السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع سورة الكهف (3)

وقفات مع سورة الكهف (3)
الخميس ٢٣ يونيو ٢٠٢٢ - ١٠:٠٧ ص
79

وقفات مع سورة الكهف (3)


كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

نواصل في الحديث عن وقفاتنا مع سورة الكهف حيث إن هذا الكتاب القَيِّم المنفي عنه كل عوج، إنما جاء بنذارة وبشارة؛ أما النذارة فجاءت أولاً: بإنذار الله عز وجل للناس من بأسه الشديد بقوله تعالى: "لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ"، والإنذار هو: الإعلام من الله تعالى مع الوعيد. وقيل البأس: هو العذاب كما قال: "فجاءها بأسنا" أي: عذابنا، وهنا يُراد به البأس في الآخرة، وبأس عذاب الدنيا، أما عذاب الآخرة فظاهر، وعذاب الدنيا بعضه بالقتل، وبعضه بالأسر، وهي من أفعال الناس، ولكن الله أمر بها؛ فهما مِن لدنه: أي مِن قِبَلِه.

وأما البشارة: فجاءت للمؤمنين بقوله تعالى: "وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا"، والتبشير هو: الإخبار بما يسر؛ فهو يبشِّر المؤمنين بما يسرهم بشرط عمل الصالحات، وهذا يدل على أنه لا بد مع الإيمان عمل الصالح، وبذلك ينالون الأجر الحسن؛ ليس هذا فحسب، بل يمكثون فيه أبدًا.

والمكث: الاستقرار في المكان، والمعني: أي: باقين فيه أبدًا إلى ما لا نهاية، فلا مرض ولا موت، ولا جوع ولا عطش، ولا حر ولا برد؛ كل شيء كامل من جميع الوجوه.

ثم تأتي النذارة الثانية: "وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا"، وهي لمَن ادعى لله الولد، وهم: المشركون، واليهود والنصارى؛ فالمشركون قالوا: "أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا"، واليهود: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ"، والنصارى: "وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ"؛ ولذلك نَفَى عنهم تعالى العِلْم بقولهم هذا، بل ونفى عنهم حجتهم باتباع الآباء؛ حتى لا يحتجون بذلك في قوله: "مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ"، فإذا لم يكن لآبائهم حجة على ما يقولون؛ فليسوا جديرين بأن يقلدوهم بهذه الكلمات الشنيعة، والتي وصفها المولى تعالى: "كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا" أي: عظمت في الشناعة والقبح.

وكيف لأفواههم أن تقول هذه الكلمة، وهم يعلمون أنهم يكذبون؟!

ولهذا جاء الأمر من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحزن عليهم، ولا يتأسف بقوله تعالى: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا"، أي: مهلك نفسك على أثر توليهم وإعراضهم.

وقوله: "عَلَى آثَارِهِمْ"، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتتبعهم بآثارهم أملًا أن يؤمنوا به؛ ولذلك قال تعالى: "بِهَذَا الْحَدِيثِ".

قال البقاعي رحمه الله: "لما صَوَّر بُعدهم، صوَّر ما دعاهم إليه، ويسر تناوله بقوله تعالى: "بهذا الحديث" أي: القَيِّم المتجدد تنزيله على حسب التدريج".

ونهاه تعالى عن الأسف الذي هو الحزن والغضب معًا. وقيل: الجزع. وقيل: الندم والتلهف والأسى.

والحزن هنا نوعان: نوع يحزن؛ لأنه لم يقبل، ونوع يحزن؛ لأن الحق لم يقبل، والثاني ممدوح؛ لأن الأول دعا لنفسه، والثاني دعا لله، وحُزن النبي صلى الله عليه وسلم كان من النوع الثاني، وقد نهى المولى تعالى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"، وقوله تعالى: "وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ"، وقوله تعالى: "فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".

والفائدة من هذه الآيات كما قال السعدي رحمه الله: "إن المأمور به هو التبليغ، والسعي بكل سبب يوصل للهداية، وسد طريق الضلال والغواية، مع التوكل على الله في ذلك؛ فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف".

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة