السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لا أحب الآفلين

لا أحب الآفلين
الخميس ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١٧:٥٨ م
89

 

لا أحب الآفلين

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قَصَّ اللهُ سبحانه وبحمده علينا نبأ إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان إما ناظرًا، أو مُنَاظِرًا لقومه محاجًّا ومجادلًا لهم على الصحيح، كما رجَّح ذلك ابن كثير رحمه الله وانتصر له، فقال سبحانه: "‌وَكَذَلِكَ ‌نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ".

وقوله: "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ" أي: تغشاه وستره. وقوله: "رَأَى كَوْكَبًا" أي: نجمًا. 

وقوله: "قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ" أي: غاب. قال محمد بن إسحاق بن يسار: "الأفول" الذهاب.

وقوله: "قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ" قال قتادة: عَلِم أن ربه دائم لا يزول. (تفسير ابن كثير بتصرف يسير)

قال ابن القيم رحمه الله: "فَإنَّ المَعْبُودَ الحَقَّ: لا يَجُوزُ أنْ يَغِيبَ عَنْ عابِدِيهِ وخَلْقِهِ ويَأْفُلُ عَنْهم؛ فَإنَّ ذَلِكَ مُنافٍ لِرُبُوبِيَّتِهِ لَهم".

قلتُ: كما نفى سبحانه عن نفسه ذلك النقص، فقال: "فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين"، بل هو سبحانه الحي القيوم الذي له كمال الحياة وكمال القيومية القائم بنفسه، المقيم والمدبر لشأن غيره جل وعلا، كما قال عن نفسه الكريمة: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم"، وأكَّد ذلك بقوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم"؛ فلا يعتريها أي شيء من غياب وبُعد وذهاب عن خلقه؛ فلا نعاس ولا نوم؛ فكل ذلك نقص نزه عنه ربنا العظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ" (رواه مسلم).

ومن ثمرات التعبد بأسمائه سبحانه الحي القيوم، والشهيد والعليم، أن يشهد القلب دائمًا كمال علم وسمع وشهود ربه، وأنه تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه لا يغيب عن خلقه ولا تخفى عنه خافية؛ فذلك يثمر خوفًا وخشية ومراقبة، وكذا حياءً منه سبحانه وبحمده، وكذا تثمر تعلق القلب بربه سبحانه وبحمده، واليقين فيه، والتوكل عليه، كما قال سبحانه وبحمده: "وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرًا".

وتأمل هنا في هذه الآية المباركة في جميل الاقتران بين التوكل على الله تعالى الحي الذي لا يموت وبين كمال خبرته وعلمه؛ فمِن شأن هذا الإله العظيم أن يتوكل عليه، وأن يرضى ويسلِّم لقضائه وقدره، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ لكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بعِزَّتِكَ -لا إلَهَ إلّا أَنْتَ- أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الحَيُّ الَّذي لا يَمُوتُ، والْجِنُّ والإِنْسُ يَمُوتُون".

وفي ذلك أيضًا رد على النصارى الذين ينسبون إلى الله سبحانه الجهل والنقص والحاجة، ويزعمون موت الإله وصلبه، وقهر عباده له، ودفنه لأيام! 

فعلى مَن يتوكل عباده وفي مَن يوقنون، وبمَن يستنصرون ويطمئنون، وإلى مَن يبثون شكواهم وحاجاتهم وفقرهم، ومَن يجبر كسرهم تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا؟! فسبحان الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون. 

والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة