الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوصايا النبوية (11) وصايا للمسافر (موعظة الأسبوع)

الوصايا النبوية (11) وصايا للمسافر (موعظة الأسبوع)
الأربعاء ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٢ - ٢٠:٤٢ م
102

 

الوصايا النبوية (11) وصايا للمسافر (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الخطبة الأولى).

- وصية اليوم: عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- أَنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أريدُ أن أسافِرَ، فَأوصِني، قالَ: (عليكَ بتقوَى اللَّهِ، والتَّكبيرِ على كُلِّ شَرَفٍ)، فلمَّا ولَّى الرَّجُلُ، قالَ: (اللَّهُمَّ اطوِ لَه البُعدَ، وَهوِّن عليهِ السَّفرَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- الإشارة إلى أن هذه الوصية تضمنت بعض آداب السفر الإيمانية والعقدية، وعلى هامش ذلك سنقف على بعض الآداب الأخرى التي جاءت في سنته -صلى الله عليه وسلم-.

الأدب الأول: الوصية بالتقوى:

- والتقوى في مجموعها تعني خوف الله في السر والعلن: قال علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل" (سبل الهدى والرشاد للصالحي).

- الوصية بالتقوى تكون في كل وقت، ولكنها تتأكد في السفر؛ لأن المسافر يكون غريبًا عن الناس، فربما اجترأ على المعصية، لعدم خوف الملامة، حيث لا يعرفه أحد(1): قال -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: 131)، وقال -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة: 197).

الأدب الثاني: التكبير على كل شرف:

- الصعود إلى الأماكن المرتفعة يشعر الإنسان بالعلو والكبرياء، فعند ذلك ينبغي عليه أن يستحضر أن الله أعلى وأكبر وأجل: قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع، أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس، لما فيه من استشعار الكبرياء، فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله -تعالى-، وأنه أكبر من كل شيء، فيكبره، ليشكر له ذلك فيزيده من فضله" (فتح الباري).

- المسلم مرتبط بعقيدة التوحيد في كل حاله وترحاله: عن جابر -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وإذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا" (رواه البخاري)، وعن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "كانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وجيوشُهُ إذا علَوا الثَّنايا كبَّروا وإذا هبَطوا سبَّحوا" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ومن آداب السفر الأخرى:

الأدب الثالث: التوبة والتحلل من المظالم:

- ينبغي للمسافر أن يبدأ بالتوبة، ويخرج من المظالم، ويقضي ديونه إن لم يترك مَن يوفيها في موعدها، ويرد الأمانات إن كان سفره طويلًا، ويطلب مسامحة أصحاب الحقوق، ويتذكر بسفره خروجه من الدنيا: قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: 58)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

الأدب الرابع: إرضاء الوالدين:

- فلا يسافر إلا برضاهما، لا سيما إذا كان سفره يطول، ويتضرران به: عن أبي سعيد -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: أنَّ رجلًا هاجرَ إلى رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- منَ اليمَنِ فقالَ: (هل لَكَ أحدٌ باليمَنِ؟)، قالَ: أبوايَ، قالَ: (أذنا لَكَ؟) قالَ: لا، قالَ: (ارجِع إليهما فاستأْذِنْهما، فإن أذنا لَكَ فجاهِدْ، وإلَّا فبرَّهُما) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وعن معاوية بن جاهمة السلمي أنه جاءَ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ، فقالَ: (هل لَكَ مِن أمٍّ؟)، قالَ: نعَم، قالَ: (فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

الأدب الخامس: توديع الأهل والأحباب:

- وليتواصوا بالحق، وليدعوا كلٌّ للآخر: ففي وصية اليوم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اطوِ لَه البُعدَ وَهوِّن عليهِ السَّفرَ)، وعن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: جاءَ رجُلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أريدُ سفرًا فزوِّدني، قالَ: (زوَّدَك اللَّهُ التَّقوى)، قالَ زِدني، قالَ: (وغفرَ ذنبَك)، قالَ: زدني بأبي أنتَ وأمِّي، قالَ: (ويسَّرَ لَك الخيرَ حيثُما كنتَ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح")، وكان ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عنْهما- يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا: ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ كمَا كَانَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يُودِّعُنَا، فيقُولُ: (أَسْتَوْدِعُ اللَّه دِينَكَ، وَأَمانَتَكَ، وخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

الأدب السادس: اختيار الرفيق:

- السفر يُمتحَن فيه الناس في أخلاقهم: قال بعض علماء اللغة: "سُمِّي السفر سفرًا؛ لأنه يكشف عن أخلاق الرجال".

- والرفيق في السفر إذا كان صالحًا كان عونًا ومؤنسًا، وإن كان فاسدًا كان همًّا وعبئًا على صاحبه، ولربما حَمَّله من الذنوب ما لا يعلمه إلا الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ، والجَلِيسِ السّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (متفق عليه).

- وإذا كانوا جماعة جعلوا عليهم أميرًا، يرجعون إليه إذا اختلفوا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤمِّروا أَحَدَهُم) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- ولا تسافر المرأة بغير محرم لها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) (متفق عليه).

الأدب السابع: التعجيل بالرجوع إلى أهله:

- فلا يمكث في سفره فوق حاجته؛ مراعاة لحق أهله وعياله عليه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ونَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إلى أهْلِهِ) (متفق عليه)، وكان عمر -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- يأمر في سفر الجهاد والغزو ألا يزيد على ستة أشهر، حتى لا تتضرر المرأة(2).

الأدب الثامن: البدء بالمسجد عند الرجوع:

- يفعل ذلك تبركًا، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: فعن كعب بن مالك أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بَدَأَ بالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ" (رواه البخاري).

قال النووي -رحمه الله-: "فإن كان القادم مشهورًا يقصده الناس، استحب أن يقعد في المسجد، أو في مكان بارز، ليكون أسهل عليه وعلى قاصديه، وإن كان غير مشهور ولا يقصد، ذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين في المسجد" (المجموع).

خاتمة: عود على بدء:

- إعادة ذكر الوصية، مع الإشارة إلى فضل مراعاة ذلك عند السفر، حيث وَصَّى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فاللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى في السفر وفي الحضر، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وما أكثر صور ذلك في السفر، كحال بعض الطلبة المبتعثين في بلاد الغرب، أو بعض المسافرين للتنزه والسياحة، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إحداث مَثَل شعبي حول التحلل من الأخلاق في السفر، وهو قولهم: "إذا دخلت بلدًا لا يعرفك أحد فيها، فتجرد من ثيابك وأمشي فيها!"، نعوذ بالله من الفجور والضلال.

(2) إن واقع الحياة يحمل الصور المأسوية الكثيرة على فساد وانهدام كثير من البيوت، نتيجة غياب الأزواج في الأسفار مدة طويلة. نسأل الله أن يحفظ بيوت المسلمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة