الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ذكر التقوى ومشتقاتها في سورة مريم (2)

ذكر التقوى ومشتقاتها في سورة مريم (2)
الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠٢٢ - ١٧:١٠ م
56

ذكر التقوى ومشتقاتها في سورة مريم (2)


كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تكلمنا في المقال السابق عن آثار التقوى أن أهلها هم ورثة جنة النعيم، فكما أنها سبب لنيل الجنة فهي سبب أيضًا للنجاة من النار، كما قال سبحانه وبحمده: "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا"، فأخبر سبحانه وبحمده أن جميعَ البشر المتقين والفجار منهم يردون النار، وهو إما بمعنى الدخول للجميع أو المرور مِن على الصراط المنصوب عليها؛ وعلى أي كان المعنى؛ فإن الشاهد أنه لا ينجو إلا المتقين، وأما الظالمين الكافرين فتحبسهم، أو تهوى بهم ذنوبهم في النار على ركبهم وهو إشارة إلى شدة كربهم، كما  قال ابن زيد رحمه الله: "الجثيّ: شر الجلوس، لا يجلس الرجل جاثيًا إلا عند كربٍ ينـزل به" (تفسير الطبري).

وذكر سبحانه وبحمده أيضًا تكريم المتقين جزاءً لهم على تقواهم؛ فلما أعزوا أمر الله اعزهم الله، وأعلى قدرهم كما قال سبحانه وبحمده: "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا"، روى ابن جرير الطبري رحمه الله بسنده عن النعمان بن سعد عن علي في قوله تعالى: "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا"، قال: "أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولا يساقون سوقًا، ولكنهم يؤتون بنوق لم يَرَ الخلائق مثلها، عليها رحال الذهب، وأزمتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة".

فإذا كان الوفود في الدنيا حينما يوفدون على ملوك الدنيا يحصل لهم ما يحصل مِن كَرَم الضيافة ورجوعهم محملين بالهدايا، وغير ذلك من صور الإكرام؛ فكيف ولله المثل الأعلى وهؤلاء المتقون هم وفد الرحمن المنان سبحانه وبحمده؟! فلا شك أن جزاءهم لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وفي قوله تعالى: "إلى الرَّحْمَنِ": لطيفة كما ذكر الألوسي في روح المعاني فقال رحمه الله: "فَكَأنَّهُ قِيلَ هُنا: يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إلى رَبِّهِمُ الَّذِي غَمَرَهم مِن قَبْلُ بِرَحْمَتِهِ، وشَمَلَهم بِرَأْفَتِهِ، وحاصِلِهِ: يَوْمَ نَحْشُرُهم إلى مَن عَوَّدَهُمُ الرَّحْمَةَ، وفي ذَلِكَ مِن عَظِيمِ البِشارَةِ ما فِيهِ".

وذكر سبحانه وبحمده من عظيم فضله ورحمته تيسير ألفاظ وقراءة ومعاني هذا القرآن لمَن أراد أن ينتفع به، وأن يستنير بهداياته، وأن يحيا قلبه به؛ فهو الروح، ومع ذلك فأخبر سبحانه أن المتذكرين حقًّا والمنتفعين به هم أهل التقوى والخشية، فتحصل لهم التذكرة والاستجابة بقدر تقواهم لله تعالى، كما قال تعالى: "فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا"، وقال تعالى أيضًا: "وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ"، وقال عز وجل: "فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى . سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى".

ولما كان أهل التقوى هم المتذكرون العاملون؛ بشَّرهم الكريم الشكور سبحانه وبحمده، ولم يحدد لهم نوع البشرى هنا، والأظهر أنها عامة تشمل سعادة الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدارين، وتشمل تكفير السيئات، ويجعل له مخرجًا من كل ضيق، ويرزقه من حيث لا يخطر على باله، ويجعل له فرقانًا وفصلًا يفرق به بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وغير ذلك، ومن تعليم الله لهم ومعيته ومحبته لهم، وغير ذلك من البشريات.

فهذا نزر يسير لبعض الفوائد في ذكر التقوى ومشتقاتها في هذه السورة المباركة، والله أعلم.

فاللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة