الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (71) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (5)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (71) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (5)
الاثنين ٢٠ يونيو ٢٠٢٢ - ١٧:٢٣ م
229


الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (71) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (5)


كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء: 51-55).

الفائدة الخامسة:

دَلَّ قوله -تعالى-: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) على بُخْل اليهودِ الشديد، وحبِّهم الاستئثار بالمُلْك وبالمال، وهذه حقيقة يعلمها كلُّ مَن عامل اليهود.

ولقد استحوذوا على الكراهية الشديدة في كلِّ الشعوب التي عاشوا فيها؛ فقد صَاغ الأدباء الأوروبيون القُدَامى بخلَ اليهود وعداوتهم للناس في رواياتهم، كالرواية المشهورة: "تاجر البندقية"؛ التي ألَّفها "شكسبير" الإنجليزي.

وقد كانت الحويصلات التي عاشوا فيها؛ سببًا لانعزالهم المعنوي عن الناس، مع اهتمامهم البالغ بالمال، وأكلهم الربا أضعافًا مضاعفه، وأكلهم السحت، وهو: الحرام بأنواعه مِن الرشوة والغش، وبخس الناس أشياءهم؛ قال -تعالى-: (‌وَأَخْذِهِمُ ‌الرِّبَا ‌وَقَدْ ‌نُهُوا ‌عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء: 161)، وقال -تعالى-: (‌سَمَّاعُونَ ‌لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (المائدة: 42)، وقال -سبحانه وتعالى-: (‌وَمِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌مَنْ ‌إِنْ ‌تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 75).

وفي سبب نزول قوله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ ‌يَصُدُّونَ ‌عَنْكَ صُدُودًا) (النساء: 60-61): أن الخصومةَ التي وقعتْ بين أحد المنافقين وبين يهودي، فطلب المنافقُ التحاكمَ إلى كعب بن الأشرف؛ عَلِم أنه يأخذ الرشوة، وطلب خصمه اليهودي التحاكم إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ عَلِم أنه لا يأكل الرشوة. (ذكره ابن جرير وابن كثير).

ولذا نستفيد من هذه الآية الكريمة: أن اليهودَ إذا أخذوا شيئًا؛ فلن يعطوا منه نقيرًا؛ فضلًا عمَّا هو أكثر منه، والنقير هو: ‌النُّقْرَة التي تكون في ظهر النواة، يخرج منها نبات النخلة، فمَن يحلمون بأن يعطيهم اليهود شيئًا بالسلام؛ مما أخذه اليهود مِن: الأرض أو البلاد، أو المال؛ فهم واهمون، ومخطئون أشد الخطأ، بل في الحقيقة هم مشاركون لليهود في ظلمهم وعدوانهم على المسلمين، والمفاوضات مع اليهود لا تُثمِر شيئًا؛ إلا إذا خرجوا منها رابحين، ولن ينسحبوا مِن أرضٍ أخذوها؛ إلا أن تُنزع منهم نزعًا، فهل بعد بيان الله لنا عن حقيقتهم مِن بيان؟!

الفائدة السادسة:

دَلَّ قوله -تعالى-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) على شِدَّة حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عَبْر الزمان، وقد بيَّن اللهُ لنا في القرآن حرصهم، وحبهم لكفر المؤمنين وتركهم دين الإسلام؛ بسبب حسدهم لهم، فقال -تعالى-: (‌وَدَّ ‌كَثِيرٌ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌لَوْ ‌يَرُدُّونَكُمْ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌إِيمَانِكُمْ ‌كُفَّارًا ‌حَسَدًا ‌مِنْ ‌عِنْدِ ‌أَنْفُسِهِمْ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌مَا ‌تَبَيَّنَ ‌لَهُمُ ‌الْحَقُّ) (البقرة: 109)، وقال -سبحانه وتعالى-: (‌وَدَّتْ ‌طَائِفَةٌ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌لَوْ ‌يُضِلُّونَكُمْ ‌وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (آل عمران: 69).

فالحسد الذي قَتَل قلوبهم، وملأها عن آخرها على المسلمين؛ بسببه كانوا مِن وراء دعوات الانحراف عن الدِّين، ومحاولات إضلال المسلمين، وقد كان عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادَّعى الإسلام نفاقًا مِن وراء الثورة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، والتي انتهت بقتله، ثم كان مِن وراء خطة إشعال القِتَال ليلة الجمل، بعد أن اتفق الصحابة رضي الله عنهم: علي وطلحة والزبير، وعائشة رضي الله عنهم، على الصلح والتسكين.

قال ابن كثير رحمه الله: "قال: وأشرف القومُ (قلتُ: يعني الصحابة) على الصلح؛ كره ذلك مَن كرهه، ورضيه مَن رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي رضي الله عنهما تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبًا؛ فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأَنْ جَمَعَهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حَدَث هذا الحَدَث الذي جَرَى على الأمة؛ أقوام طلبوا الدنيا، وحسدوا مَن أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي مَنَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره. ثم قال: ألا إني مرتحل غدًا؛ فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحدٌ أعان على قتل عثمان بشيءٍ مِن أمور الناس.

فلما قال هذا اجتمع جماعة من رؤوسهم (قلتُ: يعني قتلة عثمان): كالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى، وعبد الله بن سَبَأ المعروف: بابن السوداء (قلتُ: وكان يهوديًّا فأسلم)، وسالم بن ثعلبة، وَعِلْبَاء بن الهيثم، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي. ولله الحمد.

فقالوا: ما هذا الرأي؟! وعلي واللهِ أعلمُ بكتابِ الله ممَّن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدًا يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم؛ فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم؟!

فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا (قلتُ: يعني أنهم يريدون قتلهم)، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا؛ فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليًّا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت.

فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا؛ فإنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة، وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم إنما يريدونكم.

فقال عِلْبَاء بن الهيثم: دعوهم، وارجعوا بنا حتى نتعلَّق ببعض البلاد، فنمتنع بها.

فقال ابن السوداء: بئس ما قلت، إذًا والله كان يتخطفكم الناس.

ثم قال ابن السوداء -قَبَّحه الله-: يا قوم، إن عِزَّكُمْ في خُلْطَة الناس؛ فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون، فمَن أنتم معه لا يجد بدًّا مِن أي يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومَن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون؛ فأبْصَروا الرأي وتَفَرَّقوا عليه" (البداية والنهاية، ط. دار هجر، 10 / ٤٥٠-٤٥٢).

ثم قال ابن كثير رحمه الله -بعد أن ذكر الصلح بين الصحابة رضي الله عنهم-: "وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن يُثِيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب مِن ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم.

وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلًا، وبيَّتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ مِن أصحاب علي؛ فبلغ الأمر عليًّا فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحدٌ منهم بما وَقَع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا، وقامت الحرب على سَاقٍ وقَدَمٍ، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب" (البداية والنهاية، ط. دار هجر، 10/ 455). وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأيضًا كان عبد الله بن سبأ هو أول مَن دعا إلى الغلو في علي رضي الله عنه؛ فادَّعى فيه الإلهية، وتَبِعه القومُ؛ فطلبه عليٌّ فهرب وأدرك أصحابه، فدعاهم إلى التوبة والرجوع إلى الإسلام؛ وإلا حَرَّقهم فأبوا حتى حرقهم علي رضي الله عنه، وخطَّأه ابن عباس في التحريق وصوَّبه في القتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌بَدَّلَ ‌دِينَهُ ‌فَاقْتُلُوهُ) (رواه البخاري).

ولا تزال بقايا الغلو في الرافضة في علي بن أبي طالب، حتى قال قائلهم: "علي جاعل الأرض مهادًا، وباني فوقكم سَبْعًا شدادًا، يدبرِّ الأفلاك!"، وكل ذلك من الكفر -والعياذ بالله-، واليهود هم أصل ذلك.

كما أن اليهودَ هم أصل قول فرقة الجهمية الحلولية القائلين: "إن الله في كلِّ مكان!"، وأنكروا علوَّ الله على عرشه، فالجهم بن صفوان الذي تُنسَب إليه هذه الفرقة الضالة؛ شيخه الجعد بن درهم.

قال ابن كثير رحمه الله: "كان الجعد بن درهم مِن أهل الشام، وهو مؤدِّب مروان الحمار؛ ولهذا يُقَال له: مروان الجعدي؛ فنُسِب إليه، وهو شيخ الجهم بن صفون الذي تُنسَب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون: إن الله في كل مكان بذاته؛ تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وكان الجعد بن درهم قد تلقى هذا المذهب الخبيث عن رجل يقال له أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي" (البداية والنهاية، ط. دار هجر، 13/ 199).

قلتُ: وهو الذي سَحَر النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله عز وجل.

ثم كان اليهود هم الذين خَرَج منهم أعظم الملاحدة ضررًا على البشرية، مثل: "كارل مركس"، ثم "لينين" الذي قَتَل من المسلمين في تكوين دولة الاتحاد السوفيتي نحو الـ 20 مليون مسلم، وكذا كان "فرويد" الذي هو أصل فلسفة الجنس، والانحرافات الجنسية الذي يُنسَب إليه عِلْم النَّفْس، ويبني أمره على الرغبات الجنسية المُحَرَّمة.

فاليهود هم شرُّ مِن أفسد في العَالَم بكونهم يحبون الاستئثار بالمُلْك، ويستبيحون إضلالَ الناس؛ بأنواع الكفر والزندقة عَبْر الزمان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة