الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

جزاهم الله عنَّا خيرًا!

جزاهم الله عنَّا خيرًا!
الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠٢٢ - ٠٩:٣٢ ص
118

جزاهم الله عنَّا خيرًا!

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مَن أحق بهذه الكلمة مِن علمائنا وشيوخنا، وكل معلمٍ للخير في كل مكان؛ والدًا كان أو والدةً، أو مُعلمًا أو محفظًا للقرآن، أو واعظًا، أو طالب علم، أو عالمًا ربانيًّا؟!

فلقد جعلهم الله سببًا في أعظم نعمة على الإطلاق؛ نعمة الهداية والدِّين والإيمان.

فنحن نحبهم ونتولاهم، ومِن أعظم الدلائل على ذلك الحب والتولي والوفاء، ألا ننساهم من دعائنا، بل نكثر من الدعاء لهم؛ فهذا إسحاق بن راهويه رحمه الله يدعو لشيوخه، بل ولتلاميذه كل ليلة إلا قليلًا، فجاء عنه أنه قال رحمه الله: "قلَّ ليلة إلا وأنا أدعو لمَن كتب عنا ولمن كتبنا عنه!".

وكذا كان يفعل الإمام أبو حنيفة رحمه الله؛ فمما أُثِر عنه أنه قال: "ما صليتُ صلاة منذ مات حماد بن أبي سليمان إلا استغفرتُ له مع والديَّ، وإني لاستغفر لمن تعلمت منه علمًا أو علمته علمًا".

فسبحان الله! لا يقتصر على الوفاء لشيوخه، بل يدعو لطلابه أيضًا مع والديه!

فكان الجزاء من جنس العمل؛ فمِن بعده تلميذه أبو يوسف رحمه الله يقول: "إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أَبوَيَّ".

والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان يدعو للشافعي رحمه الله وقت السحر مع والديه، ويكثر له الدعاء جدًّا، وقال: "ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له"، وقال: "ما صليتُ صلاةً منذ أربعينَ سنةً إلا وأنا أدعو فيها للشافعي".

وسأل رجل أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: بالري شاب يُقال له أبو زرعة! فغضب أحمد وقال: تقول شاب؟! -كالمنكر عليه- اللهم انصره على مَن بغي عليه، اللهم عافه، اللهم ادفع عنه البلاء، اللهم ... اللهم ... في دعاء كثير.

وقال الحارث بن سُريج رحمه الله: "سمعت يحيى القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه به".

وكتب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني رحمه الله إلى أبي زُرعة: "اعلم رحمك الله أني ما أكاد أنساك في الدعاء لك ليلي ونهاري، أن يُمتَّع المسلمون بطول بقائك".

وغير ذلك الكثير من دعاء السلف فمَن بعدهم لشيوخهم وعلمائهم.

ويكفيك حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل"؛ ولذا قالت أم الدرداء رضي الله عنها: "كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله، يدعو لهم في الصلاة!".

وانظر كيف كان عمله رضي الله عنه بما رواه، فإن هذا هو العلم النافع حقًّا.

وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، ‌فَمَنْ ‌أَثْنَى ‌بِهِ ‌فَقَدْ ‌شَكَرَهُ، ‌وَمَنْ ‌كَتَمَهُ ‌فَقَدْ ‌كَفَرَهُ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، و"مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ‌فَقَدْ ‌أَبْلَغَ ‌فِي ‌الثَّنَاءِ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

والأمر ليس كلمة عابرة أو دارجة على اللسان، بل دعاء بصدق واجتهاد كأن الإنسان يدعو لنفسه في شيء يحتاجه.

وهذا الدعاء من أدلة الوفاء وصدق المحبة، ومن علامات سلامة الصدر، بل ومِن أسباب تحصيله وزيادته، ولا تكن النملة خيرًا منا؛ ففي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ ‌لَيُصَلُّونَ ‌عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ" (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)؛ فهذه تذكرة -لنفسي وإخواني- بالدعاء لمَن علمونا الخير وبلغونا العلم النافع، وهو عملٌ ليس فيه كبير مشقة، لكنه في نفس الوقت عمل جليل عظيم، فليس شيء أكرم على الله من الدعاء، وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه.

فضع لذلك جدولًا وخطة عملية تلتزم بها، واجعل لهم نصيبًا من الدعاء في أوقات الإجابة، وفكر في طريقة تناسبك كي لا تغفل عن هذه العبادة؛ فمِن الناس مَن يكتب ورقة بالأسماء التي سيدعو لها أو على هاتفه، وما شابه، ويدعو لهم كل مرة أو يجزئهم على أوقات الدعاء، ومنهم مَن يربط الدعاء لهم بشيء معين يُذَكِّره به، فمثلًا: كلما قابل أحدًا أو اتصل بأحدٍ دعا له، أو كلما سمع خيرًا دعا لقائله وناقله، أو كلما مرَّ ببلدة أو بيت أو مكان دعا لأهله ولمَن يعرفه فيه بأسمائهم، وخصوصًا معلمي الخير كما ذكرنا، إلى غير ذلك من الأفكار والطرق؛ لاستدامة تلك العبادة العظيمة.

نسأل الله مِن فضله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة