الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

فضائل الأيام العشر من ذي الحجة

فضائل الأيام العشر من ذي الحجة
الخميس ٣٠ يونيو ٢٠٢٢ - ١٦:٤٤ م
404

فضائل الأيام العشر من ذي الحجة


كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مِن فضائل هذه الأيام المباركة:

1- أن اللهَ تعالى أقْسَمَ بها في القرآن العظيم: والله عز وجل لا يُقْسِم إلا بعظيمٍ مِن المخلوقات أو الأوقات؛ قال الله تعالى: "وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّهَا عَشْرُ الْأَضْحَى، ‌لِإِجْمَاعِ ‌الْحُجَّةِ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌التَّأْوِيلِ ‌عَلَيْهِ" (تفسير الطبري).

2- أنها الأيام المعلومات التي ذكرها الله في كتابه منوِّهًا بفضلها ومنزلتها: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي ‌أَيَّامٍ ‌مَعْلُومَاتٍ"؛ فهي الأيام الفاضلة التي تُقَام فيها مناسك الحج وعباداته التي تضمَّنت التسليم والتعظيم لله سبحانه وتعالى.

قال ابن كثير رحمه الله: "وَعَنِ ابْنِ ‌عَبَّاسٍ: (الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ): أَيْامُ الْعَشْرِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ بِهِ" (تفسير ابن كثير).

3- أنها داخلة في أشهر الحج التي قال الله تعالى فيها: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ"؛ فقد اتَّفَق المُفَسِّرون والفقهاء على أن أشهر الحج: "شوال، وذو القعدة، والعشر الأول مِن ذي الحجة"، واختلفوا فيما زاد على ذلك.

4- أنها داخلة في الأشهر الحرم المتواليات، بل وقعت في أفضل شهرٍ منها، وهو: "شهر ذي الحجة".

5- أنها العشر المذكورة في قوله تعالى: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"، وفيها الليلة التي واعد الله موسى عليه السلام للقائه.

قال ابن كثير رحمه الله: "الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ: عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمَّلَ الْمِيقَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصَلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ" (تفسير ابن كثير).

6- أن فيها يوم الجمعة: وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ" (رواه مسلم).

7- أن فيها يوم التروية: وهو اليوم الثامن مِن ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج، مِن: الإهلال والتلبية، والإحرام، وبدء المناسك، وقد سُمِّي بهذا الاسم؛ لأن الناس كانوا يَتَرَوَّوْنَ فيه من الماء، أي: يحملونه معهم مِن مَكَّة إلى عرفاتٍ؛ ليستعملوه في الشُّرْب، وغيره.

8- أن فيها "يوم عَرَفَة": وهو يوم التاسع من ذي الحجة.

وما أدراك ما يوم عرفة؟!

- يوم عَرَفَة هو ركن الحج الأعظم: كما في الحديث الشريف: "‌الحَجُّ ‌عَرَفَةُ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "‌مَا ‌مِنْ ‌يَوْمٍ ‌أَكْثَرَ ‌مِنْ ‌أَنْ ‌يُعْتِقَ ‌اللهُ ‌فِيهِ ‌عَبْدًا ‌مِنَ ‌النَّارِ ‌مِنْ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، ‌وَإِنَّهُ ‌لَيَدْنُو ‌ثُمَّ ‌يُبَاهِي ‌بِهِمُ ‌الْمَلَائِكَةَ، ‌فَيَقُولُ: ‌مَا ‌أَرَادَ ‌هَؤُلَاءِ" (رواه مسلم)، وقال عليه الصلاة والسلام: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" (رواه مسلم).

10- أن فيها "ليلة جَمْع": وهي ليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجَّاج ليلة العاشر من ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة، وهي ‌الْمَشْعَرِ الحرام؛ قال تعالى: "‌فَاذْكُرُوا ‌اللَّهَ ‌عِنْدَ ‌الْمَشْعَرِ ‌الْحَرَامِ".

11- أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وبه يعود الإنسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: "مَنْ ‌حَجَّ ‌هَذَا ‌الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (متفق عليه). وقال: "‌الْحَجُّ ‌الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ" (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

12- أن فيها أعظم الأيام عند الله "يوم النحر"؛ الذي هو عَلَمٌ للملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية؛ قال رسول الله: "أَعْظَمُ ‌الْأَيَّامِ ‌عِنْدَ ‌اللهِ ‌يَوْمُ ‌النَّحْرِ، ‌ثُمَّ ‌يَوْمُ ‌الْقَرِّ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني). ويوم القـَرِّ: هو يوم الحادي عشر من ذي الحجة الذي يستقر فيه الحجاج بمِنَى.

ومما يزيد هذه الأيام منزلة وشأنًا: غفلة كثيرٍ مِن الناس عنها؛ فعادة الناس أنهم يستعدون لشهر رمضان، ويجتهدون في العشر الأواخر، ولا ينتبهون لفضل هذا الموسم العظيم مِن عشر ذي الحجة، وما كان شأنه كذلك مِن هذه الغفلة في هذا الزَّمَن الشريف؛ فإن اغتنامه والاجتهاد فيه يزداد استحبابًا وتأكُّدًا؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيّ" (رواه مسلم). والهرج: وقت الفتن واختلاط الأمور. 

وقال صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ: الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ" (رواه مسلم)؛ وذلك أن هذا الوقت وقت غفلة عند كثيرٍ من الناس ما بين نومٍ وسَهَرٍ؛ إما في مباح أو معصية! مع أنه وقتٌ فاضلٌ ينزل فيه ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا.

فينبغي أن نبتعد عن وَصْف الغفلة في هذا الزَّمَن الشريف؛ امتثالًا لأمر الله تعالى: "وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ"، وأن ننتبه لفضل هذه الأيام المباركات، وأن نغتنمها كما ينبغي؛ عسى أن ننال القرب والفوز في هذه الأيام العشر.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية