الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عزاء المحرومين مِن الحج (موعظة الأسبوع)

عزاء المحرومين مِن الحج (موعظة الأسبوع)
الثلاثاء ٠٥ يوليو ٢٠٢٢ - ١٢:٣٠ م
128

عزاء المحرومين مِن الحج (موعظة الأسبوع)


كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- نريد من ذلك التنبيه على فضل موسم الحج، وكذلك موسم العشر الأول من ذي الحجة.

- هذه أيام وشهور الحج ومواسم الخير: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة: 197).

- وفيها الأيام المباركات: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج: 28).

- في مثل هذه الأيام تنطلق وفود الحجيج من كلِّ مكان في أرض الله، قاصدين البيت الحرام والبقاع المقدَّسة، وقد ملأوا الأرض مِن حولهم بالنداء الحبيب: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمدَ والنعمة لك والملك لا شريك لك"، ملبين دعوة إبراهيم التي انطلقت منذ خمسة آلاف عام: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج: 27).

- ولكن ... في ظل الأزمات التي حلَّت بالأرض، حُرِم كثيرٌ مِن المسلمين مِن السعي إلى الحج.

- فهنيئًا لمَن سعى واستطاع وبذل ... فهم الوفد الذي يجدد العهد هذا العام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (الحُجَّاجُ والعُمَّارُ وَفْدُ الله؛ دَعاهُمْ فأجابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطاهُمْ) (رواه البزار، وحسنه الألباني).

- وأما الذين عجزوا عن الاستطاعة، وودوا لو كانوا من الساعين! فعزاؤهم أن اللهَ قد جَعَل لهم بابًا عظيمًا يعوضهم عما فاتهم من شهود المناسك وحضورها؛ ألا وهو النية الصالحة، واغتنام العشر الأول من ذي الحجة.

أولًا: النية الصالحة (حج القلوب)(1):

- النية الصالحة تبلغ بها أجر السائرين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) (رواه مسلم)، وقال: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ) (رواه مسلم).

ولله در الشاعر القائل:

يا سـائـريـن إلى البيت العتيـق لقد                  سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحا

إنـا أقـمنـا عـلى عـذر وقـد رحـلـوا                 ومـن أقـام على عـذر كمـن راحــا

- النية الصادقة تبلغك الأجور التي حبسك العذر عن أن تكون من أهلها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (إنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

ثانيًا: اغتنام أيام العشر الأول من ذي الحجة:

- أيام العشر هي عزاء القاعدين(2): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ) يَعْنِي أَيَامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَال: (وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) (رواه البخاري).

- العمل الصالح في أيام العشر أفضل من الجهاد في سبيل الله!: "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

وقفة مع فضل الجهاد:

- الجهاد(3) إعلاء لكلمة الله، وتمكين لدينه في الأرض، ويشتمل على العبادات الظاهرة والباطنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- الجهاد أفضل من الصلاة تطوعًا سبعين عامًا: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا، فَقَالَ: لَوْ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: فَقَالَ: (لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ الْجَنَّةَ، اغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- خلاصة ... الجهاد لا يعدله شيء: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ: (لا تَسْتَطِيعُونَهُ)، قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: (لا تَسْتَطِيعُونَهُ)، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلا صَلاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ) (متفق عليه).

لماذا كان العمل في العشر أفضل مِن الجهاد في سبيل الله؟

1- العشر جامعة أصول العبادات: قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره".

2- هي الأيام المعلومات: قال الله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج: 28)(4).

3- أقسم الله بلياليها: قال -تعالى-: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر: 1-2)، روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أَنَّهَا الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ"، وهو قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، والكلبي(5).

4- فيها سيد أيام العام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

5- فيها يوم عرفة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟) (رواه مسلم)، وقال: -صلى الله عليه وسلم-: (الحَجُّ عَرَفَةُ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) (رواه مسلم).

أعمال صالحة في أفضل أيام الدنيا:

1- الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ) (رواه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر، وصححه الشيخ أحمد شاكر)، "وكان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبر الناس بتكبيرهما" (إشارة إلى إحياء هذه السنة).

2- الصيام: عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: " كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، قال النووي -رحمه الله-: "يستحب صيام العشر استحبابًا شديدًا".

3- الإكثار من عموم الأعمال الصالحة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ ... )، (الصلاة - القيام - الصدقة - الدعوة - قراءة القرآن - ... ).

4- الأضحية والتشبه بالسائرين: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2)، وقال الله -تعالى-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: 107)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) (رواه مسلم).

فاللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك في هذه الأيام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بالنية تبلغ أجر السائرين الذين بَذَلوا الأموال، وقطعوا المفاوز، والبحار، والقفار، أي والله!

(2) العاملون في أيام العشر يتنافسون مع الحجيج السائرون.

(3) الجهاد من العلامة البارزة على ظهور الدِّين وقوته.

(4) إشارة إلى فضل الذكر فيها، وزيادة أجرها عن غيرها.

(5) ومِن العلماء مَن عقد مقارنة بين عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة