السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر كأنك تراها (8)

حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر كأنك تراها (8)
الثلاثاء ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١٢:٣٥ م
77

 

حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر كأنك تراها (8)

معركة (تبة الشجرة) كما رواها أبطالها (2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعد مضي نصف قرن هجري من الزمان على حرب العاشر من رمضان 1393 إلى رمضان 1443 هـ - السادس من أكتوبر، رَحَل -أو يكاد- مَن حضروا هذه الحرب أو عاصروها؛ فلزم علينا أن نذكِّر الأجيال الجديدة بهذه الحرب المجيدة، وما قدَّم المصريون فيها مِن تضحياتٍ، وما بذلوه من جدٍّ واجتهاد في قوة تحمُّل وصبر، وإخلاص وصدق حقَّقوا به مجدًا كبيرًا في ظروف أسوأ وأصعب بكثيرٍ مِن الظروف التي نعاني منها حاليًا؛ إنها روح العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر التي نفتقدها الآن، ونحن أحوج ما نكون إليها. 

جاء صباح يوم السبت العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر عام 1973، والنقيب طلبة رضوان متأهب مع جنوده لعبور القناة كمفرزة أمامية متقدمة عند صدور الأمر بذلك، وتنفيذ مهمة الاستيلاء على (تبة السبعات) والتمركز فيها للتعامل مع أي دبابة أو مدرعة من الاحتياط المتحرك للعدو، تتجه نحو الضفة الشرقية للقناة خلال عبور القوات المصرية للقناة في قواربهم المطاطية.

كانت المهمة صعبة للغاية ونتائجها يصعب التنبؤ والجزم بها، لكنه لا مجال مهما كان الثمن للفشل فيها؛ كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ حروبنا مع اليهود، أن تعتمد القيادات على فرد المشاة في مواجهة المدرعات الإسرائيلية، وسلاح المدرعات الإسرائيلي هو أفضل ما يملكه الجيش الإسرائيلي ويعتمد عليه دائمًا في حسم المواقف، ولديه أحدث طراز من الدبابات الحديثة الأمريكية وقتها. 

وقد تدربت قوات المشاة المصرية جيدًا على مواجهة الدبابات واقتناصها، ولكن بالطبع أجواء القتال تختلف عن التدريب؛ إضافة إلى أن قاذف الصواريخ (آر بي جي) وإن أحرز نتائج طيبة في الرماية على أهداف صناعية؛ إلا أنه لم يجرب في الحروب في مواجهة المدرعات مِن قَبْل؛ حتى مِن قِبَل أولئك الذين صنعوه.

ويزيد الأمر صعوبة: قيام أفراد المفرزة المتقدمة بمفردهم مواجهة المدرعات الإسرائيلية لمدة ليست بالقصيرة لحين وصول باقي القوات، مع احتمالية عدم كفاية الذخيرة رغم كمياتها الكبيرة، والتي من أجلها خُصص أفراد لحمل الزائد منها في العبور، وكان الخبراء الروس يتوقعون أن تكون خسائر العبور نحو 70 % من القوات المصرية المهاجمة.

ويذكر النقيب طلبة -فيما ذكره عن تفاصيل هذا اليوم-: أنه رغم دخول الصباح، فلم تصل مواتير القوارب المطاطية، ومع عدم وجود فرصة أثناء النهار لدخول أي شيء للموقع أو الخروج منه لدواعي السرية التامة، تقرر أن يكون العبور باستخدام المجاديف. 

وفي الساعة 11 صباحًا تم إبلاغ النقيب طلبة بأن ساعة الصفر للمفرزة التي سيقودها هي الساعة 2 ظهرًا، بينما سيكون تحرك باقي الكتيبة الساعة 2 ظهرًا و20 دقيقة، فقام بإخبار قادة الفصائل بالتوقيت المحدد للاستعداد حيث تحرك كلُّ فردٍ إلى موقعه. 

وقبل الثانية بدقائق تم جمع الأفراد وإعطاء كلمة معنوية حماسية وتركيب سناكي البنادق، وإنزال القوارب في مياه القناة، وفي ساعة الصفر انطلقت القوارب تشق طريقها إلى الضفة الشرقية؛ الكل يجدف حتى مَن ليس معه مجداف كان يجدف بيديه أو بدبشك البندقية. 

ما إن وصلت القوارب للشاطئ بدأ صعود الساتر الترابي، وهو من أصعب ما يكون؛ خاصة مع ثقل شدة أسلحة القتال والتي كان وزنها وهي كاملة 25 كيلو جرام، وقد تم استغلال مجارٍ للسيول حفرتها الأمطار والسيول في الساتر الترابي من قبل، تنكسر عندها حِدَّة ارتفاع الساتر، وكان قد تم رصد هذه المجاري من قبل أثناء استطلاع نقاط العبور، وتم الاتفاق على استخدامها، وصعود الساتر الترابي من خلالها سريعًا.

وبمجرد صعود الساتر تم تثبيت عَلَم مصر عليه، ومع وصول جميع الجنود أعلى الساتر، بدأ تقدم الجميع في تشكيل واحد، وقد اكتشف أحد الجنود أثناء التقدم حزمة أسلاك تليفونية تمثِّل الوصلة بين النقط القوية والاحتياطي فقام بقطعها، وبعد الوصول إلى تبة السبعات تم رفع عَلَم مصر عليها أيضًا.

تم تشكيل السرية في وضع دفاعي شرق القناة على نسقين: فصيلتان في النسق الأول، وفصيلة في النسق الثاني، ودورية تأمين خلف السرية للإبلاغ عن أي دبابات تظهر من الخلف.

وفي يوم الأحد "الحادي عشر من رمضان - التاسع من أكتوبر" تم رصد دبابة إسرائيلية على الطريق العرضي بمحاذاة قناة السويس على بعد 800 متر خلف السرية، فتم تعطيل الدبابة ومحاصرتها حتى استسلم قائدها، وتم رصد دبابة أخرى للعدو تسللت حتى وصلت إلى حدود فصيلة النسق الثاني للسرية، فتم تعطيلها واشتعل محركها وتم محاصرتها حتى استسلم قائدها.

وفي مساء يوم الاثنين الثاني عشر من رمضان - الثامن من أكتوبر، كانت الأوامر بتجهيز السرية للدفع بها للاشتباك عند مهاجمة تبة الشجرة، فكان التنفيذ في الحال وتجهيز السرية. 

وفي يوم 13 أكتوبر وأثناء مراقبة طائرات العدو أثناء قصفها لمواقع الكتيبة تم ملاحظة تكرر قصف الطائرات لمنطقة يمين الكتيبة معلوم عنها أنها خالية من أي قوات، اسمها على الخريطة: (القلب المهجور)، وباستطلاع المنطقة لمعرفة سبب قصفها تبيَّن أن المكان عبارة عن ورشة إصلاح تركها العدو سليمة، فتم إبلاغ قيادة الفرقة عنها، فتم الاستيلاء عليها، وتفريغ ما فيها من معدات، وقطع غيار وأسلحة، ومهمات، وتعيينات. 

ويذكر النقيب طلبة: أنه في يوم 16 أكتوبر تعرضت السرية لقصف جوي مركَّز عليها، نتج عنه مقتل 9 جنود وإصابة 16 آخرين؛ مما تسبب في استهلاك جميع مواد الإسعاف الموجودة بالسرية؛ مما اضطره لطلب إمداد الكتيبة بمواد طبية لإعادة المستهلك مِن مواد الإسعاف، وذكر أن الذي زاد من استهلاك مواد الإسعاف رفض بعض الجنود المصابين مغادرة الموقع للذهاب إلى المستشفى، فكانوا يحتاجون إلى الغيار على الجروح يوميًّا؛ مما زاد مِن استهلاك المواد الطبية بالكتيبة أكثر مِن الكميات المعتادة. 

وقد استمر عطاء النقيب طلبة رضوان في القوات المسلحة بعد انتهاء حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر حيث عمل كرئيس عمليات الكتيبة، ثم رئيس أركان حرب عمليات بقيادة اللواء، ثم قائد ثان للكتيبة، ثم قائد لكتيبة المشاة، ثم التحق بدورة قادة ألوية المشاة، حيث حاز المركز الأول بمعهد المشاة، ثم عمل قائدًا لمدة 6 سنوات لمدرسة الأسلحة بمعهد المشاة، ثم قائدًا لمركز تدريب المشاة، ثم مساعدًا لمدير سلاح المشاة لمدة عامين حيث أحيل للتقاعد عام 1996، ولكن كان يتم استدعاؤه لإلقاء محاضرات للقادة العسكريين بمعهد ناصر العسكري بما يعرف بمحاضرات نقل الخبرات. 

رواية ملازم أول محمد إسماعيل شمس الدين: 

هو من مواليد 17 يناير 1948، من (أبو صير) مركز سمنود محافظة الغربية، حصل على ليسانس الآداب والتربية قسم الفلسفة كلية التربية جامعة الإسكندرية عام 1970، والتحق بعد تخرجه بكلية الضباط الاحتياط الدفعة 28 احتياط عام 1970.  

وكان وزير الحربية أحمد إسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلي رحمهما الله، قد قررا تجنيد كل خريجي المؤهلات العليا كضباط احتياط في القوات المسلحة؛ للاستفادة من مستواهم العلمي في تقوية القوات المسلحة؛ سواء في النواحي الفنية العلمية لبعض الأسلحة، أو في الأسلحة العادية.

لم يشهد الملازم أول محمد شمس حرب الاستنزاف؛ لأنها كانت قد توقفت قبل تخرجه من كلية ضباط الاحتياط، لكنه حضر مع كتيبته مدة الإعداد والتدريب والتجهيز لحرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر، وبعد تخرجه تم توزيعه قائدًا لفصيلة مشاة بالسرية الثالثة؛ حيث شارك في التدريب الشاق في شتاء قارص شديد البرودة، شديد المطر. 

ولما تولَّى المقدم رجب عثمان قيادة الكتيبة نال شمس إعجابه لإجادته عمل خرائط إعداد قرار قائد الكتيبة، فقام بنقله للعمل مع قيادة الكتيبة قائدًا لسرية الرشاشات. 

وكانت سرية الرشاشات التي تولى الملازم أول محمد شمس قيادتها تتكون من فصيلة مدافع ماكينة تجر على عجل صغير موزعة كدعم مع سرايا المشاة، وفصيلة م / ط عبارة عن 3 مدافع م / ط 7و12 مم مضاد للطيران، ولكن نظرًا إلى السرعة الفائقة للطائرات الحديثة؛ فقد تم تعديل المهام القتالية لهذه المدافع الموروثة من الحرب العالمية الثانية لتستخدم في ضرب حاملات الجنود نصف المدرعة أو خفيفة التدريع، ولأنها مدافع ثقيلة الوزن فقد تم تزويد السرية بمركبتين (توباز برمائي) للعبور بهما حال العبور؛ إذ لا تصلح القوارب المطاطية للعبور بهذه المدافع الثقيلة، وكان تمركز السرية بمنطقة (أبو رخم) خلف الكتيبة بحوالي 200 متر، وكان يتم تدريب السرية بجزيرة البلاح. 

قال الملازم أول محمد شمس: (لا أنسى الثقة التي تجعل قائد كتيبتي المقدم رجب عثمان يثق فيَّ وأنا ما زلتُ ملازم أول احتياط لتولي منصب قائد لسرية الرشاشات، وأكون مسئولًا عن مركبتين توباز برمائية تحت قيادتي المباشرة بمنطقة (أبو رخيم) غرب القناة وخلف الكتيبة بحوالي 200 متر، أجري لهما التمويه الكافي حتى لا يراها العدو، ولا تكشفها أقمار التجسس، وتعبئة القوات والعتاد بهما، ثم أعطي أنا الأمر بالتشغيل وبالتحرك وبالعبور). 

ويضيف: (والحقيقة: إن كل قيادات الجيش في هذه المرحلة تستحق من جميع المصريين على مَرِّ الأجيال التحية والتقدير؛ هذه القيادات جعلت مني قائدًا ناجحًا في عملي المدني بعد خروجي من الجيش أواخر 1975). 

ولما كان الملازم أول شمس قد اشتهر بإجادة عمل خرائط إعداد قرار قائد الكتيبة؛ فقد قام إلى جانب عمله القتالي برسم كل قرارات وخرائط القتال في حرب العاشر من رمضان للمهمة المباشرة، وللمهام القتالية للكتيبة، وكان ذلك سببًا لمنعه من النزول أي إجازة قبل الحرب؛ نظرًا لسرية العمل الذي يقوم به. 

ويذكر ملازم أول محمد شمس: أن التدريب للحرب شمل كل فصول السنة، وفي أماكن شبيهة بقناة السويس وطبيعة سيناء؛ خاصة منها التدريب في مشروع تكتيكي بمنطقة (الخطاطية) بالمنوفية، ثم تكرار التدريب على أوقات في منطقة (البعالوة)، حيث الرياح المائية أو المصرف المائي الكبير الشبيه بقناة السويس، والتدرب في القناة نفسها بعد توقف حرب الاستنزاف عند جزيرة (البلاح) من خلال مركبات (التوباز) البرمائية، وكان التدريب يتم بالتبادل فتترك القوات المتوجهة للتدريب مواقعها على القناة لقوات أخرى تحل محلها وترجع إلى الخلف للتدريب لمدة، ثم تعود إلى مواقعها من جديد بعد انتهاء التدريب، وهكذا. 

ويذكر الملازم شمس: أن أول تكليف له للمعركة كان يوم العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر؛ حيث استدعاه المقدم رجب عثمان قائد الكتيبة إلى مكتبه نحو التاسعة صباحًا، وأبلغه بساعة العبور؛ فبكى من الفرحة.  

وكان أمر القتال له في يوم العبور، أمر بتشغيل المركبات الساعة الثانية إلا خمس دقائق ظهرًا، ثم مع سماع انطلاق الطيران وطلقات المدفعية الساعة الثانية وخمس دقائق يكون التحرك للأمام والعبور للقناة، ثم تسلق الساتر الترابي بمدفعيتنا بأسرع ما يمكن، واللحاق بسرية المفرزة المتقدمة بقيادة النقيب طلبة رضوان مع بداية تعاملها مع دبابات إسرائيل الاحتياطية القادمة من تبة الشجرة إلى تبة السبعات؛ لمساعدتها في مواجهة أي عربات جند تحاول أن تتقدم تجاه قواتنا، وهو ما تم تنفيذه بدقة حيث كان هناك تدريب عليها طوال الثلاث سنوات السابقة للمعركة.

وقال الملازم محمد شمس: (لا أنسى أبدًا يوم 6 أكتوبر الساعة الثانية إلا خمس دقائق (سعت 1355)، بدأت في تنفيذ الأوامر المعطاة لي؛ فأعطيت أمرًا للمركبتين التوباز (شغل مكن) للتسخين بعد أن تممت على الجنود والمدافع بداخل المركبات، وكلفت (صول) السرية بركوب إحدى المركبتين، وأغلقت فتحة الخروج العلوية (البرج) عليهم، وأغلقت فتحة الخروج العلوية للمركبة الثانية، لكنني كنت مُصِرًّا أن أجلس أعلى المركبة على البرج وليس بداخلها وخلفي المركبة الأخرى، وفي سعت 1405 (الثانية وخمس دقائق) مع أول طلقات المدفعية أعطيت أمر: (مارش، على بركة الله) بأعلى صوتي وبإشارة يدي، وبعد خمس دقائق كنا على شاطئ القناة من خلال المعبر المخصص لنا.

ولن أنسى أبدًا الروح العالية لرجال مصر المقاتلين وهم ينفخون القوارب استعدادًا للعبور، والكل يهتف بأعلى الصوت: الله أكبر، وجوههم قوة وعزيمة وإصرار، بلا خوف مع أن أمامنا (دشمة نمرة 6 لخط بارليف المحصَّن)، ولكن قواتنا في الخلف والقناصة المتمركزين على المصاطب العالية غرب القناة كانت تتعامل مع هذه الدشمة، فلم تتمكن من التعامل معنا ونحن نَعْبُر، ويقف وسط الجنود ويتابع قائد الكتيبة ورئيس العمليات وقادة السرايا والفصائل، وكأننا في أحد التدريبات بالبعالوة أو جزيرة البلاح. 

ولن أنسى أبدًا صيحات سيادة المقدم رجب لي وأنا أمر بالمركبة بجانبه: (يا شمس انزل جوه واقفل عليك)، حسيت إنه أبويا خايف عليَّ مش مجرد قائد خايف على قواته، فابتسمت له وقلت له: معلش يا فندم أرجوك، فابتسم وحياني بيده. 

كما لا أنسى تحية صديقي العزيز الحبيب النقيب (أحمد علي النحاس) قائد ثان للسرية الثانية، وكانت آخر تحية بيني وبينه، فلم أره منذ هذه اللحظة وحتى اليوم حيث استشهد يوم 7 أكتوبر. 

كما لا أنسى تحية صديقي العزيز الحبيب ملازم أول (سعيد عبد الوهاب إمام) وعبارته التي ما زالت ترن في أذني ودعابته الجميلة المعهودة، وضحكته الملائكية التي يعرفها الجميع: (اوعَ تموت يا شمس)، واستشهد الملازم أول سعيد عبد الوهاب يوم 13 أكتوبر. 

لن أنسى منظر القناة ونحن نعبر صفحة المياه الساكنة تمامًا بلا موجة كأنها ترحِّب بنا، سوى الموجات الخفيفة لمركبتين، كم كنت أتمنى أن يكون معي كاميرا وأنا أعلى المركبة فأصور هذا المنظر البديع، ومنظر القوارب وسواعد الرجال تضرب بالمجاديف في المياه خلفنا؛ كل يتسارع ليصل أولًا، وفي أقل من عشر دقائق وصلت بالمركبتين إلى الشاطئ الشرقي للقناة، ولكن قابلتني صعوبة وجود بعض الصخور في المياه قرب الشاطئ تمنع المركبتين من الرسو على الشاطئ فوجدت أن المسافة بسيطة، ورأيت أرض القناة تحت الماء فنزلت في الماء إلى وسط جسمي تقريبا، وأمرت بالنزول للجميع وحمل المدافع، ولم ننتظر حتى ترسو تمامًا حرصًا منا على وقت الوصول إلى تبة السبعات لتحقيق المهمة المباشرة الكتيبة، وبلا شعور وبلا تفكير مسبق رقدنا جميعًا على رصيف القناة نُقَبِّل أرض سيناء. 

وكانت أكبر الصعوبات صعود الساتر الترابي، فلم ننتظر السلالم الخشبية، وفككنا المدافع إلى أجزاء وصعدنا بها، وبأقصى سرعة وحسب التدريب، وصلنا إلى تبة السبعات خلال أقل من 20 دقيقة، وكنا أول قوات تلحق بسرية المفرزة، ونصبنا مدافعنا للتعامل مع أي مركبات أو حاملات جنود، بينما سرية المفرزة التي سبقتنا بقيادة البطل النقيب طلبة رضوان كانت تتعامل مع دبابات الاحتياطي القريبة الإسرائيلية وتدمرها بالصواريخ المحمولة المضادة للدبابات (الفهد)، وبهذا نجحنا في عدم اقتراب الاحتياطي القريب من الوصول إلى القناة؛ مما مَكَّن قواتنا التي عبرت خلفنا من العبور بأمان). 

ويذكر الملازم محمد شمس: أن السرية ظلت في تبة السبعات يومي: 6 و7 أكتوبر، ثم كان التحرك مساء 8 أكتوبر نحو المهمة التالية، وهي اقتحام تبة الشجرة حيث مركز قيادة العدو المتقدم في المنطقة، وهو موقع حصين لا تستطيع المدافع أو الطيران تدميره؛ بسبب صخوره الطبيعية. 

ويذكر الملازم أول محمد شمس عن مهاجمة تبة الشجرة: أن أفراد الكتيبة كانوا يتقدمون بخطوات كلها شهامة وإصرار على اقتحام المركز الحصين؛ سرية اليمين السرية الأولى تؤمن يمين التبة، وسرية اليسار السرية الثالثة تؤمن يسار التبة، وسرية المنتصف السرية الثانية تقتحم من أعلى التبة، بينما سرية الرشاشات التي يقودها الملازم أول شمس بمدافعها تضرب أي مركبات حاملة للجند، فأصابت كثيرًا منها، بينما سرية الهاون تضرب بدانتها من خلف قواتنا، وتم اقتحام الحصن ساعة الفجر، وفرَّ الإسرائيليون تحت وابل الرصاص من كل مكان، ودمرت معظم العربات التي كانت تنقلهم.

وبعد الاستيلاء على التبة بدأت عمليات حفر المواقع على التبة؛ استعدادًا لمحاولات العدو لاستعادة التبة، وكانت أشد هذه المحاولات يوم 9 أكتوبر؛ حيث هاجمت كل أنواع الطائرات الإسرائيلي الموقع من فانتوم، وسكاي هوك، والميراج، وعندما يهدأ الطيران تتسلمنا المدفعية الثقيلة بأنواعها وأصواتها المختلفة؛ كل هذا وأفراد المشاة رابضون في حفرهم التي حفروها متمسكون بالأرض طيلة يومين من الضرب المتواصل.

يضيف الملازم أول شمس: أنه بعد تحقيق المهمة المباشرة، وهي: السيطرة على تبة السبعات ومنع الاحتياطي الإسرائيلي القريب من التقدم نحو القناة، ثم المهمة القتالية الثانية، وهي: اقتحام تبة الشجرة، بدأنا في تطوير الهجوم يومي: 11 أو 12 أكتوبر إلى (كثيب عيفان)، وهي منطقة رمال ناعمة تمركزنا فيها، وواجهت كتيبتنا فيها ضربًا كثيفًا من المدفعيات بكل أنواعها، ولكن كان الأمر المقلق هو الموجات الكثيفة المتلاحقة طوال النهار تقريبًا من الطيران؛ خاصة وأن قوات الكتيبة بعدت عن القناة، وبالتالي بعدت عن مظلة تغطية حائط صواريخ الدفاع الجوي الموجود غرب القناة، والذي كان يمنع بكفاءة تقدم الطيران الإسرائيلي؛ هذا بالإضافة إلى وجود أكبر معارك مواجهة للدبابات وسلاح المدرعات. 

وكان لزامًا على القادة القيام بتعويض الجنود في مواجهة هذه الظروف الحرجة ببث ورفع روحهم المعنوية؛ خاصة وقد حققنا بالفعل أهم هدف، وهو: استعادة قناة السويس الذي كان يزيد من عزيمتنا بشكل كبير. 

وللحديث بقية إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للاستزادة راجع: (أبطال تبة الشجرة) إعداد أحمد علي عطية الله - ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب - ط. 2018.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة