الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي غزو الفاطميين لمصر وقطع الخطبة للعباسيين (4)

الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي غزو الفاطميين لمصر وقطع الخطبة للعباسيين (4)
الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠٢٢ - ١٥:٣١ م
68

الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر في العصر الأيوبي غزو الفاطميين لمصر وقطع الخطبة للعباسيين (4)


كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلم يقرر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله القيام بحملته العسكرية، إلا عندما توفي كافور الإخشيدي الوالي العباسي على مصر، فقد كان دُعاة المعز بمصر يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعز لدين الله الأرض كلها، وبيننا وبينكم الحجر الأسود -يعنون: كافورًا الإخشيدي-، فلما توفِّي كافور الإخشيد أقدم جماعة من الأُمراء الإخشيديين الذين لم يرضوا عن حال البلاد، إلى مراسلة الخليفة الفاطمي يستدعونه ليتسلم مصر.

وكان قد سبقهم إلى المغرب الكاتب الشهير يعقوب بن كلس؛ كان مِن يهود العراق ويعمل بالتجارة، ثم رحل إلى الشام ثم إلى مصر سنة (334هـ - 945م). حيث اتصل بكافور، ونال إعجابه واعتنق الإسلام، وعكف على دراسة الإسلام ثم هرب إلى المغرب.

وكان المصريون على استعداد لتقبل أي حاكم جديد يريح البلاد مما تتخبط فيه من مشاكل سياسية واقتصادية، فحمل ذلك أُولي الرأي في البلاد على الكتابة إلى المعز لدين الله؛ يطلبون منه القدوم إلى مصر لإنقاذها من الفوضى التي دَبَّت فيها منذ أن توفي كافور؛ ولذلك استجاب المعز لهذا الطلب.

وقد قال المعز لدين الله: "إني مشغول بكتب ترد عليَّ من المغرب والمشرق، أجيب عليها بخطي"، وقوله أيضًا: "والله لو خرج جوهر -يقصد جوهرًا الصقلي قائد جيشه- وحده لَفَتَح مصر، وقد استفاد المعز من تجارب الماضي، فحرص على تجنُّب ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبها آباؤه عندما حاولوا الاستيلاء على مصر؛ فاتَّبع أُسلوبًا مختلفًا، معتمدًا على دعاته فيها؛ الذين هيأوا له الأرضية الداخلية، كما كثَّف اتصالاته مع بعض أصحاب النفوذ فيها، الذين لم يُخْفوا مشاعر ولائهم للفاطميين.

فانطلقت الحملة من إفريقية يوم السبت منتصف ربيع الآخر (358هـ - 969م)؛ فتقدَّم جوهر ببطء باتجاه الإسكندرية، وسانده أُسطول بحري، ولم يصل إلى حدود الدولة الإخشيدية إلا بعد ثلاثة أشهر، وعندما انتشر خبر هذا الزحف في الفسطاط، اضطرب الوضع، واستعد أنصار الفاطميين لاستقبال ذلك القائد بنشر المعلومات التي وزَّعها عليهم الدعاة؛ ليقيموا الدليل على خضوع المصريين الذين يقاسون من الفوضى منذ عهدٍ بعيدٍ؛ ولمَّا لم يصادف جوهر الصقلي مقاومة تُذكَر؛ أمر جنده بعدم التعرض للسكَّان، واستطاع بحنكته أن يستقطب أهل الإسكندرية، ويؤلِّف قلوبهم بما أجزل لهم من المال؛  وهنا أدرك المسئولون في مصر، وعلى رأسهم: الوزير جعفر بن الفرات، أنه لا طاقة لهم بمقاومة الجيش الفاطمي الجرار؛ فجمع هذا الوزير وجوه القوم للتداول في الأمر، وكانت رُسل جوهر الصقلي ترد إليه سرًّا.

واتفق الجميع على تجنب اتخاذ أي موقف عدائي، والميل إلى التفاوض في شروط التسليم، وطلب الأمان لأرواح المصريين وأموالهم وأملاكهم، فشكَّلوا وفدًا من أجْلِ هذه الغاية، منهم: أبو جعفر مسلم الحسيني، وأبو إسماعيل الرسي، ومعهما القاضي: أبو طاهر، وجماعة من أهل مصر، وخرجوا من الفسطاط في (رجب358هـ - يوليو969م).

وشايعهم كل قائد، وكاتب، وعالم، وتاجر وشاهد؛ ما يدل على أن فكرة المقاومة من جانب المصريين كانت شبه معدومة، وكان معنى ذلك: أن جوهرًا الصقلي كاد يستولي على مصر من دون إراقة دماء.

 وجَرَت بين الطرفين مباحثات اتفقا خلالها على كتاب الأمان الذي كتبه جوهر الصقلي، وأعلنه للمصريين، وجاء فيه رسالة اطمئنان لأهالي مصر والشام المتمسكين بالمذهب السُّني أن أحدًا لن يرغمهم على التشيع.

كما تعهد بتحقيق العدل، ونشر السلام والطمأنينة بين الناس، وإعانة المظلومين مع الشفقة والإحسان، والتصدي لخطر القرامطة ودفعهم بعيدًا إلى الشام، ومنعهم من التعدي على الحجاج المسلمين، ومواجهة الروم الذين هاجموا شمالي الشام، واستولوا على كثيرٍ مِن مدنها، وتخليص أهل المشرق من الرعب الذي لحق بهم جرَّاء هذين العدوين.

كما تعهد بأن يقوم بإصلاح شامل في إدارة البلاد؛ بالضرب على أيدي العابثين مِن قُطَّاع الطرق، وضبط النقود بعدم غشها أو تزييفها.

وفي مقابل منح الأمان للمصريين: أن يدخل حاضرة البلاد مطمئنًا؛ فأخذ عليهم العهود والمواثيق أن يذيعوا نصوص الاتفاق بين الخاص والعام، وأن يضمنوا عبورَ جيشه من الجيزة إلى الفسطاط، وذلك بالخروج إليه، والسير في ركابه حتى يعبر الجسر وينزل الفسطاط.

ثم عَبَر جوهر الجسر المقام على النيل بين الجيزة والفسطاط، وعسكر شمالي القطائع، ووضع أساس مدينة القاهرة، ولما كان يوم الجمعة 20 شعبان (358هـ - 969م) صَلَّى جوهر الصقلي في جامع عمرو بن العاص صلاة الجمعة، وخطب بالمصلين هبة الله بن أحمد، وقطع الدعاء للعباسيين، وقرأ الدعاء للفاطميين، وبدأ العهد الفاطمي العبيدي في مصر. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com