الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوصايا النبوية (3) (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ) (موعظة الأسبوع)

الوصايا النبوية (3) (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ) (موعظة الأسبوع)
السبت ١٧ سبتمبر ٢٠٢٢ - ١٠:٤٣ ص
222

الوصايا النبوية (3) (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم:

 عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ) (رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني).

- اشتملت هذه الوصية على وصايا عظيمة، هي للأمة كلها؛ فهذا هو الأصل في الخطاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الوصية الأولى: الاستعداد للموت وفراق الأحبة:

- (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ): مهما طال عمرك في هذه الحياة الدنيا، فإن الموت مصير محتوم: قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: 185)، وقال تعالى: (‌إِنَّكَ ‌مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:03)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إلى مُوسَى عليه السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إلى رَبِّهِ، فَقَالَ: أرْسَلْتَنِي إلى عَبْدٍ لا يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللَّهُ عليه عَيْنَهُ وقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ له: يَضَعُ يَدَهُ علَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بكُلِّ ما غَطَّتْ به يَدُهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ... ) (متفق عليه).

- (وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ): واعلم أن الموت مفرِّق الأحبة (زوجات، وأولاد، وآباء، وإخوة، وأصحاب)، ولن يخلد أحد في هذه الحياة الدنيا، فعلى الجميع أن يعمل بالصالحات حتى تجمعهم الجنة عند الله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الطور: 21)، وقال تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ) (الرعد: 23).

- وإذا كان الموت حتم لازم، وفراق الأحبة لا بد حاصل، فينبغي على العبد أن يستعد للقاء ربه؛ لأنه قد يأتيه الموت بغتة؛ ولذا نبَّه بعدها الى الاستعداد للحساب والجزاء.

الوصية الثانية: الاستعداد للحساب والجزاء:

- (وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ): فالإنسان بعد الموت سيحاسب على كل ما عمل من خير وشر، قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8)، وقال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) (آل عمران: 30)، وقال تعالى: (وقالوا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف: 49).

- (وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ): الأعمال ستوزن بميزان دقيق جدًّا، قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47).

- وعند ذلك سيعرف الجميع قيمة الحسنة الواحدة، وضرر السيئة الواحدة: قال تعالى: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة: 6-11).

- (وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ): فعلى العبد أن يكثر من العمل الصالح، ويتجنب العمل السيئ، فإنه رفيقه في قبره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقَى معهُ واحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويَبْقَى عَمَلُهُ) (متفق عليه).

الوصية الثالثة: ما يرفع العبد في الدنيا والآخرة:

- (وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ): فقيام الليل يرفع قدر العبد عند الله وعند الناس؛ لأن آثاره تظهر على العبد في الدنيا والآخرة؛ سُئِل الحسن البصري -رحمه الله-: "مَا بَالُ الْمُتَهَجِّدِينَ بِاللَّيْلِ أَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا؟ فقَالَ: لأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ، فَأَلْبَسَهُمْ نُورًا مِنْ نُورِهِ" (إحياء علوم الدين للغزالي).

وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات:15-18)، وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة: 16-17).

- (وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ): ولذلك كان مِن أول ما فرض على المؤمنين، فعن سعد بن هشام بن عامر، قال: "قلت لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه-: حدِّثيني عن قيامِ اللَّيلِ، قالت: ألستَ تقرأُ: (يَا أيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟)، قالَ: قلتُ بلَى، قالت: فإنَّ أوَّلَ هذهِ السُّورةِ نزلَت، فقامَ أصحابُ رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتفخَت أقدامُهُم، وحُبسَ خاتمتُها في السَّماءِ اثنَي عشرَ شَهْرًا، ثمَّ نزلَ آخرُها، فصارَ قيامُ اللَّيلِ تطوُّعًا بعدَ فريضةٍ... " (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- (وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ): ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتركه سفرًا ولا حضرًا، فعن عبد الله بن قيس قال: قالت لي عائشةُ -رضي الله عنه-: "لاَ تدع قيامَ اللَّيلِ؛ فإنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ لاَ يدعُهُ، وَكانَ إذا مرضَ أو كسلَ، صلَّى قاعدًا" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

الوصية الرابعة: الاستغناء عن الناس:

- (وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ): التعلُّق بالناس يضعف الإيمان بالوكيل المنان سبحانه وتعالى، قال تعالى: (‌وَعَلَى ‌اللَّهِ ‌فَتَوَكَّلُوا ‌إِنْ ‌كُنْتُمْ ‌مُؤْمِنِينَ) (المائدة: 23)، وقال: (‌وَتَوَكَّلْ ‌عَلَى ‌الْحَيِّ ‌الَّذِي ‌لَا ‌يَمُوتُ) (الفرقان:58)، وقال: (‌وَتَوَكَّلْ ‌عَلَى ‌اللَّهِ ‌وَكَفَى ‌بِاللَّهِ ‌وَكِيلًا) (النساء: 81).

- (وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ): التعلق بالناس وانتظار إحسانهم يورث الذل والمهانة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) (متفق عليه)، "وكان محمد بن واسع يَبِلُّ الخبزَ اليابس بالماء ويأكل، ويقول: مَنْ قنع بهذا، لم يَحْتَجْ إلى أحدٍ) (إحياء علوم الدين للغزالي). وقالوا: "الإنسان أسير الإحسان".

- فعلى العبد أن يعلِّق قلبه بالغني الحميد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ‌سَأَلْتَ ‌فَاسْأَلِ ‌اللَّهَ، ‌وَإِذَا ‌اسْتَعَنْتَ ‌فَاسْتَعِنْ ‌بِاللَّهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

خاتمة:

- إعادة ذكر الحديث وإشارة مجملة إلى فضل الوصايا التي اشتمل عليها.

فاللهم اجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة