الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (61) حقيقة دين إبراهيم عليه السلام وعلاقته باليهودية والنصرانية (6)

الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (61) حقيقة دين إبراهيم عليه السلام وعلاقته باليهودية والنصرانية (6)
الثلاثاء ٢٩ مارس ٢٠٢٢ - ١٦:١٦ م
154

الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (61) حقيقة دين إبراهيم عليه السلام وعلاقته باليهودية والنصرانية (6)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله عز وجل: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ‌لِمَ ‌تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 65-68).

الفائدة السابعة:

دَلَّ قوله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) على أن الولايةَ الحقيقية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم، والانتسابَ إليه إنما هو في هذه الأمة الإسلامية؛ لأنها التي ورثت متابعة الأنبياء جميعًا، فهي وارثة ولاية مَن اتبعوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على التوحيد مِن الأنبياء والأولياء عَبْر العصور، وورثت اتِّباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلم يعد هناك ولاية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الأمة الإسلامية.

وأفعل التفضيل في الآية ليس على بابه؛ فهو بمعنى أن ولاية إبراهيم محصورة في الذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، وأما ولاية النَّسب بين بني إسرائيل وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم بحكم الولادة مِن نَسْلِه -إن ثبت نسلُهم إليه-؛ فهي مقطوعة بظلمهم وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وتكذيبهم لرسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم، ومحاولتهم قتله وصلبه، ثم تكذيبهم لرسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؛ قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ ‌لَا ‌يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124)، والكفر والشرك أعظم الظلم.

وقال عز وجل: (‌وَلَقَدْ ‌أَرْسَلْنَا ‌نُوحًا ‌وَإِبْرَاهِيمَ ‌وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد: 26)؛ ولذا لم تبقَ لليهود ولا للنصارى نسبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض قراباته المشركين: (إِنَّ آلَ أَبِي ‌فُلَانٍ لَيْسُوا ‌بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (رواه البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه).

بل هذه الأمة هي التي ورتت ولاية موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وسائر الأنبياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء لما سألَ اليهودَ في المدينة عن صيامه، فقالوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلهِ، فَقَالَ: (أَنَا ‌أَوْلَى ‌بِمُوسَى مِنْهُمْ)، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (متفق عليه).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: (أَنَا ‌أَوْلَى ‌النَّاسِ ‌بِعِيسَى، الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ) (متفق عليه)، فالمسلمون هم أتباع موسى، وهم أتباع عيسى على الحقيقة، كما قال عز وجل لعيسى عليه السلام: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ‌وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (آل عمران: 55).

فالذين اتَّبعوا المسيحَ صلى الله عليه وسلم هم أهل الإسلام، هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذا فَرِح أهلُ الكتاب بما أُنزِل إلى الرسول من الكتاب، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) (الرعد:36)؛ وذلك لأن وعدَ الله بظهور المؤمنين الحقيقيين بعيسى صلى الله عليه وسلم تحقق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُونُوا ‌أَنْصَارَ ‌اللَّهِ ‌كَمَا ‌قَالَ ‌عِيسَى ‌ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:14).

وإنما حصل ظهورُ أتباع المسيح صلى الله عليه وسلم الحق بظهور دينهم؛ التوحيد دون الشرك بالتثليث، ودون تكذيب عيسى صلى الله عليه وسلم، واتهام أمه بالبهتان العظيم!

فأصبحوا ظاهرين ببعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وظهور المؤمنين، وظهور الدين الحقيقي لعيسى صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كله إذا نزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان فإنه ينزل في هذه الأمة قائدًا لها، مصليًا صلاتها، مستقبلًا قبلتها، حاكمًا بشريعتها، متَّبِعًا لنبيها صلى الله عليه وسلم؛ أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَيْفَ ‌أَنْتُمْ ‌إِذَا ‌نَزَلَ ‌ابْنُ ‌مَرْيَمَ ‌فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ)، وفي رواية لمسلمٍ: (‌فَأَمَّكُمْ ‌مِنْكُمْ).

وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْد ‌المنارة ‌الْبَيْضَاء ‌شرقيّ ‌دمشق) (رواه مسلم)، وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: ‌لَا، ‌إِنَّ ‌بَعْضَكُمْ ‌عَلَى ‌بَعْضٍ ‌أُمَرَاءُ، ‌تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ)؛ ولذلك ثَبَتَ أن منا مَن يصلي عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم خلفه ثم يقود الأمة بعد ذلك ويصير إمامهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ‌وَيَضَعَ ‌الْجِزْيَةَ) (متفق عليه)، وفي رواية: (‌وَتَكُونُ ‌الْمِلَّةُ ‌وَاحِدَةً) (أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20843)، وقال الألباني: "إسناده مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين").

وبهذا -وغيره- يُعرَف أن ما يحاوله اليهودُ -أعداءُ الله- مِن خِدَاع العَالَم بتسمية اتفاقيات التطبيع باتفاقيات إبراهيم، والمسار الذي يريدونه المسمَّى بـ"مسار إبراهيم!" لن يحدث -بإذن الله-.

- وهم يريدون ويخططون؛ لتعميق التطبيع الاقتصادي -بل الاختراق الإسرائيلي لاقتصاد الدول العربية والتغلغل فيها-.

- والتطبيع الاجتماعي: بقبول المسلمين لوجود اليهود في وسط بلادهم ومجتمعاتهم محبين لهم، متعاطفين معهم، قابلين لدعاواهم بأنهم مظلومون مضطهدون! وهم الظالمون المضطهدون لأهل الإسلام.

- والتطبيع الإعلامي: بالظهور المشترك المتسارع لإعلاميين هنا وهناك.

- والتطبيع العلمي: بين الجامعات والأبحاث، والمنح المشتركة.

- والتطبيع الصحي: بعقد اتفاقات التعاون الصحي، والاطلاع على الخطط الصحية، وغيرها.

- والتطبيع الرياضي: بلعب الفِرَق الرياضية المشتركة بعد أن ظلَّ العربُ -بل والمسلمون- يأبون اللعب مع الفِرَق اليهودية، والرياضيين اليهود الإسرائيليين.

- والتطبيع في مسارات الطيران المباشر المنتظِم.

- والتطبيع السياحي: بوفود السياحة العربية والمسلمة إلى أرض فلسطين المحتلة؛ حتى ينسى وجود الاحتلال.

- والتطبيع المصرفي: بفتح فروع البنوك هنا وهناك.

وغير ذلك مما ينتهي كما يخططون -ولن يكون بإذن الله- إلى تدويل دول المسار، أي: تحويل دول المنطقة إلى دولةٍ واحدةٍ كونفدرالية، أو غيرها حسب الظروف، باسم: "الولايات المتحدة الإبراهيمية!".

ثم بعد ذلك تغيير دين الشعوب "خاصة المسلمين" إلى الدِّين الجديد المسمَّى: بـ"الدين الإبراهيمي الجديد"؛ القائم على مساواة الأديان وعقد صلوات وعبادات مشتركة، كما أدَّى "البابا" صلاة مشتركة في العراق تمهيدًا لهذا!

وبناء معابد مشتركة يجتمع فيها اليهود والمسلمون والنصارى، وكما يحاول اليهود فعله في المسجد الأقصى بتقسيم الوقت، وكذا في المسجد الإبراهيمي، وهذا مؤقتًا إلى أن يتمكنوا مِن أخذه بالكلية وطرد المسلمين في الحقيقة.  

وكذلك عدم استقلالية الأماكن المقدسة؛ فهكذا يزعم أصحاب الدين الجديد، ويزعمون اعتماد التصوف العالمي القائل بوحدة الوجود، ووحدة الأديان، فكرًا يوحِّد بين الأديان المتحاربة مع اعتماد الرقص آلية لحلِّ النزاعات الدينية! كما كان يفعله أتباع جلال الدين الرومي المسمَّون بالمولوية؛ نسبة إلى مولاهم "جلال الدين الرومي"، والذي كان يحضر درسه ورقصه اليهود معهم التلمود، والنصارى معهم الإنجيل، والمسلمون معهم القرآن، ثم يتركون ذلك كله ويبدأون في الرقص الدوار، وحضر جنازته اليهود والنصارى والمسلمون؛ كل ينتسِب إليه! ونبرأ إلى الله من ذلك.

فكل ما يحاوله اليهود مِن ذلك هو مناقضة لأصل دين الإسلام، ومآله إلى الاضمحلال والذهاب، قال الله تعالى: (‌وَقُلْ ‌جَاءَ ‌الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81)، وقال تعالى: (فَأَمَّا ‌الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17).

وما على المسلمين إلا أن يتمسكوا بدينهم، ويظهروا بطلان هذه الدعاوى اليهودية الصهيونية المدعومة مِن النصارى الصهيونيين في الغرب؛ الذين يظنون أن نزول المسيح لن يكون إلا بعد مُلكِ إسرائيل.

ولن يتم ذلك إلا ببيان نصوص القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وأن نعلِّم أجيالنا المتتابعة هذه النصوص ومعانيها، وكذا الحفاظ على هوية دولهم الإسلامية العربية، ومنع إضعافها أو أن تقسَّم، أو إحداث الفوضى فيها باسم: "الثورات"؛ فإنها خُطُوات على طريق الخراب.

والله المستعان وعليه التكلان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة