الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع سورة الكهف (9)

وقفات مع سورة الكهف (9)
الثلاثاء ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١٢:٣٢ م
69

 

وقفات مع سورة الكهف (9)

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنواصل الحديث عن وقفاتنا مع سورة الكهف؛ قال الله تعالى: "وَلَبِثوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا"، أي: مكثوا ثلاثمائة سنة شمسية وازدادوا تسعًا بالهلالية؛ فإن تفاوت كل مائة سنة قمرية إلى الشمسية ثلاث سنوات؛ ولهذا قال تعالى: "وَازْدَادُوا تِسْعًا"، ولما سألوه أيامًا أو شهورًا أو سنين، قال تعالى: "سِنِينَ".

ولما قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة؛ فقد عرفنا، وأما التسع فلا علم لنا بها، فنزلت: "قُلِ اللَّهُ  أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ"، فرد قول أهل الكتاب وذكر تعالى قوله: "أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ"؛ لأنهما مناط العلم السمع والبصر.

قال الطبري رحمه الله: "وذلك بمعنى المبالغة في المدح كأنه قيل: ما أبصره وما أسمعه" (انتهى)، أي: يستوي في علمه الغائب والحاضر، والخفي والظاهر، والصغير والكبير، فما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه من ذلك شيء؛ ولذلك عقَّب تعالى بقوله: "مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ"، وقيل: الضمير عائد لأهل السموات والأرض. وقيل: لأهل الكهف. وقيل: لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار.

قال السعدي رحمه الله: "أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة؛ فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون الولي لعباده المؤمنين يخرجهم من الظلمات إلى النور، وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى" (انتهى)؛ ولذلك "وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا"، وهذا شامل لكل ما يقتضيه جل وعلا، ويدخل في ذلك التشريع دخولًا أوليًّا، ولا يدخل في ذلك أحد يستشيره أو يستأمره، ولا يشرك في علم غيبه أحدًا، ثم جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم: "وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ"، أي: على وجه الملازمة والاتباع والاستمرار، ولأن الكفار كانوا يقولون له: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، فكان الجواب الواضح: "لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ"، أي: لا مغيِّر لما أوعد  بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحينا إليك، وانتبه: "وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا" أي: ملجأ أو موئلًا. وقيل: أحد تميل إليه.

"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم" أي: احبسها وثبتها في تلاوته وبيان معانيه. وقيل: نزلت في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال، وابن مسعود، ونحوهم؛ لما أراد صناديد قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين؛ لأن هؤلاء "يَدْعُونَ رَبَّهُم ِبالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"، فهم يدعون ربهم أول النهار وآخره لا يريدون به عرضًا من عرض الدنيا، وفيها إثبات الوجه له تعالى وأمره تعالى بأن "وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" أي: لا تجاوزهم إلى غيرهم، وكأنه يؤمر بأن تكون عينيه ثابتتان في الرنو إليهم.

وقيل: أي: لا تتجاوزهم عيناك، وتنبو عن رثاثة زيهم محتقرًا لهم طامحًا إلى أهل الغنى والجاه والشرف بدلًا منهم، "وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ"، وانظر إلى بلاغة التعبير القرآني فلم يقل: لا تطع من أسكتنا لسانه، بل قال: "أغفلنا قلبه"، وفيها نهي عن الالتفات للغافلين.

ولأن اللسان قد يكون ذاكرًا، لكن القلب يكون غافلًا؛ فلا يستفيد من ذلك شيئًا، وإذا كان القلب غافلًا فلا سبيل له؛ إلا أن يُقاد عن طريق هواه؛ ولذلك عقب بقوله: "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ"، "وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"؛ لأن مَن غفل قلبه عن ذكر الله، واتبع هواه وخالف الحق ضائع هالك لا محالة، ويُستفاد من هذه الآية: "عدم طاعة من جُمعت فيه هذه الصفات من الغفلة واتباع الهوى ومخالفة الحق".

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة