الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (8) مشاهد إيمانية من غزوة بدر

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (8) مشاهد إيمانية من غزوة بدر
الأربعاء ١٣ أبريل ٢٠٢٢ - ١١:١٣ ص
155

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (8) مشاهد إيمانية من غزوة بدر

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الإشارة إلى مناسبة ذكر الموضوع، وهو ذكرى غزوة بدر (صبيحة سبع عشرة من رمضان) مع أول فرض الصيام.

- الإشارة إلى سبب الغزوة، وندب النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للخروج: ذكر ابن إسحاق في السيرة بسندٍ صحيحٍ: "لما سَمِع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان مقبلًا من الشام، ندب المسلمين إليهم، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها، فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أن لم يظنوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقى حربًا".

- الإشارة إلى أنها أعظم معارك الإسلام على مرِّ التاريخ؛ لأنها غيَّرت وجه الأرض؛ حيث أحدثت آثارًا عظيمة في جزيرة العرب لصالح المسلمين(1).

(1) مشهد في عظيم تحمل المسئولية من الصحابة -رضي الله عنهم-:

قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وأتاه -يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم- الخبرُ عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امضِ لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: 24)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون؛ فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا ودعا له بخير، ثم قال: "أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ"، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس.

فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممَّن دهمه بالمدينة مِن عدوه، فلما قال ذلك؛ قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فصل حبل مَن شئت، وخذ مِن أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت، وما أمرتَ به من أمر، فأمرنا تبع لأمرك، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ مَصَارِعَ الْقَوْمِ" (سيرة ابن هشام)(2).

(2) مشهد إكرام الله -تعالى- لأوليائه (التأمين بالنعاس - إنزال المطر):

قال الله -تعالى-: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال: 11).

- أما النعاس: قال علي -رضي الله عنه-: "مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ مِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلا نَائِمٌ، إِلا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَائِمًا إلى شَجَرَةٍ، يُصَلِّي وَيَدْعُو حَتَّى الصُّبْحَ" (أخرجه ابن أبي يعلى)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "النعاس في القتال أمنةٌ من الله -عز وجل-، وفي الصلاة من الشيطان" (تفسير الطبري).

- وأما إنزال المطر ففيه أربع كرامات:

- (لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ): أن يجدوا ماءً يتطهرون به لصلاتهم، ورفع الجنابة ممَّن أصبح منهم جنبًا.

- (وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ): إزالة وساوس الشيطان عنهم لإثارته القلق في نفوسهم بالإقدام على الصلاة بلا طهارة.

- (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ): تسكين قلوبهم وطمأنتها بأن الله معهم بجوده وإنعامه، وهي إشارة إلى نصره لهم عند اللقاء.

- (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ): تثبيت الرمال التي كانت بينهم وبين بدر؛ للوصول إلى المكان المناسب.

- هذه سنة الله -عز وجل- مع أوليائه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات: 171- 173)، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

(3) مشهد في إرجاع الفضل إلى الله وحده:

قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "ثم ارتحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومَن معه مِن المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة الأنصاري: ما الذي تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن المعقلة، فنحرناها، فتبسَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أي ابن أخي، أولئك الملأ"(3).

- التهوين مِن شأن الأعداء بعد الانتصار عليهم تعبير عن الغفلة عن تذكر نعمة الله -تعالى- ويبعث على الغرور والعجب: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26)، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال: 17)، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران: 123)، (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126)، (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وأثَر ذلك ظَهَر داخليًّا وخارجيًّا؛ فأما الداخل: فكانت سببًا في دخول المنافقين في الإسلام ظاهرًا، وانكماش اليهود وتهيبهم المسلمين، وفي الخارج جعلت قريش والقبائل تعمل حسابًا للمسلمين.

(2) إنها كلمات معدودة، لكنها في المقاييس المعنوية للحروب دفعات قوية من الإيمان، نبَّهت الغافل، ودفعت المتردد إلى الإقدام، وأيقظت المشاعر نحو طلب الآخرة بنصرة الدِّين وبذل الثمن، وهو النفوس: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة: 111).

(3) يعني: أنهم الذين سادوا أقوامهم زمنًا طويلًا بالضلال والإضلال، فنعمة مِن الله أن أزال ملك هؤلاء، وخلَّص الناس مِن شرِّهم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com