الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع قصة أصحاب الأخدود (1) (موعظة الأسبوع)

وقفات مع قصة أصحاب الأخدود (1) (موعظة الأسبوع)
الثلاثاء ١٠ مايو ٢٠٢٢ - ١٨:٠١ م
292

وقفات مع قصة أصحاب الأخدود (1) (موعظة الأسبوع)


كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة القصة:

تمهيد:

- في زمان يُقتل فيه المسلمون على الهوية الإسلامية، وتحرق فيه ديارهم؛ ما أحوجنا إلى الوقوف على قصة أصحاب الأخدود، قال الله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج:8).

- وردت القصة في القرآن في محل جواب القسم من الله تعالى، بعد ما أقسم ببعض مخلوقاته عظيمة الشأن، أنه سينتقم لعباده المؤمنين، من الطغاة الظالمين الذين فتنوهم في الدنيا في دينهم: قال تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ . قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ . وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ . وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ . إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ( (البروج:1-12).

- ذكر القصة إجمالًا من خلال تفسير الآيات: قال المفسرون: "موضوع الآيات: أنَّ فِئةً من المؤمنين في الأمم السابقة، ابتلوا بأعداء لهم طُغاة قساة شرِّيرين، أرادوهم على ترْك عقيدتهم والارتداد عن دِينهم، فأبوا وتمنَّعوا بعقيدتهم، فشقَّ الطغاة لهم شقًّا في الأرض، وأوقدوا فيه النار، وكبُّوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقًا، على مرأًى مِن الجموع التي حشدها المتسلِّطون؛ لتشهدَ مصرَع الفئة المؤمنة بهذه الطريقة البشِعة".

- إثارة نفوس السامعين إلى تتبع الأحداث في القصة من خلال تساؤلات على نحو: (مَن هم أصحاب الأخدود؟ ولماذا أضرموا هذه النيران العظيمة في هذا الأخدود؟ ولماذا كانوا قعودًا حوله ينظرون الى المعذبين فيه؟ وماذا فعل المعذبون؟ وما جريمتهم؟).

- الإشارة إلى أن التناول سيكون من خلال حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث تقطيع القصة إلى مشاهد، والوقوف على الفوائد والعِبَر في كل مشهد في أحاديث مسلسلة، ثم تلاوة الحديث وتوضيح غريب كلامه: عن صيب الرومي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كانَ مَلِكٌ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ، وَكانَ له سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قالَ لِلْمَلِكِ: إنِّي قدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكانَ في طَرِيقِهِ إذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فأعْجَبَهُ، فَكانَ إذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذلكَ إلى الرَّاهِبِ، فَقالَ: إذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وإذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إذْ أَتَى علَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقالَ: اليومَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فأخَذَ حَجَرًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إلَيْكَ مِن أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِه الدَّابَّةَ، حتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فأتَى الرَّاهِبَ فأخْبَرَهُ، فَقالَ له الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليومَ أَفْضَلُ مِنِّي، قدْ بَلَغَ مِن أَمْرِكَ ما أَرَى، وإنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكانَ الغُلَامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِن سَائِرِ الأدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كانَ قدْ عَمِيَ، فأتَاهُ بهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقالَ: ما هَاهُنَا لكَ أَجْمَعُ، إنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقالَ: إنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إنَّما يَشْفِي اللَّهُ، فإنْ أَنْتَ آمَنْتَ باللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ باللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فأتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إلَيْهِ كما كانَ يَجْلِسُ، فَقالَ له المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قالَ: رَبِّي، قالَ: وَلَكَ رَبٌّ غيرِي؟ قالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتَّى دَلَّ علَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بالغُلَامِ، فَقالَ له المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قدْ بَلَغَ مِن سِحْرِكَ ما تُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقالَ: إنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا، إنَّما يَشْفِي اللَّهُ، فأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتَّى دَلَّ علَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بالرَّاهِبِ، فقِيلَ له: ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى، فَدَعَا بالمِئْشَارِ، فَوَضَعَ المِئْشَارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بجَلِيسِ المَلِكِ فقِيلَ له: ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى فَوَضَعَ المِئْشَارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ به حتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلَامِ فقِيلَ له: ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به إلى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا به الجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ، وإلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا به فَصَعِدُوا به الجَبَلَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَرَجَفَ بهِمِ الجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به فَاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا به البَحْرَ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ وإلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا به، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقالَ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ به، قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي علَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: باسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ علَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقالَ النَّاسُ: آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقِيلَ له: أَرَأَيْتَ ما كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ، قدْ آمَنَ النَّاسُ، فأمَرَ بالأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقالَ: مَن لَمْ يَرْجِعْ عن دِينِهِ فأحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قيلَ له: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمعهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقالَ لَهَا الغُلَامُ: يا أُمَّهْ، اصْبِرِي فإنَّكِ علَى الحَقِّ) (رواه مسلم).

خاتمة:

- كان لهذه القصة أثر عظيم على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصبر والثبات أمام بطش قريش الذين إذا أذاقوهم من العذاب  ألوانًا، ونال بعضهم الشهادة في هذه المدة وهو مقبلون غير هيابين من العذاب: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كانَ أوَّلَ مَن أظهرَ إسلامَه سبعةٌ: رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وأبو بَكرٍ، وعمَّارٌ، وأمُّهُ سميَّةُ، وصُهيبٌ، وبلالٌ، والمقدادُ؛ فأمَّا رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فمنعَه اللَّهُ بعمِّهِ أبي طالبٍ، وأمَّا أبو بَكرٍ فمنعَه اللَّهُ بقومِه، وأمَّا سائرُهم فأخذَهمُ المشرِكونَ وألبسوهم أدْرَاعَ الحديدِ، وصَهروهم في الشَّمسِ، فما منهم من أحدٍ إلَّا وقد واتاهم علَى ما أرادوا إلَّا بلالًا، فإنَّهُ هانت عليهِ نفسُه في اللَّهِ، وَهانَ علَى قومِه، فأخذوهُ فأعطوهُ الولدانَ، فجعلوا يطوفونَ بِه في شِعابِ مَكةَ، وَهوَ يقولُ: أحدٌ أحدٌ" (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بآل ياسر وهم يعذبون، فيقول: (صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ) (رواه الحاكم، وقال الألباني: "حسن صحيح").

- التنبيه على أن المغزى الأعظم للقصة هو: أن الأصلَ أن يعيش المسلم في عبودية الله، وأن يموت على ذلك؛ سواء حصل التمكين لدين الله في الأرض أم لا، وليس كما يخطئ البعض بالرجوع عن التدين والانتكاس إذا لم يحصل التمكين بالملك والسلطان، فالقصة يظهر فيها ذلك واضحًا جليًّا.

- الإشارة إلى بدء الكلام عن الدروس والفوائد مِن المرة القادمة -إن شاء الله-.

اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة