الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (1)

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (1)
الخميس ٠٧ يوليو ٢٠٢٢ - ١١:١٥ ص
92

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (1)


كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد خَفَقَتْ رَايَاتُ الظَّلَامِ، وَبِدَعُ الكَلَامِ، وَأَقْبَلت زُيوفٌ البِدْعَةِ، تُعِيدُ لابن حَنْبَل المحنة، حِينَ مدَّ التَّصَوّفُ الفَلْسَفِي رَوَاقَه، وأَلْقَى المَذْهَبُ الكلامي البَاطنيّ أَرْوَاقَه، وحَلّ نطاقه، وألقى بكلكله، فأناخ بنوازله، وبث أوهامه، وأحل بنا أثقاله، وقد كان الأئمة الأعلام مِن قَبْل يدمغون أي بادرة له، ويقتحمون عليه أسواره، فيهتكون ستره، ويحذرون المسلمين من شرِّه، وما فيه من طوية معلولة، وعقيدة مدخولة.

والآن في غفلة وجفوة وسطوة ينتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ: أنَّ الْقُبُورَ الّتِي تُدْفَنُ فِيهَا جُثَثٌ لاَ حَرَكَةَ لَهَا تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ويُطَاف بها، ويُنادَى أهلها؛ فيستغاث بهم، ويُسْتشفع... !

وأخَذَت تِلْكَ الْخُرافَةُ ترْتَفِعُ إلَى الذِّرْوَةِ، والْمُؤْسِفِ أَنَّهَا تتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ كَبيرٍ بينَ الْمُتَعَلِّمين، الأمر الذي يوجب البيان، وكشف اللثام عن زخرف البطلان، ووساوس الأوهام، واللعب بالكلام، صيانةً لجَنَابِ التَّوحيد وسَلَامَةً لدين العَبِيدِ.

قال مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي في كتابه "النظرات" (2/ 16) وهو يحكي أن كاتبًا من الهند أرسل له رسالة: (ويقول الكاتب أيضًا: إن في بلدة "ناقور" في الهند قبرًا يُسَمَّى: "شاه الحميد"، وهو أحدُ أولادِ السيد عبد القادرِ -كما يَزْعمونَ-، وإنَّ الهنود يَسْجُدون بين يديّ ذلك القبر سجودهم بين يديّ الله، وإنّ في كلِ بلدةٍ وقريةٍ من بُلدانِ الهند وقُرَاها مزارًا يُمثل مَزار السّيد عبد القادرِ، فيكون القبلة التي يتوجَّه إليها المسلمون في تلك البلادِ، والملجأ الذي يلجئون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسَدَنته وفي موالده وحفلاته، ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعًا لصاروا أغنياءَ!

هذا ما كتبه إليّ ذلك الكاتبُ، ويعلمُ الله أني ما أتممتُ قراءة رسالته حتى دارتْ بي الأرض الفضاء، وأظلمتْ الدنيا في عيني، فما أُبصر مما حولي شيئًا حزنًا وأسفًا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوامٍ أنكروه بعد ما عرفوه، ووضعوه بعد ما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا عهد له بها، ولا قِبَل له باحتمالها!

أَيُّ عَيْنٍ يَجْمُلُ بِهَا أَنْ تَسْتَبْقِيَ من شئونها قَطْرَةً لاَ تُرِيقُهَا أَمَامَ هَذَا الْمَنْظَرِ المُؤَثِّرِ؛ مَنْظَرِ أولَئِكَ الْمُسْلِمينَ وهُمْ رُكَّعٌ سُجَّدٌ عَلَى أعْتَابِ قَبْرٍ مَيّت؟! ورُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُم منْ هُوَ خَيْرٌ فِي حَياتِهِ؛ فَأحْرَى أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ!

أيُّ قَلْبٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَ جَنْبَيْ صَاحِبِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً؛ فَلاَ يَخْفقُ وَجْدًا أو يَطِيرُ جَزَعًا... ؟!

كثيرًا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرًا وهو لا يشعر به، وكثيرًا ما تشتمل نفسه على عقيدةٍ وهو لا يحس باشتمال نفسه عليها، ولا أرى مَثَلًا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكانِ القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود، فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب قالوا: إنا لا نعبدهم وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم لا يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر من مظاهر الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين إليه يلتمسون إمداده ومعونته" (انتهى)

ولست أدري بأي وجهٍ ينادي هؤلاء بمشروعية تلك القباب والأضرحة، وما يجري ولها وحولها وداخلها!

إنَّ الألم والخجلَ من العِلْم وأهله ليعلوني حين أستمع إلى أدلتهم الموضوعة متنًا، والمجهولة سندًا، وما صَحَّ منها حوَّلوه عن وجهه -قسرًا- بتأويلاتٍ كاسدةٍ، وتبريراتٍ فاسدةٍ، تنعي الأمانة في النقل، والنعمة في الفهم، ويكفينا بدايةً أن نعلم أن ما يقيمون لأجله الضَّجة، ويقتلون في سبيله السُّنَّة، وحقائق توحيد الملة، هو أمر مبتدع محدث!

قال شَيْخُ الإسْلام ابنِ تيميةَ في "مجموع الفتاوى" (27/ 466): (وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ لَا فِي الْحِجَازِ وَلَا الْيَمَنِ، وَلَا الشَّامِ وَلَا الْعِرَاقِ، وَلَا مِصْرَ وَلَا خُرَاسَانَ، وَلَا الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أُحْدِثَ مَشْهَدٌ لَا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ، وَلَا صَاحِبٍ، وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا صَالِحٍ أَصْلًا، بَلْ عَامَّةُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا حِينَ ضَعُفَتْ خِلَافَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ وَكَثُرَ فِيهِمْ الزَّنَادِقَةُ الْمُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفَشَتْ فِيهِمْ كَلِمَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَذَلِكَ مِنْ دَوْلَةِ الْمُقْتَدِرِ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَإِنَّهُ إذْ ذَاكَ ظَهَرَتْ الْقَرَامِطَةُ العبيدية القداحية بِأَرْضِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَرْضِ مِصْرَ).

وقال الذهبي في السِّير عند ترجمته لسيدتنا نَفِيْسَة:

(وَلِجَهَلَةِ ‌المِصْرِيِّيْنَ ‌فِيْهَا ‌اعْتِقَادٌ ‌يَتَجَاوَزُ ‌الوَصْفَ، وَلَا يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ).

وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية": (‌وَقَدْ ‌بَالَغَ ‌الْعَامَّةُ ‌فِي ‌أَمْرِهَا ‌كَثِيرًا ‌جِدًّا، وَيُطْلِقُونَ فِيهَا عِبَارَاتٍ بَشِعَةً فِيهَا مُجَازَفَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَأَلْفَاظًا كَثِيرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفُوا بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِطْلَاقُهَا فِي مِثْلِ أَمْرِهَا، وَرُبَّمَا نَسَبَهَا بَعْضُهُمْ إِلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَلَيْسَتْ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا مِنَ الصَّلَاحِ مَا يَلِيقُ بِأَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ، وَأَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْمُغَالَاةِ فِي الْقُبُورِ وَأَصْحَابِهِا، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَطَمْسِهَا. وَالْمُغَالَاةُ فِي الْبَشَرِ حَرَامٌ).

ومِن الثَّابِت: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‌أخفى ‌قبر النبي دانيال عليه السلام لما ظهر بتَسْتُر، لأن أبا موسى واليه هناك أخبره أن الناس يستسقون به؛ فأراد عمر أن يسد الذريعة إلى الشرك، فكتب إليه أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرًا ثم يدفنه بالليل في واحدٍ منها، ويعفيه؛ لئلا يفتتن به الناس؛ فقارن بين فعل المبتدعة المحرِّفين، وفعل الصحابة المهتدين!

وقد فعل سيدنا عمر رضي الله عنه ذلك في زمن الصحابة؛ فكيف بزماننا وهذه الأصوات ترتفع بنداء الأموات تتمرغ بتراب القبور؟!  

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة