السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ليلة النصف من شعبان

ليلة النصف من شعبان
الثلاثاء ١٥ مارس ٢٠٢٢ - ١١:١٧ ص
557

ليلة النصف من شعبان

كتبه/ محمد إبراهيم أبو زيد


إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهده الله تعالى فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم أما بعد؛

فلا يفصلنا عن ليلة النصف من شعبان إلا ليلتان. هذه الليلة التي قال فيها النبي الله عليه وسلم: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". فقرن صلى الله عليه وسلم بين الشرك بالله والشحناء والعياذ بالله. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا إذا كانت ليلة النصف من شعبان، اطلع الله عز وجل على خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه". إن كان المسلم يعلم من نص القرآن أن المشرك لا يُغْفَر له (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ).

فالذي يسترعي الانتباه في هذا الحديث هو أن الشحناء هي الأخرى تحول بين العبد وبين مغفرة الله عز وجل. وهذا أصل مقرر ثابت في السنة. في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تُعرَض الأعمال في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل لكل عبد أو لكل امرئ لا يشرك به شيئًا إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول أُرْقُوا هذين حتى يصطلحا". -أُرقُوا يعني أخروا-. وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أيضًا، قال صلى الله عليه وسلم: "تُفَتحُ أبواب الجنة في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل لكل عبد لا يشرك به شيئا الا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطلحا -ثلاث مرات-". الشحناء والبغضاء تحول بين العبد وبين مغفرة الله عز وجل.

وهذا أمرٌ جَللُ خطير، وضرر شديد. يقع للمسلم في دينه، فإن كان الشرك يهدم بنيان الإيمان ويأتي من قواعده فإن الشحناء هي الأخرى تفسد على المرء دينه والعياذ بالله. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وسوء ذات البيْن فإنها الحالقة". وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "دَبَ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء. والبغضاء هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر. ولكن تحلق الدين. والذي نفسي بيدك. لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا". فعدم الايمان يحول بين المرء وبين الجنة. وعدم التحاب يحول بين المرء وبين إكمال الايمان والعياذ بالله.

ولذلك لا يبالي الشيطان إن نجا العبد من الشرك أن يوقعه في الشحناء والبغضاء والعياذ بالله. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يأس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم". (التحريش: إلقاء العداوة والبغضاء وتغيير القلوب والتقاطع والتدابر والعياذ بالله).

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ). هذا نص كتاب لله عز وجل. ولذلك جاءت الشريعة بضد هذا -ضد عمل الشيطان-. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا. لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". فاذا بلغ بالمسلمين الهجر على ألا يسلم بعضهم على بعض فهذا من محرمات الاسلام عياذًا بالله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرئ مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث.فإذا مرت ثلاث فليلقه وليسلم عليه فإن رد عليه اشتركا في الأجر. وإن لم يرد عليه -أي سلامه- باء هذا بالإثم وبرئ المُسَلِمُ من الهجر".

رفع الإسلام من شأن هذه العداوة حتى قال رسول صلى الله عليه وسلم: "هجر المؤمن سنة كسفك دمه". أن يبلغ التقاطع والتدابر بين مسلمين أن يتهاجرا سنة كاملة فهذا كالقتل والعياذ بالله. هجر المؤمن سنة كسفك دمه. ولذلك كما أمرنا القرآن بأداء حق الله وتقواه أمرنا بإصلاح ذات بيننا. فقال الله عزوجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فلا رحمة تنزل من السماء. يقدر المسلمين ويضيقون على أنفسهم من رحمة الله بتقاطعهم وتدابرهم والعياذ بالله. قال الله عزوجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) -تحاب وتواد وتعاون وتناصر وتآزر- (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ). فإن كنا نُرِيدُ رحمة الله فلنصل ما بيننا ولنصلح ذات بيننا فهذا هو السبيل. قال الله عز وجل: (۞ لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) انظر الى الأجر والفضل (أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان هذا الأجر العظيم: "ألا اخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة -أي النوافل- إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة" والعياذ بالله.

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب: "ألا أدلك على تجارة يحبها الله ورسوله؟" فقال: "بلى يا رسول الله". قال: "صِل بين الناس إذا تقاطعوا وقرب بينهم إذا تباعدوا".

هذا عمل ضد عمل الشيطان الذي يريد أن يلقي العداوة والبغضاء بين المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عُمِلَ شيٌء أفضل من الصلاة وإصلاح ذات البين وخلق جائز بين المسلمين". وقال صلى الله عليه وسلم: "على كل سلامة -أي مفصل- من الناس في كل يوم تطلع عليه الشمس صدقة. تعدل بين اثنين صدقة". فبدأ صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ بهذا (تعدل بين اثنين: أي تصلح بينهما). فجعل هذا أول الصدقات وأعلاها. وفي الحديث الآخر: "أفضل الصدقة إصلاح ذات البين".

فنسأل الله تعالى أن يصلح ذات بيننا.

وقد اعتنت الشريعة بهذا الجانب حتى أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين الناس. فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس بكاذب من أصلح بين الناس، فقال خيرًا أو نمى خيرًا". (نمى: عكس نم). هذا يبلغ الحديث على وجه الإصلاح وهذا النمام يبلغه على وجه الإفساد. فليس بكاذب من يكذب ليصلح بين اثنين متصارمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل الكذب إلا في احدى ثلاث: الرجل يُحَدِثُ امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب للإصلاح بين الناس".

الكذب في الحرب واضح هذا العدو الخارجي، أما عدو الداخل من شياطين الانس والجن، فمناقضتهم بإصلاح ذات البين في الأُسْرَة ثم إصلاح ذات البين جميعا. يكذب الرجل على امرأته لتدوم المودة والعشرة ويكذب للإصلاح بين الناس. فأصلحوا ذات بينكم يرحمكم الله. استقبلوا هذه الليلة بسلامة الصدور تبلغ بكم اعمالكم ما لا تظنون.

نسأل الله رب العرش الكريم أن يصلح ذات بيننا. اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. وأصلح ذات بينهم. وألف بين قلوبهم. وانصرهم على عدوك وعدوهم. ربنا اتنا في الدنيا حسنة. وفي الاخرة حسنة. وقنا عذاب النار. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


 


 


 


الكلمات الدلالية