الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (10) وقفات قبل رحيل رمضان

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (10) وقفات قبل رحيل رمضان
الأربعاء ٢٧ أبريل ٢٠٢٢ - ١٣:٥٦ م
217

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (10) وقفات قبل رحيل رمضان


كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

بالأمس القريب كنا نستقبل رمضان، وها هو يودعنا وقد أوشك على الرحيل، وهذه سمة الأوقات والأزمان الفاضلة السعيدة: قال تعالى: (‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌الصِّيَامُ ‌كَمَا ‌كُتِبَ ‌عَلَى ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة: 183-184).

 الإشارة إلى أهمية الاعتبار من رحيل رمضان من خلال بعض الوقفات.

الوقفة الأولى: كل شيء لا بد راحل:

 قصر زمان رمضان، فلم نلبث ننعم بأيامه حتى أعلن الرحيل، يذكرنا بقصر عمر الدنيا الذي ينغص علينا التنعم بها: قال تعالى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه: 131)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا فَقَالَ: (مَا هَذَا؟)، فَقُلْتُ: خُصٌّ لَنَا وَهَى نَحْنُ نُصْلِحُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أُرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

الدنيا محطة تزود لسفر الآخرة وعودتنا إلى أوطاننا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) (رواه البخاري)، وقال: (مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281)، "يحسن أن يستغل هذا المثال في التزهيد في الدنيا بضرب مثال واقعي لحال من يتخذ الدنيا وطنًا فيريد أن يبقى تحت الشجرة كل الوقت، بل ويبني تحت الشجرة ناسيًا أنه سيرحل بعد قليل".

الوقفة الثانية: وقفة محاسبة قبل الرحيل:

على الإنسان أن يحاسِب نفسه قبل رحيل رمضان، ومن باب أولى يحاسب نفسه قبل رحيله عن الدنيا: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وكان عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا".

خطر المحاسبة في الآخرة: قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30)، وقال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47)، وقال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف:49)، وقال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (الزلزلة:6).

مَن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسرته(1): عن أنس بن مالك قال: "رأيت عمر بن الخطاب مِن وراء حائط وهو يقول: "عمر أمير المؤمنين! بخ بخ، والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله!" (عمر وبعير الصدقة - عمر والخوف مِن تعثُّر سخلة في العراق - عمر بن عبد العزيز والمصباح والعطور).

الوقفة الثالثة: الأعمال بالخواتيم:

لا يزال في الشهر بقية، ومنها الليالي الوترية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ، مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

يا مَن فرَّط فيما مضى من الشهر، أحسن فيما بقي منه فالأعمال بالخواتيم: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَرَزْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ)، فَانْتَهَى إِلَيْنَا الرَّجُلُ، فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ "قَالَ: مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي وَعَشِيرَتِي. قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَدْ أَصَبْتَهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. قَالَ: قَدْ أَقْرَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِي شَبَكَةِ جُرْذَانٍ، فَهَوَى بِعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلُ، فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي اللهُ عَنْهُمَا فَأَقْعَدَاهُ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُبِضَ الرَّجُلُ! قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِي عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عز وجل: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ"، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمْ أَخَاكُمْ، قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاهُ إلى الْمَاءِ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ. وَفِيِ رِوايةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مِمَّنْ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا" (أخرجه الإمام أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير).

قصة الشاب الذي مات في المسجد، وكان من أهل الإدمان، وكانت هذه أول صلاة له، وهي آخر صلاة كذلك!

تذكير بزكاة الفطر:

التنبيه على إخراج زكاة الفطر، فهي التي تكون مع رحيل رمضان ليكمل الفضل: فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلاَةِ" (متفق عليه). وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى: 14-15): "هو زكاة الفطر".

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال علماؤنا: المحاسبة هي أن ينظر المسلم الي أعماله كنظر التاجر الناصح إلى تجارته؛ فينظر المسلم في فرائضه الواجبة عليه، كنظر التاجر إلى رأس ماله، وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال، وينظر إلى المعاصي والذنوب، كنظر التاجر إلى الخسارة في التجارة، وأنصحُ التجار: مَن راجع تجارته أولًا بأول، وكذلك ينبغي أن يحاسب المسلم نفسه على عمل كل يوم.

فإذا رأى نقصًا في الفرائض والواجبات، لامها ووبخها، وقام إلى جبره في الحال، فإن كان مما يُقضَى قضاه، وإن كان مما لا يقضى جبره بالإكثار من النوافل، وإن رأى نقصًا في النوافل، عوَّض الناقص وجبره، وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي، استغفر وندم وأناب وعمل مِن الخير ما يراه مصلحًا لما أفسد؛ هذا هو المراد من المحاسبة للنفس، وهي إحدى طرق إصلاحها، وتأديبها، وتزكيتها وتطهيرها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية