الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

اليهود في القرآن العظيم

اليهود في القرآن العظيم
ياسر برهامي
الثلاثاء ٢٥ مايو ٢٠٢١ - ١٤:٢٣ م
613

اليهود في القرآن العظيم

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

أستأذن قراءنا الكرام أن يكون مقالنا اليوم خارج سلسلة: "الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال" -وإن كان مرتبطًا بها في الحقيقة-؛ لبيان حقيقة الصراع الجاري على أرض فلسطين المحتلة مِن خلال القرآن العظيم.

إن إدراك حقيقة الصراع بيننا وبين اليهود ضرورة حتمية؛ لتحقيق يقظة الأمة، ووعي أجيالها حول حقيقة عدوها كما بيَّنها القرآن وبيَّنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى لا يخدعنا أحدٌ ويوهمنا: أن المشكلة في مساحةٍ مِن الأرض اغتصبها اليهود يمكن أن ينسحبوا من جزءٍ منها ويتركوها لأهل فلسطين، والحقيقة التي لا شك فيها: أن الأصل في هذا الصراع أنه صراع ديني عقدي؛ فعلى ضلالات اليهود العقدية قامت دولتهم اللقيطة.

وقد رَسَّخَت نصوصنا الشرعية -كتابًا وسنةً- الموقف الذي يجب على المسلمين اتخاذه بناءً على عقيدتهم وأعمالهم وأخلاقهم، وليس على نسبهم أو قومياتهم، بل إذا غيروا عقيدتهم غيَّرنا موقفنا، (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة:11)، وكم من اليهود وغيرهم حين أسلموا نالوا المنازل العالية لدى أهل الإسلام: كعبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، حبر اليهود وأعلمهم، وهو أحد المبشرين بالجنة الذين شهدوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه النبي المذكور في التوراة، وكمحمدٍ بن كعب القرظي، وكعب الأحبار، وغيرهم.

وقد بيَّن القرآن في آياتٍ كثيرةٍ حقيقةَ اليهود وسبب النزاع معهم، فمِن ذلك: قوله -سبحانه وتعالى- في فاتحة الكتاب: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "إن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن مَن عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف مَن لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا، لكنهم لا يهتدون إلى طريقه؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه -وهو اتباع الرسول الحق- ضلُّوا، وكلٌّ مِن اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود: "الغضب" كما قال فيهم: (مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (المائدة:60)، وأخص أوصاف النصارى: "الضلال" كما قال: (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:77)، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار.

روى الإمام أحمد عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: "جاءتْ خيلُ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- وأخَذوا عمَّتي وناسًا، فلمّا أتَوْا بهم النَّبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- فصُفُّوا له، قالت: يا رسولَ اللهِ نأى الوافدُ وانقطَع الولَدُ، وأنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي مِن خِدمةٍ، فمُنَّ علَيَّ مَنَّ اللهُ عليكَ، قال -صلّى اللهُ عليه وسلَّم-: (وَمَن وافِدُكِ؟) قالت: عَديُّ بنُ حاتمٍ، قال: (الَّذي فرَّ مِن اللهِ ورسولِه؟) قالت: فَمَنَّ علَيَّ، قالت: فلما رجَع ورجلٌ إلى جَنبِه تَرى أنَّه علِيٌّ، قال: سَلِيه حُمْلانًا قالت: فسأَلْتُه فأمَر لها.

قال: فأتَتْني فقالت: لقد فعَلَ فِعلةً ما كان أبوكَ يفعَلُها، فإنَّه قد أتاه فلانٌ فأصاب منه، وأتاه فلانٌ فأصاب منه؛ فأتَيْتُه فإذا عندَه امرأةٌ وصَبيّانِ -أو صبيٌّ- ذكَرَ قُرْبَهم مِن النَّبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- فعلِمْتُ أنَّه ليس بمُلْكِ كِسرى ولا قيصَرَ، فقال لي: (يا عديُّ بنَ حاتمٍ: ما أفَرَّكَ (أي: جعلك تفر) أنْ تقولَ: لا إلهَ إلّا اللهُ؟ فهل مِن إلهٍ إلّا اللهُ؟! ما أفَرَّكَ مِن أنْ تقولَ: اللهُ أكبَرُ؟ فهل مِن شيءٍ أكبَرُ مِن اللهِ؟!)، قال: فأسلَمْتُ ورأَيْتُ وجهَ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- قدِ استبشَر، وقال: (إنَّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهودُ، والضّالِّينَ النَّصَارَى) (رواه الترمذي وقال: "حسن غريب"، وصححه الألباني).

وروى  حماد بن سلمة، عن سماك، عن مُري بن قَطَري، عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال: هم اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) قال: النصارى هم الضالون. قال: وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها.

وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن شقيق، أنه أخبره مَن سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بِوادِي القُرى، على فَرَسِه، وسأَلَه رجلٌ مِن بني القَيْنِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، مَن هؤلاءِ؟ قال: (هَؤُلاءِ المَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ -وأشار إلى اليهودِ-)، فقال: مَن هَؤُلاءِ؟ (هَؤُلاءِ الضّالُّونَ) يعني النَّصارى. (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وقد روى ابن مردويه، عن أبي ذر قال: سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المغضوب عليهم؟ قال: (اليَهُود)، قلتُ: الضالين، قال: (النَّصَارَى).

وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناسٍ مِن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) هم اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) هم النصارى.

وقال الضحاك، وابن جريج، عن ابن عباس: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ): اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) هم النصارى. وكذلك قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد. وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا" (انتهى مِن تفسير ابن كثير).

ومِن ذلك قوله -سبحانه وتعالى- في بيان فساد اعتقادهم في الأسماء والصفات: (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ? سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181)، وبيَّن الله -سبحانه وتعالى- أنهم يصفون الله -سبحانه وتعالى- بالفقر فكفروا بذلك كما كفروا مِن قتلهم الأنبياء.

وقال -سبحانه-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، دلت الآية على أنهم يصفون الله -عز وجل- بالبخل وغَلِّ اليد، والله -عز وجل- هو أكرم الأكرمين، وهو -سبحانه- الغني الذي يمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يمينه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويداه -عز وجل- مبسوطتان.

وقال -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) (ق:38)، وكان هذا نزل ردًّا على اليهود في زعمهم أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع!

وقال -سبحانه وتعالى- في بيان فساد اعتقادهم بنسبة الولد إلى الله هم والنصارى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30).

وقال -سبحانه وتعالى- في بيان اعتقادهم في السحر الكفري وعملهم به: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ... ) (البقرة:101-102) ، ودلَّ ذلك على شركهم في الربوبية بعملهم في السحر واعتقادهم فيه، واتباعهم له.  

وأما فساد اعتقادهم في توحيد الألوهية؛ فقد قال -سبحانه وتعالى-: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (الأعراف:138)، فرغم أنه لم يمضِ إلا ساعات على خروجهم من البحر بقدرة الله -عز وجل- وقد أهلك عدوهم؛ إلا أنهم طلبوا الشرك -والعياذ بالله-، وطلبوا أن يعبدوا إلهًا غيره!

وقال -عز وجل- في بيان عبادتهم العجل: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) (الأعراف:148)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (البقرة:93).

وبيَّن -سبحانه وتعالى- كفرهم بموالاة المشركين -عباد الأوثان- عَبْر الزمان، فقال -سبحانه وتعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون) (المائدة:78-81).

وقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) (النساء:51-52). والجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.

واليهود في حقيقة أمرهم يعبدون الشيطان، ويؤمنون بالسحر، ومِن أعظم كفرهم أنهم قالوا عن كفار قريش: "إنهم أهدى مِن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين سبيلًا!"، وهذا يدل على رضاهم بالكفر وإقرارهم به، بل ونشرهم للكفر في العالم؛ فهم الذين ينشرون الإلحاد في زماننا، والإباحية، ورؤوس أنواع الكفر الفظيع من الملحدين كانوا مِن اليهود: ككارل ماركس، كان يهوديًّا، ولينين كان يهوديًّا، وفرويد رأس الإباحية كان يهوديًّا!

وقال -سبحانه وتعالى- مبيِّنًا كفرهم في قضية الحكم والتشريع: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41)، وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنها نزلت في اليهوديين الذين زنيا وأتى اليهودُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ليقرهم على الجلد والتحميم الذي فارقوا به حكم التوراة، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع أن رجم الزاني ما زال موجودًا في التوراة إلى يومنا هذا؛ إلا أن اليهود قد تخلوا بالكلية عن أحكام التوراة في هذا الباب، ففي "سفر التثنية - الإصحاح 17": "فأخرجوا ذلك الرجل أو تلك المرأة الذي ارتكب ذلك الإثم إلى خارج المدينة، وارجموه بالحجارة حتى يموت".

بل وفي الإنجيل أيضًا إثبات أن الرجم حكم التوراة في الزاني؛ إلا أن المسيح أنكر عليهم أنهم يقيمون الحد على الضعفاء، والذين يقيمونه كانوا قد استحقوا أن يُرجموا، ولكن تُركوا؛ لأنهم شرفاء في قومهم، ففي الإنجيل قال المسيح عن المرأة الزانية التي أتوه بها: "مَن كان منكم بلا خطيئةٍ فليرمها بحجر".

وبيَّن -سبحانه وتعالى- فساد اعتقادهم في الأنبياء وكفرهم بهم في قوله -عز وجل-: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى? أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة:87)، وقال -عز وجل-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:146)، وقال -عز وجل-: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون) (آل عمران:112).

ومن ذلك ما ذكر الله -عز وجل- في بيان فساد اعتقادهم في الكتب المنزلة وتحريفهم إيَّاها، قال -سبحانه وتعالى-: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79)، وقال -سبحانه وتعالى-: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (النساء:46)، وقال -سبحانه وتعالى-: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) (المائدة:41)، فقد جمعوا أنواع التحريف كلها مِن: تحريف الكتابة، وتحريف اللسان، وتحريف المعاني!

كما أنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل، قال الله -عز وجل-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (المائدة:68).

وبيَّن -سبحانه وتعالى- فساد اعتقادهم في اليوم الآخر، فقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، وقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (آل عمران:23-24)، والآيات في هذا الباب كثيرة يصعب حصرها.

ويجب على أهل الإسلام في كلِّ مكان أن يربوا أبناءهم على معرفة هذه الآيات واعتقادها والعمل بمقتضاها؛ ليعرفوا حقيقة عدوهم، ولا يغرهم أحدٌ عن هذه الحقيقة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة