الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (5)

علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (5)
الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٢ - ١٧:١٠ م
44

علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (5)

كتبه/ ياسر محمد محمود أبو عمار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أسلفنا في مقالين سابقين أن القرآن بلهجاته المتعددة، تلقاه جبريل من رب العزة سبحانه وتعالى، ونزل به على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعلمه إياه، قال تعالى: "وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى"؛ فقد تلقَّى النبي صلوات الله وسلامه عليه القرآن من جبريل عليه السلام على مدار ثلاث وعشرين سنة على الراجح؛ وذلك ليسهل حفظه وتدبره، والعمل به، ومِن ثَمَّ تعليمه الصحابة رضي الله عنهم.

ولم ينزل القرآن جملة واحدة مثل الكتب السابقة: كالتوراة والإنجيل، ردًّا على المشركين الذين اقترحوا على وجه التعنت والتعجيز، أن ينزل القرآن جملة واحدة، قال تعالى: "وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلًا"، فكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتلقى القرآن ويقوم به مصليًا يتدبره ويعمل به، ويعلمه أصحابه رضي الله عنهم.

ومع كثرة غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وإقبال الناس على الإسلام وما يحيط به صلى الله عليه وسلم من أعباء ومهام جسام؛ لم يتمكَّن صلى الله عليه وسلم مِن تعليم كل هذه الأعداد الغفيرة؛ فلذا قام بتكليف نفر من أصحابه الكرام ممَّن حذقوا في تعلم القرآن الكريم، بأن يقوموا بهذه المهمة الكبرى، كأمثال: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.

ومن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم مَن كان يكتب الوحي: كزيد بن ثابت، وأبي بن كعب رضي الله عنهما، وإذ ثبت أن مِن الصحابة مَن كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا دليل قاطع وصريح في الرد على الطاعنين والمستشرقين والمشككين في مصدر الوحي؛ إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب القرآن من عنده كما زعم هؤلاء، لما عمد إلى أن يتخذ كُتَّابًا للوحي من أصحابه رضي الله عنهم، ولما علمه لهم باللسان العربي، كما ادَّعى المشركون أنه كان يتعلمه من اليهود والنصارى، ومن أشعار أمية بن أبي الصلت، وورقة بن نوفل؛ إذ كيف يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة باللسان العربي وهم قد قالوا كما جاء القرآن وأنزل، قال تعالى: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"؟!

فكيف يكون القرآن كما زعموا بالأعجمية، وقد علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بلغة العرب؟!

فهذا نص واضح وصريح وقاطع في كذب هؤلاء وافترائهم.

ومما لا شك فيه: أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا بتعليم القرآن باللهجات القبلية المنزَّلة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ومما سبق يتبيَّن: أن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلموه وعلموه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد" أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن هؤلاء أيضًا في المنزلة بعد ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل، أبي بن كعب رضي الله عنه الذي أمر الله نبيه أن يذهب إليه فيقرأ عليه سورة البينة، وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه سورة النساء، فقال: "أقرأ عليك، وعليك أنزل؟"، فقال: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، ففي قول ابن مسعود رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك أنزل" علم الصحابة أن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم بذلك.

ولم يكن التعليم مقتصرًا على هؤلاء فحسب، بل كان هناك غيرهم كثر ممَّن أخذوا القرآن على يد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا كانت مرحلة تلقي الصحابة رضي الله عنهم القرآن وتعليمه، وبعد ذلك تأتي مرحلة تلقي التابعين من الصحابة رضي الله عنهم وكيف كانت، وسيكون ذلك في الحديث المقبل إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة