الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من يكتب الدستور ؟

هل فعلاً لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور؟

من يكتب الدستور ؟
الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢ - ١٣:١٩ م
5323


من الذين وضعوا 108 دستوراً في العالم؟


"
لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور" عبارة سمعناها كثيراً في الفترة الأخيرة وخاصة ممن يسمون أنفسهم بالنخبة اعتراضا على أن يقوم مجلس الشعب باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ولكن هل هذه العبارة صحيحة من الناحية العلمية والتطبيقية؟ أي هل فعلاً لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور؟ تعالوا لنرى
توجد جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية تسمى جامعة برنستون وهى من أفضل 10 جامعات على مستوى العالم ليس هذا فحسب بل وكان يقوم بالتدريس فيها ألبرت أينشتين وهى جامعة عريقة فقد تأسست عام 1746 م.
هناك بحث في هذه الجامعة قام بدراسة 194 دستوراً تم وضعهم في الفترة من 1975 م وحتى 2003 م وكان من نتائج البحث معرفة أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير في العالم في هذه الفترة،وقد كان أكثر هذه الطرق استخداماً هو أن يقوم البرلمان المنتخب من الشعب بوضع الدستور الجديد (42% من الدساتير موضع البحث = 81 دستور).


والجدير بالذكر أن من الدول التي قام البرلمان فيها بوضع الدستور:


§ 4
دول أعضاء في مجموعة العشرين- أقوى 20 اقتصاد على مستوى العالم- وهى (تركيا،البرازيل،كوريا الجنوبية، جنوب أفريقيا)
§ 11
دولة أعضاء بالإتحاد الأوروبي وهى (أسبانيا،بلغاريا،التشيك،رومانيا،المجر،بولندا،اليونان،سلوفاكيا،سلوفينيا،لاتفيا،لتوانيا).
§
دول أخرى كثيرة نذكر منها (البرتغال،ألبانيا،أرمينيا،روسيا البيضاء،كرواتيا،أوكرانيا، مقدونيا،يوغسلافيا،جورجيا).
و حسب الدراسة فهناك طرق أخرى مثل أن يقوم بوضع الدستور هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان (9% = 17 دستور).
أو أن يقوم الحزب الحاكم بوضع الدستور (5% = 9 دساتير)،"ومن المعلوم أن الحزب لن يكون حاكماً إلا إذ كان هو صاحب الأغلبية في البرلمان".


أي أننا إذا قمنا بجمع الثلاث طرق السابقة (42%+9%+5%=56%) نجد أن 108 دستوراً من ال 194 دستوراً محل الدراسة تم وضعهم بواسطة البرلمان بطريقة أو بأخرى.


أما باقي الطرق التسعة فهي أما أن تضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب (17%) ،أو تضعه السلطة التنفيذية (الحكومة) أو لجنة عينتها (10%)،أو لجنة تم وضعها بواسطة المستعمر لإنهاء الاحتلال (6%) ،أو أن تضعه السلطة التشريعية الموجود في الفترة الانتقالية (6%) ،أو المؤتمر الوطني (3%) ،أو المائدة المستديرة (2%).
والدراسة موجودة على موقع الجامعة على هذا الرابط

http://www.princeton.edu/~pcwcr/drafting/index.html
ولكي نعرف النسبة الحقيقية لعبارة " لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور" فلنرجع إلى الدراسة نفسها فنجد فيها أن 17% من الدساتير موضع البحث تم وضعها عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مثل الحالة التونسية والتي حصل فيها التيار الإسلامي على أكثر من 40% من أعضاء الجمعية التأسيسية وهذا في تونس فما بالنا بمصر والتي حصل التيار الإسلامي فيها على أكثر من ثلثي المجلس؟!.


إذن فقد ثبت بالبحث العلمي أن عبارة "لا توجد دولة في العالم يقوم فيها البرلمان بوضع الدستور" عبارة غير دقيقة بالمرة ولكن يكررها النخبة بدون أن يعلموا أن الواقع مخالف لما يقولوه تماما هذا مع إحسان الظن بهم بأنهم لا يعلمون.
يقول الدكتور/ معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وجامعة ميتشجان الأمريكية "إن دولة مثل بولندا فعلت تقريبا ما نفعل بالضبط، ولكن حدث تعثر بسبب بعض الأخطاء في التطبيق بسبب التشرذم الشديد في توزيع مقاعد الهيئة التأسيسية للدستور. فقد تم انتخاب مجلس تشريعي يتكون من مجلسين بمجموع 560 عضوا في عام 1990 م قام هؤلاء بتكوين لجنة من 56 شخصاً لصياغة الدستور،وللتباين الشديد في التوجهات الأيديولوجية فشلت اللجنة مع الهيئة التأسيسية في الوصول إلى نتيجة،فتراضوا على ما أسموه «The Little Constitution» أو الدستور البسيط بعد عامين من المناقشات.
وبعد انتخابات أخرى في عام 1993 م تم تشكيل لجنة جديدة منبثقة مرة أخرى من المجلس المنتخب، استمعت إلى جميع وجهات النظر بما فيها الأحزاب التي لم تفز في الانتخابات، لكنها كانت تعبر عن التيار الرئيسي في المجتمع بالأساس. انتهت إلى مشروع دستور، تم التصويت عليه في البرلمان، حصل على أغلبية 90 بالمائة في البرلمان، ثم تم عرضه في استفتاء عام على الشعب صاحب السيادة عندهم، وحصل على دعم 57 بالمائة من الأصوات. وأرجو ملاحظة أن التوافق لم يكن موجوداً في الاستفتاء الشعبي حتى لا نعتقد أن نتيجة الاستفتاء لو جاءت بأقل من 80 بالمائة فهذا سيعنى حربا أهلية من وجهة نظر البعض".
ولكن هل تعلمون أن هناك دستوراً تم وضعه منذ 225 عاماً وظل صامداً طوال هذه السنوات بل ولم يحدث به سوى 27 تعديلاً منذ عام 1787 حتى الآن؟،فما هو هذا الدستور؟ وما هي قصته؟ وكيف تم وضعه؟ وكيف تمت الموافقة عليه؟ تعالوا لنعرف
هذا الدستور هو دستور الولايات المتحدة الأمريكية والذي تم صياغته في 17 سبتمبر 1787
والذي قام بوضع مواد هذا الدستور سبعة أشخاص فقط أبرزهم جيمس ماديسون الذي عُرف بأبو الدستورالأمريكي حيث لعب دوراً هاماً في وضع دستور الولايات المتحدة عام 1787 م- بالتعاون مع ستة آخرين- (وقد أصبح جيمس ماديسون فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة).


وكان هناك 55 مندوباً ممثلين عن 12 ولاية من أصل 13 ولاية تم دعوتها لوضع الدستور والتصويت عليه (حيث رفضت ولاية رود آيلاند في بادئ الأمر الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية) وبالفعل تمت الموافقة على الدستور ولكن ليس بإجماع المندوبين فقد وافق على الدستور 38 مندوباً فقط من ال 55 ولكن تم الأخذ برأي الأغلبية،ومازالت أسماء الـ 38 مندوباً الذين وافقوا على الدستور مكتوبة إلى يومنا هذا في الدستور الأمريكي.


وأتفق المندوبون أيضاً على أن تعقد كل ولاية مؤتمراً خاصاً لمناقشة الدستور والتصويت عليه وبالفعل تم عرض الدستور على مجالس الولايات التشريعية للولايات ال 13 بعد دخول ولاية رود آيلاند للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كانت رافضة الانضمام في أول الأمر،وكان مجموع أصوات المجالس التشريعية للولايات 1657 صوتاً وافق منهم 1081 على الدستور وأعترض منهم 576 أى أن نسبة الموافقة على الدستور كانت 65% تقريباً.


كانت هذه هي قصة نشأة الدستور الأمريكي ونأتي الآن للتعديلات التي تم إدخالها في الدستور لنعرف كيف تم تعديلها.
نبدأ بمقولة قالها جيمس ماديسون أبو الدستور الأمريكي " في صياغتنا نظاماً نتمنى أن يدوم قروناً،يجب ألا تغيب عن بالنا التغيرات التي تأتي بها العصور " وبالفعل وضعوا آلية لتعديل الدستور إذا أرادت الأجيال القادمة تعديله وذلك في المادة الخامسة من الدستور.


وها هو نص المادة الخامسة من الدستور الأمريكي والتي توضح كيفية التعديل:


"
يقترح الكونجرس إدخال تعديلات على هذا الدستور إذا رأى ثلثا الأعضاء في كل من المجلسين ضرورة لذلك، وله أن يدعو بناء على طلب المجالس التشريعية في ثلثي عدد الولايات إلى عقد مؤتمر لاقتراح التعديلات التي تصبح قانونية في جميع مقاصدها وأهدافها باعتبارها جزء من هذا الدستور في أي من الحالتين ما أن تتم الموافقة عليها بواسطة المجالس التشريعية لثلاث أرباع الولايات المختلفة، أو بواسطة المؤتمرات في ثلاثة أرباع الولايات وفق ما يقترحه الكونجرس بالنسبة لأي من هاتين الطريقتين بشرط ألا يكون لأي تعديل قد يوضع قبل العام الثامن بعد الألف والثمانمائة أي تأثير على البندين الأول والرابع من الفقرة التاسعة من المادة الأولى، وألا تحرم أية ولاية، دون موافقتها، من حقها في المساواة في التصويت في مجلس الشيوخ".
أود هنا أن أعلق على ملابسات وضع الدستور الأمريكي وعلاقة ذلك بالوقت الحاضر والواقع الذي نعيش فيه
أولاً:أن ال55 مندوباً عن الولايات الـ 12 لم يكونوا يمثلون جميع أطياف المجتمع الأمريكي ولكن كلهم كانوا من البيض الأثرياء الذكور ولم يكن هناك أي تمثيل للسود أو الهنود الحمر أو الفقراء أو النساء بل إن حق المرأة في التصويت في الانتخابات لم يكن مسموحاً به حتى عام 1920 م أي بعد 133 عاماً من صدور الدستور.


ثانياً:أن الدساتير بطبيعتها يجب أن يكون فيها آلية للتغيير كما ورد في المادة الخامسة من الدستور الأمريكي المذكورة آنفاً وبالتالي فمن الوارد أن يتم تغيير بعض مواد الدستور أو كله إذا لزم الأمر بآلية مذكورة في الدستور نفسه وهى بواسطة الكونجرس أى أننا عدنا إلى نقطة الصفر في أن الدستور الذي يضعه هو البرلمان بشكل أو بآخر.


ثالثاً:أن الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور - أقصد الـ 55 مندوباً - لم يحدث بينهم اتفاق كامل على كل بنود الدستور ولكن الذي وافق عليه عددهم 38 مندوباً فقط بنسبة 70% أي الثلثين وبالتالي فإن الرأي كان للأغلبية .
رابعاً:بعد موافقة أغلبية الجمعية التأسيسية على الدستور تم عرضه على مجالس الولايات التشريعية للـ 13 ولاية وتمت الموافقة عليه بالأغلبية أيضاً وبنسبة 65% تقريباً.


وبالتالي فإن الأغلبية هي التي تحدد مصير الدستور سواء في الجمعية التأسيسية أو في العرض على الشعب.
وهذا الاختلاف طبيعي فإذا كان الناس لم ترضى عن شريعة ربنا سبحانه وتعالى فمن المستحيل أن ترضى الناس بالإجماع على دستور وضعه بشر.


وفي الختام أود أن أشير إلى أن هذا الدستور الذي يفخر به الأمريكيون ويتشدق به الليبراليون والعلمانيون وضعه سبعة من البشر وهنا يحضرني كلام الشيخ مصطفى زايد حيث قال" فما بالك بالتيار الإسلامي الذي يأتي للتشريع وكتابة دستور بمرجعية خالق السموات والأرض وهدى نبيه وفكر وخبرة ألف وأربعمائة سنة لعباقرة البشر من فقهاء المسلمين".

مقال أرسل لموقع أنا السلفي

تصنيفات المادة