الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حرب (العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر) كأنك تراها (1) يوم العاشر من رمضان (1)

حرب (العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر) كأنك تراها (1)  يوم العاشر من رمضان (1)
الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٢ - ١٧:٢١ م
191

حرب (العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر) كأنك تراها (1)

يوم العاشر من رمضان (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فبعد مضي نصف قرن هجري من الزمان على حرب العاشر من رمضان 1393 إلى رمضان 1443 هـ - السادس من أكتوبر، رَحَل -أو يكاد- مَن حضروا هذه الحرب أو عاصروها؛ فلزم علينا أن نذكِّر الأجيال الجديدة بهذه الحرب المجيدة، وما قدَّم المصريون فيها من تضحيات وما بذلوه من جدٍّ واجتهاد في قوة تحمُّل وصبر، وإخلاص وصدق حقَّقوا به مجدًا كبيرًا في ظروف أسوأ وأصعب بكثيرٍ مِن الظروف التي نعاني منها حاليًا؛ إنها روح العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر التي نفتقدها الآن، ونحن أحوج ما نكون إليها.  

يوم العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر (1):

كانت ساعة الصفر لبداية حرب العاشر من رمضان 1393 هـ، الموافق للسادس من أكتوبر 1973م هي الساعة الثانية ظهرًا، وكانت البداية مع الضربة الجوية.

الضربة الجوية:

وفيها انطلقت 220 طائرة مصرية دفعة واحدة عابرة قناة السويس متجهة إلى سيناء لضرب ثلاثة مراكز قيادة، وثلاث قواعد جوية للعدو، وعشرة مواقع صواريخ دفاع جوي، وعدد من محطات الرادار ومرابض مدفعية بعيدة المدى.

ولمفاجأة العدو ولتجنب اكتشاف راداراته للطائرات المصرية؛ كان لزامًا دخول هذه الطائرات أرض سيناء على أقل ارتفاع ممكن، وهذا يحتاج إلى براعة كبيرة وجرأة لا تكون إلا بعد إعداد وتدريب قوي؛ فقد كانت المقاتلات المصرية تطير في ارتفاع يوازي ارتفاع أعمدة الإنارة؛ لذا لم يشعر العدو بدخولها لسيناء، ولم يعرف العالم بأمر هذه الغارة الجوية إلا بعد إعلان البيان العسكري المصري عنها أولًا.

وتعد هذه الضربة الجوية المكثفة هي الأولى من نوعها في التاريخ العربي، والأقل في الخسائر بالمقارنة بمثيلاتها من الغارات في تاريخ الحروب العالمية والإقليمية، وكانت التوقعات فقد 25 % من الطائرات المغيرة حال اكتشاف العدو للطائرات والتعامل معها، فجاءت خسائر الغارة نحو 2% فقط من الطائرات المغيرة، وكان التخطيط توجيه ضربة جوية ثانية للأهداف السابقة في الساعة الرابعة بعد تقييم نتائج الضربة الأولى ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها؛ ولأن الأهداف المطلوبة دمرت بالفعل في الضربة الجوية الأولى تقرر العدول عن توجيه الضرب الجوية الثانية.

دخلت الطائرات المغيرة سيناء من فوق قناة السويس، ولكن كان خروجها من سيناء بعد أداء مهمتها من الأجناب؛ أي: فوق خليج السويس جنوبًا، والبحر الأبيض المتوسط شمالًا؛ وذلك لإفساح المجال وتفادي نيران المدفعية المصرية التي ستبدأ -حسب الخطة الموضوعة- في ضرب مواقع العدو ومنشآته في سيناء بعد دخول الطائرات المصرية سيناء.

التمهيد النيراني للمدفعية المصرية:

طبقًا للخطة الموضوعة بدأت المدفعية المصرية بقصف نيراني مكثَّف بعد دقيقتين فقط من دخول الطائرات المصرية سيناء، وهذا القصف كان تمهيدًا لعبور القوات المصرية للقناة، وهو قصف على طول 160 كيلو متر، ويتزامن مع ضرب الطائرات المصرية لأهدافها الموضوعة لها في عمق سيناء، أي: يتم قصف للأهداف البعيدة والقريبة في سيناء بالكامل في وقتٍ واحدٍ، فيتولى الطيران ضرب الأهداف البعيدة في عمق سيناء، وتتولى المدفعية ضرب الأهداف القريبة حتى 10 كيلو مترات في سيناء وهو تخطيط غير مسبوق.

كان انطلاق الطيران المصري هو إشارة البدء لرفع شباك التمويه عن 2000 مدفع بطول الجبهة تم توجيهها جميعًا إلى أهدافها في شرق القناة وتعميرها بالذخائر، فصبت بركانًا من النيران بمعدل نيران بلغ 10500 دانة في الدقيقة الأولى من القصف -أي: 175 دانة في الثانية الواحدة- في قصف امتد لمدة 53 دقيقة، تم فيه استخدام 3 آلاف طن من الذخيرة حوَّلت ساحة القتال في شرق القناة إلى جحيم.

وكان الغرض من هذا القصف الشديد: إجبار نقاط ملاحظة العدو على طول خط بارليف على الاختباء في الخنادق؛ لتجنب تفريغ الهواء الناجم عن دانات المدفعية، وبالتالي تأمين عبور قوات النسق الأول من القوات المصرية لقناة السويس، وهذه القوات الأولى كانت مهمتها تجهيز وتأمين الضفة الشرقية للقناة للعبور العظيم، وذلك بتمكين وحدات المهندسين العسكريين المشاركة في القتال من القيام بمهمتها، وهي تجريف 81 فتحة في الساتر الترابي المقام على حافة الضفة الشرقية، وإنشاء معابر وكباري ومعديات أمام البعض منها.

تدفق القوات المصرية على سيناء:

طبقًا للخطة الموضوعة كانت بداية قصف المدفعية الإشارة لبدء تدفق موجات ضخمة من القوات المصرية بالقوارب المطاطية المعالجة بمواد ضد الحريق؛ إذ كان عبور القناة مهددًا بإشعال العدو للحرائق فوق مياه القناة باستخدام مادة النابالم الحارقة إذا تنبه العدو لعبور القوات المصرية لمياه القناة.

وكانت الموجة الأولى مكونة من 1600 قارب تحمل 8000 مقاتل، بدأ تحركهم السريع على الأقدام حاملين قواربهم من مراكز وحداتهم في شرق القناة تجاه الحافة الغربية للقناة، ثم اقتحموا مياه القناة بقواربهم ذات المجاديف، حتى وصلوا إلى الحافة الشرقية للقناة، ووطأت أقدامهم شرق للقناة وهم يكبِّرون الله تعالى في فترة زمنية بلغت نحو 7 دقائق، هي في عرف الزمان قصيرة، ولكنها في لحظات العبور المصيرية كانت جدًّا ثقيلة، وكان مقاتلو الموجة الأولى هم مفارز مكلفة بمهام مختلفة، منها: مفارز للاستطلاع، ومفارز لنقاط ملاحظة المدفعية، ومفارز من الصاعقة؛ لنصب الكمائن للعدو في عمق سيناء، ومفارز لحصار نقاط خط بارليف، ومفارز لتأمين الساتر الترابي لمنع صعود دبابات العدو إلى المصاطب المخصصة لها على الساتر الترابي لضرب قواتنا في القناة، وعلى الشاطئ الغربي لها، وعددها: 100 مصطبة، ومفارز مكونة من أطقم اقتناص الدبابات مهمتها صد أي هجوم لدبابات العدو.

وكانت قوات المشاة المصرية مدعَّمة بأسلحة خفيفة وصواريخ تُحمَل على الأكتاف مضادة للدبابات والطائرات، ومزودة بحبال لتسلق الأفراد للساتر الترابي، وحبال أخرى غليظة لجرِّ المدافع الثقيلة التي يتعذر حمل الإفراد لها لثقلها.

وقد وصل أول مقاتل مصري إلى قمة الساتر الترابي حيث تم رفع عَلَم مصر فوق الساتر بعد 37 دقيقة من بداية الحرب، وقد تسلقت الموجات الأولى الساتر بأعداد كبيرة على مدى أربع ساعات، وتوالى معها رفع الأعلام المصرية على الساتر.

وكانت مجموعة من القوات الخاصة المصرية قد قامت بتعطيل الأجهزة والأنابيب الإسرائيلية المخصصة لإشعال مياه القناة بمادة النابالم الحارقة حال عبور المصريين لمياه القناة، وتوالت موجات القوارب الحاملة للمقاتلين والتي بلغت 12 موجة تحمل كل موجة منها 8000 مقاتل.

ومع تمام الساعة الثالثة ظهرًا بلغت القوات المصرية في شرق القناة 800 ضابط و13500 صف وجندي، وبلغت القوات في الساعة الرابعة والنصف 1500 ضابط و22 ألف صف وجندي، وفي الخامسة والنصف بلغ العدد 2000 ضابط و30 ألف صف وجندي.

وبدأ عمل الثغرات والمعابر خلال 50 دقيقة من بداية الحرب، تم خلالها أيضًا تأمين الشاطئ الشرقي للقناة بواسطة 14 ألف مقاتل من المشاة بأسلحتهم الخفيفة؛ منهم مَن دخل مسافة كيلو متر في عمق سيناء، واتخذ هناك أوضاعًا دفاعية مناسبة هي مواقع دفاعية لمواجهة أي هجمات متوقعة من قوات العدو.

وفور الانتهاء من تأمين الشاطئ الشرقي للقناة: بدأ مهندسون عسكريون في الشاطئ الغربي في الربط بين الشاطئ الغربي والشاطئ الشرقي للقناة بعشرة كباري لنقل الدبابات والمدرعات، ومثلها للمشاة والمعابر والمعديات، وقد تطلب تجريف الفتحات الأولى في الساتر الترابي إزالة 1500 متر مكعب من الرمال باستخدام 4 طلمبات مياه نفاثة لكل فتحة، تستخدم الاندفاع القوي لمياه القناة بواسطة طلمبات خاصة في تجريف أجزاء من الساتر الترابي لعمل الفتحات اللازمة في الساتر الترابي في الأماكن المحددة لها وبالاتساع المطلوب، وتم بالفعل عمل أول معدية في الساعة السادسة والنصف مساء، وتم الانتهاء من إنشاء أول كوبري في الثامنة والنصف مساء، وقد ترتَّب على إنشاء هذا الكوبري الأول سرعة عبور مدرعات مصرية ومشاركتها في التصدي لهجوم مضاد للعدو بلواء مدرع على وحدة مشاة صغيرة مسلحة تسليحًا خفيفًا؛ مما أوقع بالعدو خسائر جسيمة أجبرته على الانسحاب.

وفي العاشرة مساء كان سلاح المهندسين العسكري قد انتهى من إحداث 60 ثغرة من جملة 81 ثغرة مطلوبة في الساتر الترابي، وإنشاء 8 كباري ثقيلة و4 كباري خفيفة و31 معدية، وقد قام طيران العدو وقامت مدفعياته على طول الجبهة بالعديد من المحاولات لضرب المعديات والكباري والقوات التي تقتحم القناة على امتداد القناة، ولكن قوات الدفاع الجوي المصرية تصدت لطائرات العدو بقوة ومنعتها من تحقيق أهدافها، وأسكتت المدفعية المصرية مصادر مدفعية العدو؛ لذا كانت خسائر عملية العبور في الأفراد والمعدات بفضل الله تعالى محدودة بالمقارنة بما كان متوقعًا ومخططًا لتحمله. 

وخلال تلك الأحداث تمت ثلاث عمليات إبرار بحرية على التوالي، كما قامت قوات من الصاعقة بعمليات إبرار جوي في عمق سيناء لتعطيل أي هجمات مضادة قادمة من عمق سيناء قد تعيق تثبيت أوضاع قواتنا وتقدمها في شرق القناة، من خلال إعداد كمائن وزرع ألغام مضادة على الطرق المتوقع قدوم دبابات ومدرعات العدو الاحتياطية منها للتدخل لمساعدة ونجدة حصون خط بارليف أثناء عمليات حصارها ثم اقتحامها والاستيلاء عليها.  

ومع دخول الساعة الثانية عشرة مساءً -أي: بعد عشر ساعات من بداية الحرب- كان لجيش مصر 80 ألف مقاتل في سيناء؛ نجحوا في الاستيلاء على أكثر من ثلث خط بارليف، ونجحوا في تدمير دفاعات العدو شرق القناة، ونجحوا في إنشاء رؤوس كباري والتقدم بعمق 5 كيلو مترات شرق القناة.

وكانت القوات المصرية قد تعرفت خلال حرب الاستنزاف على معظم نقاط خط بارليف، وتم تقسيمها بحسب قوتها وقدرتها على التأثير على قواتنا حال العبور؛ وعليه كان لزامًا البدء بمهاجمة نقاط خط بارليف القوية وإسقاطها مع بداية الحرب، أما النقاط ذات التأثير المحدود على قواتنا فكان يتم حصارها والتأثير المستمر عليها بالنيران ثم مهاجمتها بعد ذلك متى سمحت الظروف، وقد تم بالفعل الاستيلاء بالكامل على 50% من نقاط خط بارليف يومي: 6 و7 أكتوبر، وسقط الباقي تباعًا يومي: 8 و9 أكتوبر بعد أن ظل يقاوم الحصار -الذي هي مجهزة تجهيزًا تامًّا لمواجهته إن حدث- في انتظار وصول النجدة من العدو لها، ولكنها كانت مقاومة بلا جدوى فسقطت تباعًا، عدا نقطة واحدة تأخر سقوطها إلى يوم 13 أكتوبر.

وكان سقوط أول نقطتين من النقاط القوية للعدو في الساعة الثالثة و25 دقيقة، وتبلغ مساحة النقطة منهما 4 آلاف متر مربع، أي: نحو فدان تقريبًا، وتعد كل نقطة منهما قلعة محصَّنة ومجهَّزة بكل الإمكانيات المطلوبة للصمود والمقاومة لعدة شهور.

وقد عهد إلى القوات البحرية المصرية خلال العبور بالمشاركة في قصف الأهداف المهمة للعدو على الساحل الشمالي لسيناء، وكذلك حماية جنوب القوات المصرية على البحر الأحمر، وقد قامت بتنفيذ هذه المهام بدقة وكفاءة عالية، كما قامت القوات البحرية باعتراض السفن المتوجهة لإسرائيل لمنع الإمدادات عن العدو خلال المعارك. 

هل كان عبور القناة إعجازًا؟

كانت مصر بعد هزيمة حرب 1967 في وضع سيئ للغاية؛ إذ فقدت مصر قواتها البرية في الحرب، وفقدت أيضًا 80 % من قواتها الجوية، وأصبحت في حاجة ماسة لإعادة تسليح وبناء هاتين القوتين من جديد، في وقتٍ استنزفت حرب اليمن التي خاضتها مصر لمدة خمس سنوات -من عام 1962 م حتى عام الحرب 1967- الاقتصاد المصري، وقد ترتَّب على احتلال إسرائيل لسيناء أيضًا فقد مصر لإيرادات بترول سيناء بعد احتلال العدو لسيناء، وفقدها لإيرادات قناة السويس بعد توقف الملاحة بها، إلى جانب ما كانت تتعرض له من آن لآخر مدن القناة الثلاث الرئيسية: "السويس والإسماعيلية وبورسعيد" من اعتداءات إسرائيلية وحشية ترتَّب عليها إخلاء المدن الثلاث وتهجير نحو مليون من سكانها إلى داخل مدن ومحافظات مصر الأخرى، إلى جانب الحاجة الضرورية والملحة التي استجدت لبناء قواعد صواريخ دفاع جوي قوية للتصدي ومنع  اعتداءات الطيران الإسرائيلي شرق القناة وضربها لأهداف مدنية، كما حدث في ضرب طيران العدو لمدرسة بحر البقر الابتدائية، ولمصنع أبي زعبل، ولنجع حمادي، وهي تحديات كبيرة للغاية؛ خاصة مع عدم القدرة على الحصول على التسليح اللازم من الدول الغربية، وتعنت الاتحاد السوفيتي في إمداد مصر بكل ما تطلبه وتحتاجه من السلاح؛ خاصة الأسلحة الهجومية، وهو ما دفع السادات رئيس مصر في آخر الأمر إلى طرد المستشارين العسكريين والخبراء السوفييت من مصر عام 1972، بما يعني تحمل مصر بمفردها عبء الإعداد والتخطيط والتنفيذ لأي حربٍ قادمةٍ لتحرير سيناء دون أي مساعدة أو معاونة من أحدٍ، وهو ما وقع بالفعل وكان، ولكن بتضحيات جسام وجهود جادة مخلصة فاقت كل هذه التحديات، وتجاوزت كل التوقعات.

وعلى الجانب الآخر: قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بإنشاء سلسلة قوية من الحصون العسكرية، مكوِّنة شبكة متكاملة من المنشآت الدفاعية على طول الشاطئ الشرقي لقناة السويس، بطول 160 كيلو متر من بور فؤاد شمالًا إلى رأس مسلة على خليج السويس جنوبًا، وبعمق ما بين 30 و35 كيلو متر شرق القناة بما يغطي مساحة تبلغ نحو 5000 كيلو متر مربع، تضم ملاجئ محصنة وحقول ألغام مضادة للأفراد، ومواقع تجمع للقوات المدرعة، وقواعد للصواريخ إلى جانب مواقع للمدفعية بعيدة ومتوسطة المدى، ترتبط جميعها بشبكة طرق كبيرة بطول 750 كيلو متر، وقد أطلق على هذه التحصينات القوية اسم: (خط بارليف)، نسبة إلى الجنرال بارليف صاحب فكرة إنشاء هذه التحصينات.

ويزيد الأمر صعوبة: وجود قناة السويس نفسها كفاصل مائي يعد بمفرده مانعًا طبيعيًّا صعبًا تحتمي خلفه قوات العدو شرق القناة، وقد قام جيش الاحتلال الإسرائيلي ببناء ساتر ترابي ضخم على طول الضفة الشرقية للقناة بارتفاع ما بين 20 و25 متر لإخفاء التحركات الإسرائيلية خلفه، وقد تم بناؤه بانحدار وميل يصعب معه تسلق الأفراد له، ويستحيل اقتحام المركبات البرمائية له إذا عبرت القناة. وعرض الساتر يسمح بوجود مصاطب فوقه تتقدم إليها الدبابات عند قصف غرب القناة، مع وجود قضبان حديدية أمام النقاط الحصينة تسمح بتحرك مدافع قوية عليها تشارك في قصف غرب القناة ثم العودة للاختباء في حصونها.

وقد تحمل المصريون في تلك الفترة الزمنية القصيرة بصبر وجلد تحديات استعداد واستيعاب القوات المصرية التام لخوض حرب من نوعية جديدة، حرب إلكترونية حديثة في مواجهة التسليح الإسرائيلي الذي يمتلك أحدث ما وصلت إليه ترسانة الأسلحة الأمريكية الحديثة المتقدمة، والتي زودت بها أمريكا إسرائيل بلا حدود أو تحفظ.

كيف تغلب المصريون على الساتر الترابي؟

كان الساتر الترابي وقناة السويس أمامه، وحصون خط بارليف خلفه، ثلاثة عوائق كبيرة على طول جبهة القتال تمنع نجاح أي عبور للقوات المصرية ودخولها أرض سيناء.

ونظرًا لارتفاع الساتر الترابي وضخامته، وشدة انحدار ميله؛ فقد كانت محاولات التغلب عليه بضربه بالمدافع أو الصواريخ أو نسف أجزاء منه بالديناميت عند محاولة العبور -وهي الطرق التقليدية للتغلب عليه- غير مضمونة النتائج، وتحتاج لوقت طويل إلى جانب أنها مكلفة، وقد تتسبب في خسائر بشرية.

وقد تغلب المصريون بعد طول مناقشة وتفكير على هذه المعضلة بفكرة تجريف رمال الساتر الترابي باستخدام مدافع قوية لضخ المياه بقوة، وفتح الثغرات في الساتر بها، وهي الفكرة التي تقدم بها ضابط مهندس باقي زكي يوسف، وأثبتت التجارب فاعليتها، ونجحت عند العبور في تحقيق الهدف منها.

وباقي زكي يوسف مصري نصراني من مواليد 23 يوليو 1931، تخرَّج من كلية الهندسة جامعة عين شمس قسم ميكانيكا عام 1954، والتحق بالعمل في القوات المسلحة في ديسمبر 1954، وانتدب للعمل في بناء السد العالي في مايو 1964 ثم عاد إلى الجيش بعد هزيمة 1967، وعُيِّن رئيسًا لفرع المركبات برتبة مقدم في الفرقة 19 مشاة الميكانيكية، وكان خلال عمله في مشروع بناء السد العالي في محافظة أسوان قد شاهد عملية إزالة عدة جبال من الرمال والأتربة باستخدام المياه المضغوطة ثم سحبها وشفطها في أنابيب لاستغلالها في بناء السد العالي، فتقدَّم بهذه الفكرة لاستخدامها في تجريف الساتر الترابي، وقد قام المهندس زكي وبعض زملائه بتصميم وتصنيع طلمبات ضغط عالي توضع على عائمات لتحمل في مياه القناة وتنطلق منها المياه من خلال مدافع مائية فائقة القوة في إمكانها إزالة أي عائق أمامها في زمن قصير، وبأقل تكلفة ممكنة وبدون خسائر بشرية.

وقد أجريت التجارب العملية على تلك الفكرة على ساتر ترابي مشابه في جزيرة البلاح بالإسماعيلية، وثبتت فاعليتها، وقد صنعت هذه المدافع في شركة ألمانية بعد إقناع مسئوليها بأنها ستستخدم في مجال إطفاء الحرائق، وأجريت عليها مئات التجارب على هذه المدافع من سبتمبر 1969 وحتى إقرارها للتنفيذ في 1972، وحققت نجاحها الباهر بالفعل في يوم العبور.

وقد منح الرئيس السادات نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى للمهندس باقي زكي يوسف تكريمًا له في عام 1974، كما منحه الرئيس مبارك وسام الجمهورية من الطبقة الثانية في أول يوليو عام 1984 بمناسبة تقاعده عن الخدمة العسكرية بعد أن أمضى خمس سنوات وهو على رتبة لواء.

وقد توفي في 23 يونية 2018 عن عمر يناهز 87 عامًا.

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة