الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

البناء الفكري من قصص الكتاب والسُنَّة (2) بناء الكعبة

البناء الفكري من قصص الكتاب والسُنَّة (2) بناء الكعبة
الجمعة ١٥ أبريل ٢٠٢٢ - ٠١:٣٢ ص
80

البناء الفكري من قصص الكتاب والسُنَّة (2) بناء الكعبة

كتبه/ محمد سعيد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد بوَّب البخاريُّ بابًا بعنوان: "بَابُ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاخْتِيَارِ، مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ، فَيَقَعُوا فِي أَشَدِّ مِنْهُ"، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ (قَبلَ الإسلام) اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَفَلا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: "إنَّ قَومَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ؛ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ"، فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. (متفق عليه).

- اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ: أي: لم يُكمِلوا بناء الكعبة على الأُسُس التي وضعها إبراهيمُ.

- قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ: أي: لم تَكفِ الأموال لاستكمال بناء الكعبة.

الدروس المستفادة:

1-فكانت قُريشٌ تُعظِّمُ أمْرَ الكعبة جدًّا:

أ- فَخَافَ صلى الله عليه وسلم أن يَظنُّوا (بسبب قُربِ عهدهم بالإسلام) أنَّه غيَّر بناءَها لينفَرِدَ بالفخرِ عليهم في ذلك؛ فتقع الردَّة والفتنة.

ب- ولو هَدَمها عليه الصلاة والسلام لأحدث ذلك زعزعة في قلوبهم، وقد يتَّهِموه بعدم تعظيم البيت الحرام.

2- تَرْكُ المصلحةِ مِن أجل عدمِ الوقوعِ في المفسَدة الأعظم.

3- تَرْكُ إنكار المنكر خشيةَ الوقوعِ في مُنكرٍ أعظمَ منه.

4- يجبُ تقديم الأهمِّ فالأهمِّ مِن دفع المفسدةِ وجلبِ المصلحةِ.

من ذاكرة التاريخ:

بُنِيَ البيت الحرام أكثر مِن مرَّة؛ بناهُ إبراهيم، ثم قريشٌ في الجاهلية (وحضَرَ النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء)، ثم بناهُ عبد الله بن الزُّبير على قواعد إبراهيم، ثم أعاد بناءه الحجاج بن يوسف الثقفي إلى ما كان عليه قبل بناءِ ابن الزبير، وذلك بأمر الخليفة عبد الملك بن مروان، ولم يكن بَلَغَهُ حديث عائشة السابق؛ فلمَّا بَلَغَهُ قال: "ودِدنا أنَّا تركناه".

وقد هَمَّ المهديُّ -ابنُ أبي جعفر المنصور- أن يُعيدَها على ما بناها ابن الزبير، واستشار الإمام مالك في ذلك، فقال: "أكره أن يتخذها الملوك لعبة؛ فهذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأيًا آخر، فتذهب هَيبَة البيت مِن صدور الناس!" (البداية والنهاية).

فانظر كيف رَاعَى الإمامُ مالك نفس القاعدة المذكورة في حديث عائشة رضي الله عنها؛ فأفتى بأنَّ دَفعَ مَفسدة ذَهَاب هَيبَةِ الكعبةِ مِن قلوب الناس مُقدَّمٌ على مصلحة هدمِها وإعادتها على قواعد إبراهيم عليه السلام.

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة