الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوصايا النبوية (8) التعزي في المصيبة بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- (موعظة الأسبوع)

الوصايا النبوية (8) التعزي في المصيبة بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- (موعظة الأسبوع)
الخميس ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٢ - ١٠:١١ ص
87

 

الوصايا النبوية (8) التعزي في المصيبة بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم: عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنْها- قالت: فتح رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بابًا بينه وبين الناسِ، أو كشف سترًا، فإذا الناس يصلُّون وراءَ أبِي بكرٍ، فحمد اللهَ على ما رأى من حسنِ حالِهم، و رجا أن يخلِفَه اللهُ فيهم بالذي رآهم، فقال: "يا أيها الناسُ، أيما أحدٌ من الناسِ أو من المؤمنين أُصيبَ بمُصيبةٍ، فلْيعتزَّ بمصيبتِه بي عن المصيبةِ التي تصيبُه بغيري، فإنَّ أحدًا من أُمَّتي لن يُصابَ بمصيبةٍ بعدي أشدَّ عليه من مُصيبتِي" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

- بيان المعنى الإجمالي للوصية، والغرض منها، ثم الإشارة إلى العناصر التالية.

موت النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم مصيبة للبشرية:

- الإشارة إلى أن بيان ذلك سيكون من وجهين:

الأول: انقطاع الوحي وغياب سبب الرحمة الأعظم.

والثاني: حال الصحابة يوم وفاته -صلى الله عليه وسلم-.

أولًا: انقطاع الوحي وغياب سبب الرحمة الأعظم:

- وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا سبب للرحمة، والأمن من نزول العذاب العام: قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33)، قال ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عنْهما-: " كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانَ: النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَالِاسْتِغْفَارُ؛ فَذَهَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وبقي الاستغفار" (تفسير ابن كثير، والطبري).

- لكن لا يعرف ذلك إلا مَن عرف قيمة الوحي، والنور الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأخرجنا من الظلمات والضلال إلى النور والهدى: قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15-16).

- الصحابة أعظم مَن عرفوا قيمة الوحي، وفضل بعثته -صلى الله عليه وسلم-: عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "أن أَبا بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بنَا إلى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كما كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَيْهَا بَكَتْ، فَقالَا لَهَا: ما يُبْكِيكِ؟ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَتْ: ما أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أنَّ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَكِنْ أَبْكِي أنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُما علَى البُكَاءِ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ معهَا" (رواه مسلم). وروي: "أن بلالًا كان يؤذن بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل دفنه فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ارتج المسجد بالبكاء والنحيب، فلما دفن ترك بلال الأذان..." (لطائف المعارف لابن رجب).

ولما حضرت الوفاة عمرو بن العاص -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- جعل يبكي بكاءً شديدًا، فسألوه، فكان من بين مما قال: "... إنَّ أفْضَلَ ما نُعِدُّ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، إنِّي قدْ كُنْتُ علَى أطْباقٍ ثَلاثٍ، لقَدْ رَأَيْتُنِي وما أحَدٌ أشَدَّ بُغْضًا لِرَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنِّي، ولا أحَبَّ إلَيَّ أنْ أكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ منه، فَقَتَلْتُهُ، فلوْ مُتُّ علَى تِلكَ الحالِ لَكُنْتُ مِن أهْلِ النَّارِ... " (رواه مسلم).

ثانيًا: حال الصحابة يوم وفاته -صلى الله عليه وسلم-:

- حالهم يدل على عظم المصيبة؛ فقد كان يوم موت النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المصيبة الكبرى عندهم، ولأنهم كانوا يخافون على أنفسهم من بعده: قال أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ، ونفَضنا عن رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الأيدي، وإنَّا لفي دفنِهِ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- لقد كان هول الصدمة عليهم شديدًا؛ لأنهم أحبوه أكثر من كل شيء؛ لأنهم خير مَن وعى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ" (متفق عليه).

- شواهد من ذلك يوم الوفاة: ذكر أصحاب السير: أن عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- جعل يقول: "إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات، والله، ليرجعنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات. وأقبل أبو بكر -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- على فرس من مسكنه بالسُّنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنْها- فتيمم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مغشى بثوب حِبَرَة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه، فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبَت عليك فقد مِتَّهَا، ثم خرج أبو بكر، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، قال الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 144)، قال ابن عباس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها" (الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري).

تعزوا في مصابكم بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

- إن المصائب والمحن في هذه الحياة سنة كونية كالهواء والماء: قال -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)، وقال -تعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الكهف:7)، وقال: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)، وقال: (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ) (المائدة:106).

(1) موت الأحبة من أعظم ما يبتلى به الإنسان في الدنيا، والأحبة يتنوعون بين الآباء والأمهات، والأبناء والأشقاء، والأزواج والأصحاب، وغيرهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن الأم:  (... فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) (رواه النسائي، وقال الألباني: حسن صحيح)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يقولُ اللَّهُ -تعالى-: ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الجَنَّةُ) (رواه البخاري)، وقال عن الزوجة الصالحة: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) (رواه مسلم)، وقال عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- عن الشقيق الصالح الذي استشهد يوم اليمامة: "ما هبّت ريحُ الصَّبا، إلا وجدتُ منها ريح زيد"، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن الصديق الصالح: (ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه) (متفق عليه).

- من أعظم ما يصبِّر الإنسان على فقدان الأحبة: أن يتذكر مصيبة موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ، فَلْيَذْكُرْ ‌مُصِيبَتَهُ ‌بِي، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

وقال الشاعر -أبو العتاهية-:

اِصـبـِـر لِـكُـلِّ مُـصـيـبَـةٍ وَتَجَـلـَّـدِ                   وَاِعلَم بِأَنَّ الـمـَرءَ غَـيـرُ مُخَـلَّــدِ

أَوَما تَرى أَنَّ الـمـَصـائِـبَ جَـمَّـةٌ                    وَتَـرى المَـنِـيَّـةَ لِلعِـبـادِ بِـمَـرصـَدِ

مَن لَم يُصِب مِمَّن تَرى بِمُصيبَةٍ                     هَــذا سَبـيـلٌ لَـسـتَ فـيهِ بِـأَوحــَدِ

وَإِذا ذَكـَرتَ مُـحَـمَّــدًا وَمـَـصـابَهُ                    فـَاِذكُــر مُـصـابَـكَ بِالنَبِيِّ مُحـَـمِّـَدِ

فاللهم هَوِّن علينا مصائب الدنيا، وأجمعنا بنبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة