الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوصايا النبوية (4) التحذير من اتخاذ القبور مساجد (موعظة الأسبوع)

الوصايا النبوية (4) التحذير من اتخاذ القبور مساجد (موعظة الأسبوع)
السبت ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٢ - ١٠:٤٣ ص
52

الوصايا النبوية (4) التحذير من اتخاذ القبور مساجد (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم: عن جندب -رضي الله عنه- قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قبْلَ أنْ يُتوفَّى بخمسِ ليالٍ خطَب النَّاسَ، فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ ‌كَانَ ‌فِيكُمْ ‌إِخْوَةٌ ‌وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ أَتَّخِذَ مِنْكُمْ خَلِيلًا، وَلَوْ أَنِّي اتَّخَذْتُ مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ). (رواه مسلم، وابن حبان واللفظ له).

- الإشارة إلى معنى الخلة، وهي أعلى أنواع المحبة، وأن الله لم يثبتها إلا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- وإبراهيم -عليه السلام: قال الله -تعالى-: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء: 125)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ اتَّخَذني خليلًا كما اتَّخَذ إبراهيمَ خليلًا) (رواه مسلم).

الوصية بعدم اتخاذ القبور مساجد:

- هي من أهم وصاياه -صلى الله عليه وسلم- حيث جاءت قبل موته بزمن يسير، وكرر ذلك عند موته -صلى الله عليه وسلم-: فعن عَائِشَةَ وعَبْدَ اللَّهِ بنَ عَبَّاسٍ قالَا: لَمَّا نَزَلَ برَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً له علَى وجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بهَا كَشَفَهَا عن وجْهِهِ، فَقالَ وهو كَذلكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ علَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) يُحَذِّرُ ما صَنَعُوا. (رواه البخاري).

- اتخاذ القبور مساجد مشابهة لليهود والنصارى: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنهما-، ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصَّالِحُ، أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ) (متفق عليه).

- الشيعة والصوفية تشبَّهوا باليهود والنصارى، وخالفوا وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحذيره: قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ مِنْهُمْ) (رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح").

حكمة تحريم اتخاذ القبور مساجد:

1- سد ذريعة الشرك بالله: حيث يقصد بعض الناس عبادة الله عند قبور الصالحين، فيسجدون ويركعون بحجة بركة المكان، فيقلدهم الجهلة ثم يصرفون ذلك لصاحب القبر!

2- ادِّعاء البركة للبقاع التي بها لقبور: فيتمسحون ويتلمسون البركة فيها، بصور يندى لها الجبين، مما يفضي إلى الشرك.

3- لعدم الغلو في صاحب القبر: لأن هذا الغلو يفضي إلى عبادة صاحب القبر، بصرف الدعاء والاستغاثة، وطلب جلب النفع ورفع الضر إليه من دون الله، وهو شرك أكبر، وهو سبيل المشركين في عبادة الأصنام.

4- إن أول شرك وقع على الأرض كان بسبب الغلو في الصالحين؛ فسدَّ الإسلام كل طريق يؤدي إلى ذلك: قال ابن كثير في تفسير قوله -تعالى-: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (نوح: 23)، "وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح -عليه السلام-، لما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها تصاوير -أنصابًا- وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلكوا ونُسِخ العلم عُبِدت" (فتح البارئ شرح صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة نوح).

- القبور والأضرحة في المساجد من مظاهر الشرك في الأمة:

- انتشرت القبور والأضرحة في الأمة بشكل خطير، وقد زيَّنوها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة، وصارت لها مواسم وأعياد، وفاقوا في ذلك غلو اليهود والنصارى ومشركي العرب(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ) قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: (فَمَنْ؟) (رواه البخاري).

- الشيعة والصوفية بطوائفهم يضعون الأحاديث في فضل زيارة القبور والأضرحة، ومِن كذبهم: "مَنْ زَارَ الحسينَ بَعد مَوتِه فَلَهُ الجَنَّة" (مصدر شيعي، تهذيب الأحكام)، ويقولون: قال الإمام الصادق -عليه السلام-: "زيارة الحسين عليه السلام تعدل مائة حجة مبرورة، ومائة عمرة متقبلة" (الأنوار البهية - الشيخ عباس القمي).

- الشيعة والصوفية بطوائفهم يدعون محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، وهم أكثر الناس مخالفة له: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيْدًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فاتخذوا القبور أعيادًا وموالد، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهي عن الصلاة عند القبور: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُم قُبُورًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فجعلوا أفضل الصلاة عند القبور!

- وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن تشييد القبور، فقاموا يرفعونها ويزينونها: فعن جابرٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: "نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجصَّصَ القبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبنَى عليه" (رواه مسلم)، وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن إيقاد السرج عندها، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ القُبُورِ، وَالمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا ‌المَسَاجِدَ ‌وَالسُّرُجَ" (رواه أبو داود والترمذي، وضعفه الألباني)، فقاموا يزينوها بالأضواء الكثيرة.

- وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن التقرُّب عند أماكن ارتكاب الشرك: فعن ثابت بن الضحاك قال: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا ‌بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا ‌بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟) قَالُوا: لَا، قَالَ: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟)، قَالُوا: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فقاموا يتقربون بالصلاة والدعاء والسجود، وغيره عند القبور، حيث مظاهر الشرك.

- وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن سؤال غير الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَأَلْتَ ‌فَاسْأَلِ ‌اللَّهَ، ‌وَإِذَا ‌اسْتَعَنْتَ ‌فَاسْتَعِنْ ‌بِاللَّهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فقاموا يسألون أهل الأضرحة الشفاء والحاجات!

- ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شَدِّ الرحال لغير المساجد الثلاث: (لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) (متفق عليه)، فشدوا الرحال إلى القبور والأضرحة! وغير ذلك كثير.

- الحذر من مخالفة وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-: مَن اتخذ القبور مساجد؛ فقد خالف الوصية، فلينتظر النهاية المأسوية: قال الله -تعالى-: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 115)، وقال -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 63)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى)، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟! قالَ: (مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى) (رواه البخاري).

- خاتمة: عود على بدء.

- التذكير بالحديث المتضمن للوصية لتثبيت الوصية في الأذهان.

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا مِن المتبعين لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تنتشر الأضرحة في البلاد الإسلامية بشكلٍ مخيفٍ؛ فعلى سبيل المثال: في مصر وحدها ستة آلاف ضريح على إحصائية قديمة، وفي القاهرة وحدها نحو ثلاثمائة ضريح، وفي مدينة صغيرة تسمى فوة بكفر الشيخ (81 ضريحًا)، وفي مركز تلا بالمنوفية (188 ضريح)؛ هذا بخلاف الأضرحة التي ليس بها أموات أصلًا، وغير معروفة بالجهات الرسمية. وهذه الأضرحة تُحْكَى عنها آلاف الروايات الخرافية التي تشتمل على الشرك والجهل في أسوأ صورة.

ويحسن الإشارة الى بعض أكاذيب القبوريين وخرافاتهم:

- كالقصة المشهورة في الإسكندرية بمصر حول القبر الذي في الطريق، وقد حاولوا توسعة الطريق، فشلت يد الرجل الذي حاول ذلك، فتحايلوا على الالتفاف حول القبر بالطريق، ويزعمون أنه قبر "أبي الدرداء".

- وكقصة الرجل الذي مات حماره بالطريق فدفنه، ثم ذهب إلى أهل القرية، وزعم أن الولي الفلاني لقيه في الطريق وهو مشرف على الموت، وقال له: "سلِّم على أهل القرية، وقل لهم: استوصوا بقبري خيرًا، فقام أهل القرية ببناء الضريح وجعلوا الرجل عليه وصيًّا تهدى إليه النذور والقربات!".

- وكقصة "سيدي أبو نبوت" الذي كان سارقًا، يتسلق على بيوت الناس ليلًا بواسطة عصا ملوية -يسميها أهل الصعيد: نبوت- وذات ليلة تسلق على جدار بيت ليسرقه، فلصقت عصاه بالجدار، وظل معلقًا بها حتى مات، فلما أصبح أهل القرية وجدوه كذلك، فعجبوا من ذلك، وكان القرار بالإجماع أن يتخذوا له ضريحًا مكانه! ومن يومها يعرف بضريح "سيدي أبو نبوت"، الذي تنسج حوله الخرافات الشركية كما هو الحال عند سائر الأضرحة. وإنا لله وإنا إليه راجعون، قال الله -تعالى-: (‌وَمَنْ ‌أَضَلُّ ‌مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الأحقاف: 5).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة