الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (6) المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (6) المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان
الأربعاء ٣٠ مارس ٢٠٢٢ - ٠٩:٤٢ ص
190

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (6) المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض مِن الموعظة:

إثارة الهمم للمنافسة بالأعمال الصالحة للفوز بالأجر العظيم في رمضان.

المقدمة: رمضان أعظم موسم للمنافسة:

- رمضان موسم طاعة يبعث على المنافسة، والفائزون فيه يسيرون على طريق الفوز بالجائزة الكبرى: قال تعالى: (‌إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌وَعَمِلُوا ‌الصَّالِحَاتِ ‌لَهُمْ ‌جَنَّاتٌ ‌تَجْرِي ‌مِنْ ‌تَحْتِهَا ‌الْأَنْهَارُ ‌ذَلِكَ ‌الْفَوْزُ ‌الْكَبِيرُ) (البروج: 11)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ أطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِالليْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني)، وهذه أعظم أوصاف الصائم.

الإشارة إلى تسلسل الكلام عن الأعمال التي تضمن الفوز برمضان، والتي هي كالمنازل والمعالم المنيرة على الطريق، والتي من أعظمها: (التوبة - حفظ الجوارح - الإقبال على القرآن - الإقبال على التراويح والقيام - الإقبال على الصدقة).

المنزلة الأولى: التوبة:

- التوبة مدخل العمل الصالح، ومنزل الصالحين، ومنتهى أمرهم قبل لقاء رب العالمين: قال ابن القيم في المدارج: "والتوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها ... فالعبد لا يفارقها ولا ينفك عنها" (‌وَمَنْ ‌لَمْ ‌يَتُبْ ‌فَأُولَئِكَ ‌هُمُ ‌الظَّالِمُونَ) (الحجرات: 11).

- فإذا كانت لازمة في كلِّ الأوقات؛ فكيف بأعظم الأوقات، وأفضل المواسم؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ ‌رَمَضَانُ ثُمَّ ‌انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وكلنا أصحاب ذنوب وإن تفاوتت(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

والعاقل هو مَن خاف عاقبة ذنبه فسارع بالتوبة وملازمتها: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا على مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ" (رواه الترمذي).

ولقد رغَّب الغفور الغفار، العفو الرحيم عباده في التوبة، والمسارعة إليها والتزامها مهما عظمت وكثرت الذنوب، وفتح لهم أبوابها في كلِّ الأوقات والساعات: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82)، وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

بل لا يبعد في كرم الله -تعالى- إذا صحت توبة العبد وصدقت، أن يضع مكان كل سيئة حسنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا" فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) (رواه مسلم).

وفي حديث أَبِي طَوِيلٍ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: (فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟) قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: (نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ)، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. (رواه البزار، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني).

فأقبِل على التوبة، واغتنم فرصة رمضان، وقد تهيأت كل أسباب الطاعة المعينة على التوبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ ‌رَمَضَانُ ثُمَّ ‌انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ).  

المنزلة الثانية: حفظ الجوارح؛ لا سيما اللسان:

ليس الصيام في رمضان عن الأكل والشرب، ثم إطلاق الجوارح ترتع هنا وهناك، وإنما هو للتربية والتهذيب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُوْرِ والعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للّه حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

لا بد مِن صيانة الجوارح، وتعويدها على الاستقامة قبْل الشروع في الصيام: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36).

اللسان أخطر الجوارح، وإن كان أصغرها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). (تُكَفِّرُ اللِّسَانَ): تذل له وتخضع.

أقوال اللسان تحدد مصير الإنسان: قال الله -تعالى-: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

كلمة واحدة مِن اللسان قد تضيع الإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) (رواه البخاري)، وفي رواية: (يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

خوف السلف مِن خطر اللسان:

قال ابن بريدة -رحمه الله-: "رأيتُ ابن عباس آخذ بلسانه وهو يقول: ويحك! قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم"، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يحلف ويقول: "والله الذي لا إله إلا هو، ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن مِن لسان".

وأخذ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بطرف لسانه، وقال: "هذا الذي أوردني الموارد!"، وقال طاووس -رحمه الله-: "لساني سبُعٌ إن أرسلته أكلني!"، والعامة يقولون: "لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن هنته هانك ".

خاتمة: رمضان فرصة لعلاج اللسان:

الذكر والصيام خير علاج: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -عز وجل-) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) احذر حسن الظن بنفسك لمجرد عدم ارتكابك الذنوب الظاهرة، مثل: (الزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، وسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والتدخين، والتبرج، ونحوه)؛ فهناك ذنوب باطنة أصيبت بها قلوبنا لا تقل سوءًا وخطرًا عن الذنوب الظاهرة، مثل: (الحسد، الحقد، الكبر، الغرور، حب الرياسة، الحرص، حب الشهرة والصدارة، وغيرها) نحتاج إلى التوبة منها مع دخول رمضان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية