الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (10) فوائد اختلاف الأحرف السبعة

علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (10) فوائد اختلاف الأحرف السبعة
الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠٢٢ - ١٠:١٦ ص
127

 

علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (10) فوائد اختلاف الأحرف السبعة

كتبه/ ياسر محمد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن اختلاف الأحرف السبعة يثمر الائتلاف والرحمة، وليس التناقض والتضاد، ومن خلال ضرب الأمثلة تظهر لنا هذه الفوائد.

المثال الأول: الاختلاف لبيان حكم مجمع عليه، كقراءة: "وله أخ أو أخت من أم"، وهذه القراءة ثابتة عن سعد بن أبي وقاص، وثبتت عنه أيضًا بلفظ: "وله أخ أو أخت من أمه" ذكرها الطبري في الجامع والقرطبي في تفسيره، ورويت أيضًا بلفظ: "وله أخ أو أخت لأمه"، ورويت عن أبي "وله أخ أو أخت من الأم"، وهي قراءة مبينة لقراءة الجماعة: (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ ‌مِنْهُمَا ‌السُّدُسُ) (النساء: 12)، حيث بيَّنت المراد من الأخت والأخ أنهما لأم، وهذا المعنى المراد محل إجماع بين العلماء؛ فيكون لهذا الحكم دليلان: الإجماع، والقراءات الشاذة المنزَّلة منزلة الآحاد عند مَن يحتج بها.

قال ابن الجزري رحمه الله تعالى: "بيَّنت هذه القراءة أن المقصود بالإخوة هنا: الإخوة لأم، وقد اختلف العلماء في مسألة مشتهرة في عِلْم الفرائض تسمَّى: المسألة المشتركة، وهي: "زوج وأم، أو جدة واثنان من إخوة لأم، وواحد أو أكثر من إخوة الأب والأم"، فقال الأكثرون من الصحابة وغيرهم بالتشريك بين الإخوة لأم لانتسابهم لأم واحدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وإسحاق، وغيرهم. وقال جماعة من الصحابة وغيرهم: يجعل ثلث لإخوة الأم، ولا شيء لإخوة الأبوين؛ لظاهر القراءة المتواترة الصحيحة، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه الثلاثة، وأحمد بن حنبل، وداود الظاهري وغيرهم" (انتهى من طيبة النشر بتصرفٍ).

المثال الثاني: الترجيح لحكم مختلف فيه من خلال قراءة: (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (المائدة: 89)، في حكم كفارة اليمين، فقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" (المائدة: 89)، فهذه الزيادة عند الأحناف عن النص القرآني القطعي تعد نسخًا، وعند الجمهور تخصيصًا أو تقييدًا لا نسخًا.

وفائدة هذا الخلاف: في أن الحنفية يرون أن الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس؛ لأن كلًّا منهما لا ينسخ المتواتر؛ ولذا فإنهم لم يشترطوا الطهارة في الطواف، ولم يوجبوا قراءة الفاتحة في الصلاة، ولم يقولوا بالتغريب مع الجلد في حدِّ الزاني غير المحصن، وكذا منعوا الغرم في آية الصدقة، وزيادة النية والترتيب في آية الوضوء، وزيادة قيد الإيمان في كفارة اليمين، والظهار على كفارة القتل (ينظر: التبصرة للشيرازي، وأصول السرخسي).

ومِن ثَمَّ فقد قال الأحناف بوجوب التتابع في صوم كفارة اليمين احتجاجًا بقراءة ابن مسعود، حيث قيَّدوا بهذه الزيادة النص المطلق: "فصيام ثلاثة أيام"، وهي قراءة كانت مشتهرة إلى زمن أبي حنيفة، ولم يوجبوا التتابع في قضاء صوم رمضان بقراءة أبي بن كعب: "فعدة من أيام أخر متتابعات"؛ لأنها غير مشتهرة عندهم، فلا يقيد مطلق الكتاب بمثلها، وهذا الشاذ عند الأحناف، يفيد ظنًّا فوق ظن خبر الآحاد قريبًا من اليقين، وهو ما يسمَّى عندهم: بعلم الطمأنينة.

المثال الثالث: ومن ثمرات الاختلاف: الجمع بين حكمين مختلفين كقراءة: "حتى يطهرن" بالتشديد والتخفيف، فعلى التشديد لا يقرب الزوج امرأته الحائض حتى تغتسل، وعلى التخفيف يكون الطهر بانقطاع الدم، وليس معناه أنه بانقطاع الدم يجوز له المعاشرة، بل انقطاع الدم لإعلامه أنها طهرت، ولا يجوز وطؤها حتى تغتسل؛ لأن الله قال: (‌فَإِذَا ‌تَطَهَّرْنَ ‌فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة: 222).

والمشهور والشائع: أن الطهارة تكون بالغسل بالماء؛ لقوله تعالى: (‌وَيُنَزِّلُ ‌عَلَيْكُمْ ‌مِنَ ‌السَّمَاءِ ‌مَاءً ‌لِيُطَهِّرَكُمْ ‌بِهِ) (الأنفال: 11).

المثال الرابع: ومن ثمرات الاختلاف، اختلاف الأحكام باختلاف القراءة، كقراءة مَن قرأ: "وأرجلكم" بفتح اللام يتوجه عليه الغسل، ومَن قرأ بخفض اللام؛ فلبيان فرض المسح في حالة لبس الخف.

المثال الخامس: ما يكون حجة لقول كقراءة: "ومَلِكًا كبيرًا" (الإنسان: 20)، بكسر اللام، وهي دليل على رؤية الله يوم القيامة، وبسكون اللام تكون موافقة لقراءة الجماعة في المصحف.

المثال السادس: ومِن هذه الفوائد: إيضاح حكم يقتضي الظاهر خلافه كقراءة: "فامضوا إلى ذكر الله"؛ فهذه القراءة تبيِّن أن المراد بقراءة: "فاسعوا" الذهاب لا المشي السريع في قوله تعالى: (‌يَا أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌إِذَا ‌نُودِيَ ‌لِلصَّلَاةِ) (الجمعة: 9)، وقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما" بدلًا من "أيديهما"؛ فقد بينت ما يقطع.

المثال السابع: ومن الفوائد تفسير ما لا يعرف كقراءة: "كالصوف المنفوش"، فهذه بينت المقصود بـ"العهن المنفوش".

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة