على مختلف شعوب العالم وأفراده، وجعله حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان، وكأنّه أحد أسباب السعادة والحضارة والتقدُّم البشري، فلا غرو أن ينتظر أن ينزل بهم ما نزل بأسلافهم، قال الله -تعالى-: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم: 45-46).

ولا شك أنَّ إسقاط القِيَم والأخلاق الفاضلة، لم يكن يومًا سُلّمًا للرقي الحضاري، ولكنه مزلق للسقوط الإنساني بتفاصيله، وخطوات متسارعة نحو الانهيار الاجتماعي والأخلاقي والحضاري.

فالأخلاق الفاضلة هي أهم ما تتفوق به الأمم، وتعلو به عن غيرها، وبقدر ما تسمو أخلاق الأمة تعلو حضارتها، وتجذب الأنظار إليها، وبقدر ما تندحر أخلاقها وتضيع قِيَم الفضيلة فيها، تهوي حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم.

ولهذا حريٌ بمجتمعاتنا الإسلامية أمام هذا التجريف العميق في الوعي والسلوك والأخلاق، ومحاولة فرض هذه الثقافة المقيتة أن تتمسك بثوابتها، ومنظومة قيمها الدينية، وأن تعمل على تقوية بنيانها الأخلاقي والقيمي بوصفها حائط أمان أمام هذا الطوفان الهائل من الانهيار.

فالأمة التي تفقد عقيدتها، وتتنازل عن قِيَمها وأخلاقها، لن يمر وقت طويل حتى تجد نفسها في وضع بائس، فلا هي أدركت ركب الدول المتحضرة والمتقدِّمة التي تلهث وراءها، ولا هي بقيت طاهرة الثوب، تقف على أرضٍ صلبة من "حضارة الأخلاق"، فهي تبعت الغرب كالبقية، والغرب يهيم دون وجهة، لكن الفارق أنها تتبعه، وقد أضاعت طوعًا أغلى ما تملك!

ويجب أن نكون على يقين: أنَّ الإسلام له ثوابت لا تحركها الجبال، راسخ في منظومته التشريعية؛ قيمًا ومبادئ ومرتكزات، فالحلال كما هو منذ بعثة نبينا -عليه الصلاة والسلام- إلى اليوم، والحرام كما هو لم يتغير قط، فيموت مَن يموت، ويعيش من يعيش، ويظل هذا الرسوخ عنوانًا لقوة هذا المنهج الأصيل والتشريع الدقيق، فكونوا ساعدًا لإيقاف هذا التضليل، وكونوا درعًا للحفاظ على أبنائنا مِن هذا الخراب والتقزيم؛ حتى لا تتحول حضارتنا وحضارتهم إلى حطام!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة