الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (5) الإمام القرطبي يحاجج الصوفية بالأدلة وبأقوال علماء الأمة

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (5) الإمام القرطبي يحاجج الصوفية بالأدلة وبأقوال علماء الأمة
الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٢ - ١٧:٠٥ م
57

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (5) الإمام القرطبي يحاجج الصوفية بالأدلة وبأقوال علماء الأمة

كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال (أبو الوفاء ابن عقيل) (ت ٥١٣هـ): (لمَّا صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، ‌وهم ‌كفار ‌عندي ‌بهذه ‌الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نَهَى الشرع عنه، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي! افعل بي كذا وكذا، وأَخْذ التراب تبركًا، وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها) نقله عنه ابن الجوزي في (تلبيس إبليس)، وابن القيم في (إغاثة اللهفان).

قلتُ: وهذا ابن عقيل -رحمه الله- وزمنه سابق لابن تيمية (ت ٧٢٨هـ)، يصرِّح بكفر مَن يخاطب الموتى بندائهم مِن دون الله، وكتب الرقاع إليهم، والتبرك بتراب قبورهم، وبذا يبطل زعم الطرقية أن ابن تيمية والوهابية هم أول مَن ابتدع القول فيما يجري عند القبور من نداءٍ لغير الله، واستغاثة بجثث الأموات.

ونزيدهم من كلام العلماء السابقين:

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ -وهو أشعري- (ت ٥٤٢هـ) في تفسيره: "تَعَلَّقَتِ الصوفية في القيام والقول بقوله: (إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)".

وعلَّق القرطبي (ت 671) في التفسير على ذلك فقال: "وَهَذَا تَعَلُّقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، هَؤُلَاءِ قَامُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ عَلَى هِدَايَتِهِ، وَشَكَرُوا لِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَنِعْمَتِهِ، ثُمَّ هَامُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ مُنْقَطِعِينَ إِلَى رَبِّهِمْ خَائِفِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْفُضَلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ. أَيْنَ هَذَا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْأَقْدَامِ، وَالرَّقْصِ بِالْأَكْمَامِ، وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ مِنَ الْمُرْدِ وَالنِّسْوَانِ، هَيْهَاتَ! بَيْنَهُمَا وَاللَّهِ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. ثُمَّ هَذَا حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ".

وذكر القرطبي عن الإمام الحافظ أبي بكر الطرطوسي (ت 277هـ) شيخ ابن خزيمة وأبي عوانة قوله فقال: (وسئل الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ فِي ‌مَذْهَبِ ‌الصُّوفِيَّةِ؟ وَأُعْلِمَ- حَرَسَ اللَّهُ مُدَّتَهُ- أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ رِجَالٍ، فَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يوقعون بالقضيب على شيء مِنَ الْأَدِيمِ، وَيَقُومُ بَعْضُهُمْ يَرْقُصُ وَيَتَوَاجَدُ حَتَّى يَقَعَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَيُحْضِرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ، هَلِ الْحُضُورُ مَعَهُمْ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، -يرحمكم الله-، وهذا القول الذي يذكرونه:

يَا شَيْخُ كُفَّ عَنِ الذُّنُوبِ … قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالزَّلَلْ

وَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا … مَا دَامَ يَنْفَعُكَ الْعَمَلْ

أَمَّا الشَّبَابُ فَقَدْ مَضَى … وَمَشِيبُ رَأَسِكَ قَدْ نَزَلْ

وَفِي مِثْلِ هَذَا وَنَحْوِه.

الجَوَابُ: -يَرْحَمُكَ اللَّهُ- مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَمَا الْإِسْلَامُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ، لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ وَيَتَوَاجَدُونَ، فَهُوَ دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ، وَأَمَّا الْقَضِيبُ فَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَهُ الزَّنَادِقَةُ لِيَشْغَلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رؤوسهم الطَّيْرُ مِنَ الْوَقَارِ، فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يمنعهم من الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ، وَلَا يُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ من أئمة المسلمين. وبالله التوفيق".

وفي هذا النقل عِدَّة فوائد تستحق أن تُفرَد بمصنف: فأولًا: ليس هذا كلام التيمية والوهابية؛ هذا كلام الأئمة من الصدر الأول وكلام تابعيهم.

ثانيًا: اعتباره أن هذه الأفعال مِن الصوفية صدٌّ للناس عن الكتاب والسنة.

وهذا ظاهر من غيظ بعضهم من إظهار السنة والتحدث بها.

ثالثًا: أشار إلى أن كثيرًا مما يفعله المتصوفة من رقص وطبل وزمر هو مأخوذ من خرافات قومٍ ليسوا على دين الإسلام، وعلى هذا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مع هؤلاء الصوفية.

رابعًا: ذكر إجماع الأئمة الأربعة على بطلان طريقة المتصوفة، وعليه؛ يبطل ادِّعاء بعض الصوفية المعاصرة بأن ما هم عليه من أباطيل هو ما أقرته المذاهب الأربعة، بل ذهبوا أبعد من ذلك، فقالوا: طريقتهم طريقة الأنبياء، ليأتي الإمام القرطبي في تفسيره ويدمدم عليهم طريقهم ويهدم لهم سبيلهم، فيقول: "وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ -يعني سيدنا سليمان- مَسَحَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا بِالسُّيُوفِ. قُلْتُ: ‌وَقَدِ ‌اسْتَدَلَّ ‌الشِّبْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي تَقْطِيعِ ثِيَابِهِمْ وَتَخْرِيقِهَا بِفِعْلِ سُلَيْمَانَ هَذَا! وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَبِيٍّ مَعْصُومٍ أَنَّهُ فَعَلَ الْفَسَادَ"، ثم قال رحمه الله: "فَأَمَّا مَا ابْتَدَعَتْهُ ‌الصُّوفِيَّةُ الْيَوْمَ مِنَ الْإِدْمَانِ عَلَى سَمَاعِ الْمَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ مِنَ الشَّبَّابَاتِ والطار والمعازف والأوتار؛ فحرام".

ثم يَكرُّ الإمام القرطبي عليهم ويجهز ما ظنوه عملًا صالحًا أو فعلًا مباحًا، فَيُعَرِّيه ويُظْهِر سوأته فيقول: "وَهَذَا السُّجُودُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَدِ اتَّخَذَهُ جُهَّالُ ‌الْمُتَصَوِّفَةِ عَادَةً فِي سَمَاعِهِمْ وَعِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى مَشَايِخِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ، فَيُرَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا أَخَذَهُ الْحَالُ بِزَعْمِهِ يَسْجُدُ لِلْأَقْدَامِ لِجَهْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْقِبْلَةِ أَمْ غَيْرِهَا جَهَالَةً مِنْهُ، ضَلَّ سَعْيُهُمْ وَخَابَ عَمَلُهُمْ".

وقال: "اسْتَدَلَّ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَطَغَامِ ‌الْمُتَصَوِّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ! قَالَ أبو الفرج الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْلِ فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شبهة، وإنما أمر بضرب الرحل لِيَنْبُعَ الْمَاءُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَيْنَ الدَّلَالَةُ فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْدَ كَشْفِ الْبَلَاءِ بِأَنْ يَضْرِبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ إِعْجَازًا مِنَ الرقص؟! ولإن جاز أن يكون تحريك رجل قد انحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِمُوسَى: (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) دَلَالَةً عَلَى ضَرْبِ الْمُحَادِّ بِالْقُضْبَانِ! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ التَّلَاعُبِ بِالشَّرْعِ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: (أنت مني وأنا منك)، فجعل. وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) فجعل. وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا) فجعل. وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَةَ زَفَنَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ.

وَالْجَوَابُ: أما العجل؛ فهو نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ الْفَرَحِ فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْصُ؟! وَكَذَلِكَ زفن الحبشة نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْحَرْبِ) (انتهى من تفسير القرطبي).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية