الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الملة الإبراهيمية (4) أكمل مَن قام بملة إبراهيم عليه السلام

الملة الإبراهيمية (4) أكمل مَن قام بملة إبراهيم عليه السلام
الاثنين ٢٨ مارس ٢٠٢٢ - ١٠:٣٥ ص
124

الملة الإبراهيمية (4) أكمل مَن قام بملة إبراهيم عليه السلام

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يـلـزم مِـن كون نبينا صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قام بها قيامًا عظيمًا، وأكملت له إكمالًا تامًّا لم يسبقه أحدٌ إلى هذا الكمال؛ ولهذا كان خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق كلهم، حتى إبراهيم عليه السلام.

وقد روى ابن مردويه عن ابن أبزى، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصبحنا على ملة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ، وملة أبينا إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين"، وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الحنيفية السمحة"، وروى أحمد عن عائشة، قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه، لأنظر إلى زفن الحبشة، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة".

وأمر الله سبحانه أتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين به؛ أن يتبعوا ملة إبراهيم عليه السلام، فقال عز وجل: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم قال تعالى: (قل صدق الله) أي: قل يا محمد: صدق فيما أخبر به، وفيما شرعه في القرآن، "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين" أي: اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأتِ نبيٌّ بأكمل منها، ولا أبين، ولا أوضح ولا أتم".

وقال الله سبحانه: "وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين"، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "رَوَى محمد بن إسحاق عن ابن عباس، قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا مـا نحـن عليـه، فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك؛ فأنزل الله عـز وجـل: "وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا".

وقوله: "بل ملة إبراهيم حنيفًا" أي: لا نريـد مـا دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية، بل نتبع "ملة إبراهيم حنيفا" أي: مستقيما، وقال مجاهد: مخلصًا. و"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرِّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون"؛ أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم مفصلًا، وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملًا، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم، بـل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم: "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًّا".

وروى البخاري عـن أبـي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: "آمنا بالله وما أنزل إلينا" الآية. وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس، قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" الآية، والأخرى بـ "آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"، وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل.

"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم . صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون": يقول تعالى: "فإن آمنوا" يعني: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به أيهـا المؤمنون، مـن الإيمان بجميع كتب الله ورسله، ولم يفرقوا بين أحد منهم، "فقد اهتدوا" أي: فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه، "وإن تولوا" أي: عـن الـحـق إلى الباطل، بعد قيام الحجة عليهم "فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله" أي: فسينصرك عليهـم ويظفرك بهم، "وهو السميع العليم.

وقوله: "صبغة الله": قال ابـن عبـاس: دين الله، وانتصاب "صبغة الله": إما الإغراء كقوله: "فطرتَ الله" أي: الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدلًا من قوله: "ملة إبراهيم"، وقال سيبويه: هـو مصدر مؤكد انتصب عن قوله: "آمنا بالله" كقوله: "وعد الله". 

وقال عز وجل: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين" الآية، فقوله تعالى: "ملة أبيكم إبراهيم" فيه حـث وإغراء للمؤمنين على ما جاءهم به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وأثنى الله سبحانه ثنـاءً عامًّا على كلِّ مَن اتبع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال: "ومن أحسن دينا ممَّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا" الآية.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم قال تعالى: "ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله" أي: أخلص العمل لربه عز وجل، فعمل إيمانًا واحتسابًا، أي: اتبع في عمله ما شرعه الله له، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما، أي: يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله. والصواب: أن يكون متابعًا للشريعة؛ فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسـد. 

فمَن فقد الإخلاص كان منافقًا، وهم الذين يراؤون الناس، ومَن فقد المتابعة كان ضالًّا جاهلًا، ومتى جمعهما فهو عمـل المؤمنين "الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون"؛ ولهذا قـال تعالى: "واتبع ملة إبراهيم حنيفًا"، وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة، كمـا قـال تعالى: "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه"، وقـال تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"، والحنيف: هـو المائل عن الشرك قصدًا -أي: تاركًا له عن بصيرة-، ومقبـلٌ على الحق بكليته، لا يصده عنه صادٌّ، ولا يرده عنه رادٌّ.

وللحديث بقية بإذن الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية