الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفتوى إسقاط حكم على الواقع

الفتوى إسقاط حكم على الواقع
الأحد ٠٢ يناير ٢٠٢٢ - ٢٣:٢٧ م
88

الفتوى إسقاط حكم على الواقع

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عندما يُسأل داعية أو مَن يتصدر للفتيا أو الكلام في الدِّين اليوم عن مسألة تمس الواقع، ترى مِن البعض مداهنة ومراعاة لضغط الواقع -أو ربما منصبه-؛ طلبًا لمدح أو ثناء البعض، أو المكانة عند القوم، أو هروبًا من الذم!

فيتحايل كتحايل اليهود في الصيد يوم السبت، كما ورد في قصتهم في سورة الأعراف، وتحت شعارات: الاعتدال، والسماحة، والمعاصرة، والوسطية، وتجديد الخطاب الديني؛ تراه يبحث عن الأقوال الشاذة وزلات العلماء في بطون كتب المذاهب، ويتلاعب بالألفاظ واللغة وعلم الكلام، ويقول على الله بغير علم!

قال الله -تعالى-: "وَلَا تَقُولُوا ‌لِمَا ‌تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ"، "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ‌وَأَنْ ‌تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ".

وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاة على أبواب جهنم، أنهم من نفس جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلوبهم قلوب شياطين وجثمانهم جثمان إنس.

قال ابن المبارك -رحمه الله-:

وهل أفسد الدين إلا الملوك               وأحـبار سـوء ورهـبـانهـا

علماء السوء والضلال في كل زمان ومكان، قال -تعالى-: "‌اتَّخَذُوا ‌أَحْبَارَهُمْ ‌وَرُهْبَانَهُمْ ‌أَرْبَابًا ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ"، قال عدي بن حاتم: "ما كنا نعبدهم يا رسول الله، قال: أليس يُحَرِّمُونَ ما أحل الله فتُحَرِّمُونَهُ؟ ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ الله فتُحِلُّونَهُ؟ فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم!".

مثال: عندما يسأل أحدهم عن الغناء، فيتكلم عن "طلع البدر علينا" وحسنه حسن وقبيحه قبيح! بينما أنا أسألك عن غناء اليوم من المهرجانات والكلام المثير للغرائز، والإسفاف الخادش للحياء، والغزل والحب والغرام والعشق، وأوصاف النساء والخمر!

فهذا يتكلم عن شيء لا يوجد في واقع الناس الذي يسألون عنه!

مثال آخر: عندما يسأل البعض عن العلمانية فينخدع البعض ويدندن: "إن كان يقصد بها العلم والحضارة، والتمدن … !".

وقد وَصَف الله أشهر محاور العلمانية -التي تنتسب زورًا وكذبًا للعلم- بالجاهلية، انظر إلى قوله -تعالى-: "‌أَفَحُكْمَ ‌الْجَاهِلِيَّةِ ‌يَبْغُونَ ‌وَمَنْ ‌أَحْسَنُ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌حُكْمًا ‌لِقَوْمٍ ‌يُوقِنُونَ"، ثم هؤلاء مع ذلك يدَّعون أن الشريعة رجعية وتخلف وقسوة وهمجية، وشريعة بدو وصحراء، ولا تناسب العصر الحديث!

قال -تعالى-: "‌وَلَا ‌تَبَرَّجْنَ ‌تَبَرُّجَ ‌الْجَاهِلِيَّةِ ‌الْأُولَى"، فهم يسمون تلك الجاهلية تحريرًا للمرأة، وكأن الإسلام ظلم المرأة بالحجاب، فهل بيوت الدعارة وجعل المرأة سلعة رخيصة في الإعلانات والمسلسلات؛ لجذب الزبائن والمشاهدات والمتابَعات هو تكريم للمرأة؟!

وقد وصف الله -تعالى- الانتماء والتعصب لجنسٍ أو لون أو حدود أو عرق بأنه جاهلية، فقال -عز وجل-: "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ ‌الْحَمِيَّةَ ‌حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ".

وقد استُخْدِمَت في نشر العلمانية كافة الأساليب من المسلسلات والأفلام وهوليود، والموضات والأزياء العالمية، ومنظمات المجتمع المدني، واليونيسكو، والاتحادات العالمية ، والمدارس والجامعات الأجنبية، والإعلام، والصحف والمواقع والصفحات الإلكترونية، والتطبيقات وبعض المفكرين والأدباء، وأساتذة الجامعات، والمنح الدراسية التابعة للسفارات والقنصليات الدولية، والتمويل الأجنبي، إلخ.

وكان من الرموز التي ساهمت في نشر معاني التغريب: طه حسين -والذي تراجع في آخر حياته عن ذلك-، زكي نجيب محمود، نجيب محفوظ، أحمد لطفي السيد، قاسم أمين، وهدى شعراوي، صفية زغلول، إقبال بركة، ونوال السعداوي، وغيرهم.

وواقع الناس وعند العوام وعند واضعي المصطلح كما في دائرة المعارف البريطانية: أن العالمانية تعني: (secularism) اللا دينية، أو فصل الدين عن السياسة والدولة والحكم، وعن الحياة، أو أن الدِّين مجرد طقوس وأذكار وأوراد في المسجد أو في رمضان، في أزمنة معينة، وهو علاقة بين العبد وربه لا شأن له بالاقتصاد والتشريعات والحلال والحرام والعقوبات والقوانين.

لذلك تجد العلمانيين لديهم كراهية لانتشار ارتداء الحجاب والنقاب وسط طالبات الأزهر أو مشهد الطلاب يصلون في المدرسة صفوفًا أو تعليم التلاميذ القرآن أو مشهد قراءة القرآن في صيدلية!

ولا ننسى كلام العلمانيين أيام تعديل الدستور، ونستحضر مطالباتهم ودعواتهم إلى تحريف المادة الثانية والعودة إلى دستور 23 أو 71 أو إزالة "ال"، أو استنكارهم معنى "دولة إسلامية" بقولهم: هل الدولة تصوم وتصلي؟!

وقد قال حاملو لواء العالمانية في تونس: لا شأن للدولة بالآيات والأحاديث عندما روَّجوا لمساواة الأنثى بالذكر في الميراث، والزواج المدني للمسلمة بغير المسلم!

فيريدون تنحية الشريعة والطعن في النصوص ومرجعيتها، فعندما يستفتى مَن يتصدر للفتوى، ويخدع الناس بعباراتٍ براقةٍ، ويلبس عليهم أمر دينهم تلميعًا وترويجًا للمصطلحات الباطلة، مثل: تسمية الربا فوائد واستثمار ومرابحة، وتسمية الخمر مشروبات روحية، والغناء والموسيقى غذاء الروح، والتبرج والعري فنًّا وحضارة، والشذوذ وانتكاسة الفطرة حقوق المثليين! فهذا كما جاء في الأثر: "سيأتي على الناس زمان يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، ويسمون الربا بغير اسمه". 

فالمشكلة عند هؤلاء القوم إما الجهل بالكتاب والسنة، أو قلة الورع، فمن أجل الشهرة والمنصب ورضا الغرب عنه مستعدون أن يتنازلوا عن الثوابت أو بيع الدِّين بعرض من الدنيا!

نعوذ بالله من مضلات الفتن، ونعوذ بالله من الخذلان.

موقع أنا السلفي


www.anasalafy.com

تصنيفات المادة