الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مفاتيح الأرزاق (1)

مفاتيح الأرزاق (1)
الجمعة ٢٦ أغسطس ٢٠٢٢ - ١٦:٢٣ م
1019

مفاتيح الأرزاق (1)


كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقضية الرزق قضية مهمة وقديمة تشغل جل تفكير الناس في كل وقتٍ، وخصوصًا في هذه الأيام وهذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم عامة وأمتنا خاصة، وما ترتب على ذلك مِن خوف فوات الرزق أو ضياعه، فنعرض لهذه القضية خلال هذه السطور من الناحية الشرعية، من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم في مثل هذه الأحوال.

الرزق كما يقول الراغب: العطاء الجاري، وتارة يكون دنيويًّا، وتارة أخرويًّا، وقد ذكر الله كلمة الرزق بمشتقاتها في القرآن حوالي 105 مرة.

والرزق من مقومات الحياة، والنفس إذا ضمنت رزقها اطمأنت، وحينما نتكلم عن الرزق؛ فلا بد أن يتسع الأفق لاستيعاب ذلك، فهناك رزق مادي ملموس، وهناك رزق معنوي "وإن تَعدوا نعمتَ الله لا تُحصوها"، فنعمة الدِّين رزق، والهداية له رزق، والفهم رزق، وكذا الصحة والعافية، والنَّفَس والطعام والشراب، والولد البار، والزوجة المطيعة، والعلم، والمال؛ كل ذلك -وغيره كثير- مِن الأرزاق، منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه، حتى لا نُقْصِر الرزق على صنفٍ واحدٍ إن حُرمه العبد ظن أنه حُرِم الرزق كله.

وهناك قواعد مهمة لا بد أن نكون على يقين منها، وهي:

أولًا: ما خلق الله حيًّا من الأحياء إلا وتكفَّل برزقه، أيًّا كان، فانظر إلى ما حولك: هل تعيش أنت وحدك على الأرض؟ لا! بل يعيش معك عالم الجن، والطيور، والحيوانات، والحشرات، والأسماك، والنباتات، ومخلوقات كثيرة لاتعلمها، والله يرزق جميعها "وما كان ربك نسيًّا"، "وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها"، فهذه مسألة مُسلمٌ بها؛ أن أرزاق العباد بيد الله، وليس على المخلوق الضعيف البخيل الشحيح، "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا"، فثق بالله، وعلِّق قلبك به، فمهما كنت فسيأتيك رزقك لا محالة.

ثانيًا: قضية الرزق بالنسبة لك أمر مُسلمٌ به وأنت لا زلت جنيًا في رحم أمك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ ‌فَيَنْفُخُ ‌فِيهِ ‌الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ"، فرزقك لن يأخذه غيرك، لكن ما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب التي شرعها الله، وقلبك معلَّق بالله.

ثالثًا: الناس متفاوتون في أرزاقهم ومعايشهم؛ فهذا غنيٌ وآخر فقيرٌ، وهذا موسعٌ عليه وآخر مقترٌ عليه، وكل ذلك بحكمة من الله، "والله فضَّل بعضكم على بعضٍ في الرزق"، "وأنه هو أغنى وأقنى"، أي: وأفقر.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى: "واقنع برزقك من الدنيا؛ فإن الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض"، فإذا ما أيقنت بذلك، فاقنع بما آتاك الله من الرزق يُبارك لك فيه، فيَشكرُ الغنيُ على النعمة، ويصبر الفقير ويتحقق التكافل الاجتماعي بين أوصال المجتمع الواحد، فينظر الغني إلى أخيه الفقير نظرة رحمة وأُخوة، فيخرج له الحق الذي أوجبه الله في ماله، "والذين في أموالهم حقٌ معلوم . للسائل والمحروم".

رابعًا: أعظم أسباب الحرمان والضيق الشرك بالله ومعصيته، وأعظم أسباب العطاء والبركة الإيمان والتقوى، وهذا على المستوى الفردي والمجتمعي، والقرآن يُخبرك بذلك، "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفُ عن كثير"، "ظهر الفساد في البرِ والبحر بما كسبت أيدي الناس"، أي: من أمراض، ووباء، وغلاء في الأسعار، وتسلط فجرة وفسقة، وغير ذلك، فالسبب هو: "فبما كسبت أيديكم"، والقرآن مليء بالأمثلة على هذا الأصل، فعلى المستوى الفردي: قصة قارون وما وقع له، وقصة أصحاب البستان، وعلى المستوى المجتمعي: قصة سبأ وما وقع لها، واقرأ إن شئت: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ‌كَانَتْ ‌آمِنَةً ‌مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"، فالشرك والمعصية سببٌ لكلِّ وبالٍ وشرٍ وحرمانٍ، والإيمانُ والتقوى سببٌ لكل خيرٍ ورخاءٍ، "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ‌لَفَتَحْنَا ‌عَلَيْهِمْ ‌بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، فهذه قواعد أربعة لا بد أن نكون على يقين منها، وهناك مفاتيح شرعية تُستجلبُ بها الأرزاق وتُستمطر بها الرحمات.

نتعرف عليها في المقال القادم بإذن الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة