الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (5) إثارة بواعث الشوق إلى رمضان

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (5) إثارة بواعث الشوق إلى رمضان
الخميس ٢٤ مارس ٢٠٢٢ - ٠٩:٤٥ ص
433

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (5) إثارة بواعث الشوق إلى رمضان

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- من علامات حسن الاستعداد لرمضان قبل قدومه استثارة النفس للشوق لرمضان، بتذكر فضائله الكريمة التي هي مِن أعظم الأسباب الباعثة على العمل والنشاط لنيل ما عند الله من حسن العاقبة.

- فالشوق إلى ما عند الله وانتظار حسن العاقبة، هو وقود التلذذ بالعبادة؛ وإلا كانت باردة سرعان ما تنقطع: قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(1) (آل عمران:133).

مِن بواعث الشوق إلى رمضان:

(1) أنه تفتح فيه أبواب الجنة:

- الجنة لا تفتح إلا يوم القيامة، عندما يقدم أهلها إلى أبوابها: قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 73).

- ولكن ... لعظيم فضل شهر رمضان، يفتح الله أبوابها ترغيبًا للمريدين، من أنها قريبة منهم في هذا الشهر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ) (متفق عليه).

- الجنة عباد الله، دار الراحة والسعادة بعد الشقاء والبلاء في الدنيا: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 33- 35).

- الجنة التي لأجلها اشتاق الصالحون، وسعى السالكون، وعمل العاملون، وضحى المجاهدون: هذا عمرو بن الجموح -سيد بنى سلمة رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في أصحابه قبل معركة أُحُد، فيقول: "قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ" (رواه مسلم)، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه في الجنة، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من شوقه إلى سلعة الله، فقام رضي الله عنه فرحًا مسرورًا وهو يقول: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي" (سيرة ابن هشام).

وها هو أنس بن النضر رضي الله عنه بلغ من شوقه إلى الجنة، أن شم ريحها يوم أحد، فلم يصبر عنها، فطلب الشهادة وألح في طلبها، حتى قال مواسيًا سعد بن معاذ: "يا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِن دُونِ أُحُدٍ" (متفق عليه).

- وها هو سعد بن خثيمة، يتوقف بره وطاعته لأبيه عندما يتعلق طلب الوالد منه أن يؤثره بالشهادة، وذلك بعد ما اقترعا على أن يخرج أحدهما للجهاد، ويبقى الآخر على الأهل والعيال، فيقول: " يا أبت، لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا" (رواه الحاكم).

هذه الجنة ستفتح للراغبين في رمضان، فأين المشتاقون؟!

هذه الجنة سلعة الله ستعرض للمشترين في رمضان؛ فأين المشترون؟!

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن خافَ أدلَجَ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

يَا سِلْعَة الرَّحْمَن لَسْتِ رَخِيـصة         بَلْ أَنْـتِ غَـالِيـة عَـلَى الكَسـْلَانِ

يَا سِلْعَة الرَّحـمنِ ليـسَ يَـنَـالهـا         في الأَلـفِ إِلَّا وَاحــد لا اثّــنَـانِ

يَا سِلْعَة الرَّحْمَنِ مَـاذَا كُـفْـؤهـا          إِلَّا أُولُـوا التَّقْوَى مَعَ الإِيـمـَانِ

يَا سِـلْعَـة الرَّحْمَن سُوقُكِ كَـاسِد         بَـيـنَ الأَرَاذِل سـفـلة الـحيـوانِ

يا سِلْعَة الرَّحْمَن أينَ المُشتري          فَـلَقـدْ عُرِضْتِ بِأَيـسرِ الأَثْـمَانِ

يَا سِلْعَة الرَّحْمِن هَلْ مِن خَاطِبٍ         فَـالَمْهَر قَبـل المَـوت ذُو إمْكانِ

يَا سِلْعـَـة الرَّحْمِن كيـفَ تَـصَبّرَ          الخُطَّاب عَنْكِ وَهُم ذَووا إِيْمَانِ

(2) أنه تغلق فيه أبواب النار:

- النار مفتوحة تسجر كل يوم انتظارا للعصاة، وتظل مفتوحة ليجد أهلها أثرها وهم مقبلون عليها: قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 71).

- ومن نعم الله في شهر رمضان: أنه يغلق النار ترغيبًا للتائبين والمنيبين؛ إشارة أنها بعيدة عنهم في هذا الشهر، فليجتهدوا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ) (متفق عليه).

- النار -والعياذ بالله- دار الشقاء والعذاب، ومحل الأشقياء والتعساء الذين اغتروا بالدنيا: قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) (هود: 106- 107)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ) (رواه مسلم).

- النار -والعياذ بالله- منها يفر بالعمل الصالح الصالحون، ويجتهد للنجاة منها المجتهدون: قال تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185)، وقال تعالى عن عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ‌سُجَّدًا ‌وَقِيَامًا . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (الفرقان: 64-65).

فَـيَا عَـجـَـبًا نـَدْرِي بِـنَـارٍ وَجَـــنّـَةٍ       وَلَيْسَ لِذِي نَشْتَاقُ أَوْ تِلْكَ نَحْذَرُ

إِذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وَشَوْقٌ وَلا حَيَا        فَمَاذَا بَقِي فِينَا مِنَ الْخَـيْرِ يُـذْكـَرُ

(3) أنه تحبس فيه مردة الشياطين:

- الشياطين بقيادة إبليس قد نصبت العداء معنا من أول لحظة لوجودنا: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَ?ذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى? يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 62)، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص: 82).

- هذا الكيد والمكر يضعف جدًّا في رمضان، بفعل حبس المردة الكبار، لتسهل علينا الطاعة، وتقل منا المعصية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَتُغَلُّ ‌فِيهِ ‌مَرَدَةُ ‌الشَّيَاطِينِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

- هذه فرصة عظيمة فعلى العاقل الناصح أن يغتنمها، ويجتهد ويشتد في زمان حبس قادة الشيطان، أن يهزم شياطين بني الإنسان(2): قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء: 27)، وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28).

خاتمة:

- هذه البواعث المتقدمة كلها تأخذ كل عاقل ناصح إلى التأهب والتأهل لشهر رمضان، فهي فرصة قد لا يدركها الإنسان مرة أخرى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح").

فاللهم بلغنا رمضان، واكتبنا فيه من عتقائك من النار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهناك فضائل كثيرة لهذا الشهر الفضيل، تبعث على إثارة الشوق في قلوب الصالحين لإدراك شهر رمضان، نقف على ثلاثة منها هي أبرز البواعث وأعظمها، وهي الغاية من سائر البواعث الأخرى (كونه شهر ليلة القدر، وشهر المغفرة، ومضاعفة الأجور، وغير ذلك).

(2) ومن أشر شياطين الإنس في رمضان: القائمون على الإعلام الفاسد، وأرباب الملاهي والسهرات، وأصحاب السوء، وأماكن اللهو والغفلة، كملاعب الكرة، والمقاهي، والنوادي، ونحو ذلك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية