الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الديمقراطية بين اللبرلة والأسلمة... ولا عجب!

الإسلاميون يقبلون الديمقراطية بقيد (بما لا يخالف شرع الله)

الديمقراطية بين اللبرلة والأسلمة... ولا عجب!
محمد إسماعيل أبو جميل
الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢ - ٢٢:٣٢ م
2289

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالديمقراطية بحذافيرها فكرة ثالثة لا هي مِن الليبرالية ولا هي من الإسلام، ولكن لها ما تتفق فيه وما تختلف فيه مع المنهجين.

فالديمقراطية القح -كما هي عند أهلها- هي: حكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه. أي: سيادة مطلق اختيار الأغلبية لا يتقيد بقيد، ولا يُحد بحد.

وأي إنسان صاحب فكر أو عقيدة لا يقبل أن يُفرض عليه خلاف ما يعتقد، مِن الممكن تعايشه بصورة ما مع مَن يخالفه نعم، لكن لا يقبل أبدًا أي حر أن يُجبر على خلاف ما يدين به -بغض النظر عن صحة معتقده من بطلانه-.

وبما أن الليبرالية هي الحرية المطلقة -كما عند واضعيها- فأصحابها يرفضون وضع أي تقييد للحرية حتى لو كان المُقيِّد لها هي إرادة الأغلبية "الديمقراطية"!، فهم يقبلون الديمقراطية ما لم تُقيِّد الحرية؛ ولذا يريدون وضع قيود قبل تنفيذ الديمقراطية؛ لضمان منع الأغلبية من تقييد مبدأ الليبرالية "الحرية"!

فالإسلاميون -أصحاب الأغلبية الحقيقية في الشارع وبين الناس- يقبلون الديمقراطية بقيد "بما لا يخالف شرع الله"؛ إذ الحرية والاختيار عندهم مساحة واسعة جدًا، ولكن بشرط ألا تحل حرامًا أو تحرِّم حلالاً؛ لأنهم ينظرون للإنسان على أنه عبد محكوم بأمر سيده -جلَّ وعلا-، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).

وقد كانوا صرحاء منذ اللحظة الأولى فيما يطالبون به، وقبِلوا بفكرة الديمقراطية مراهنين على "هوية الشعب المصري"، وأنه لن يرضى باختيار ما يخالف دينه، ونظرتهم في ذلك: أنه فارق كبير بين واقع ورثناه وفُرض علينا، وبين أمر نبنيه مِن جديد.

فالعجب إذن مِن مواقف المعسكر الليبرالي... والذي ما وافق مَن وافق منهم على الليبرالية المصرية -التي لا تحلل الحرام بزعمهم- إلا تحت الزخم الشعبي الذي أحدثه الإسلاميون عقب الثورة؛ للحفاظ على "هوية مصر الإسلامية".

- ومِن مواقفهم:

1- الطعن والغمز واللمز في نتيجة الاستفتاء؛ لأنها لم توافق ما يريدونه، مع أنه أسفر عن نتيجة اختيار الأغلبية "والديمقراطية توجب الرضا والقبول بالنتيجة أيًا كانت".

2- الدعوة للمبادئ الحاكمة للدستور "وثيقة السلمي وغيرها"، والتي تضعها قلة ليبرالية وتفرضها على الأغلبية... ! خوفًا من أن يهيمن الإسلاميون -باختيار الأغلبية طبعًا- على البرلمان، ومِن ثمَّ الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور؛ مما سيقود إلى تقييد الديمقراطية بالقيد الذي ينادي به الإسلاميون معبرين به عن الأغلبية المسلمة من هذا الشعب، والتي تتوق للعيش بإسلامها في كل نظم الحياة.

3- الطعن على كل ما يمكن أن يؤدي لهذه النتيجة الحتمية: كنتائج انتخابات مجلسي: الشعب، والشورى.

4- الطعن على اختيار مجلسي: الشعب، والشورى للجنة التأسيسية -مع أن هذا ما تم الاستفتاء عليه!-.

5- الطعن على كيفية اختيارها مع أن هذا اختيار مَن فوضهم الأغلبية في ذلك، وما انتظروا حتى يخرج الدستور "فإن كان معيبًا؛ كان لهم حق النقد حينئذٍ!".

6- المخالفة الصريحة مِن أحد النواب للديمقراطية بعرض استمراره في الجمعية التأسيسية للاستفتاء بين أهل دائرته على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، وكانت الأغلبية تدعوه للاستمرار، لكن لم يأتِ هذا على الهوى طبعًا!

7- محاولة الاستقواء بالمجلس العسكري متناسين: "يسقط يسقط حكم العسكر"، ودفعه لحل البرلمان؛ خوفًا مما سيكون عليه دستور أغلبية واضعيه ممن لا يوافقونهم في ليبراليتهم.

8- ولا عجب أبدًا مِن اتهام الشعب بالجهل أو عدم فهم الديمقراطية أو عدم استعداده لتطبيقها؛ لأن الديمقراطية التي يريدون هي الموصلة لفكرهم ومنهجهم، وما عداها باطل وغير مقبول، فما قبلوا الديمقراطية كآلية للمعركة إلا لتوهمهم أن بيدهم توجيه الشارع مِن خلال وسائل الإعلام، فلما رأوا حقيقة قوتهم المخزية أُسقط في أيديهم، وكان ما كان...

9- اتهامهم الإسلاميين -لاسيما الإخوان- بسعيهم للمغالبة لا المشاركة، متناسين أن هدف أي حزب -من تعريفه الدستوري- هو مؤسسة تسعى للسلطة، وليس مِن قواعد الديمقراطية أن تحاول إقصاء المنافس، ولا التغلب عليه ولا منعه مِن ممارسة حقه؛ لأنك لا تدانيه في قوته أو ليس لك مثل شعبيته، وحتى لو سعى الإسلاميون لذلك فإنهم اختيار الشعب، وما سعوا إلا لحق يكفله لهم الدستور والقانون.

10- ترحيب كثير من "فلول الإعلام" بترشيح "نائب المخلوع" متناسين موقعه من النظام السابق؛ خوفًا من وصول الإسلاميين للسلطة -مع أنهم لم يجربوهم أصلاً!- مع أن الأغلبية تريد الإسلاميين بلا ريب.

11- اعتراض البعض على "قانون العزل السياسي"... وذلك خوفًا مِن حجب مَن يمثـِّل عندهم "المُخلِّص من الإسلاميين" مِن الترشح للرئاسة، أو إن شئت فسَمِّه: "المخُلص من اختيار الأغلبية" الذي لم يكن موافقًا لأهوائهم.

فهذه "ديكتاتورية الأقلية... ولا عجب!"، وسيظل أصل الصراع بيْن منهج الإسلام الواضح وبيْن منهج الليبرالية التي يحاولون تزيينها للشعب، وإلباسها ثوبًا يختلف عن باطن ما يؤمنون من حقيقتها، ولكن تفضحهم أفعالهم وأقوالهم...

ولا يزال الأمر سجال؛ فلنكن على بصيرة، والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com