يخرج العارف من الدنيا وما
قضى وطره من شيئين :
ثناؤه على ربه ، وبكائه على
نفسه
فالعارف يسير إلى الله
عز وجل فى الدنيا يتطلع بإحدى عينيه إلى نعم الله عز وجل عليه فيورثه ذلك محبة
الله عز وجل ، وبالعين الأخرى يطالع عيوب نفسه ،
وسيئات أعماله ، فيبكى على نفسه ، ويستمر على هذة الحال حتى يخرج من الدنيا ، وما
قضى وطره من ثنائه على الله عز وجل ، وبكائه على نفسه .
وقالوا العارف يسير
إلى الله عز وجل بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل، فمشاهدة منة الله عز
وجل عليه يورثه كمال الحب لله عز وجل ، ومطالعة عيب النفس والعمل يورثه كمال الذل
لله عز وجل ، وهما شقا العبادة ، فالعبادة هى كمال الحب مع تمام الذل .
دل على هذا المعنى
كذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم : [ سيدُ الاستغفار أن يقولَ العبد :
اللَّهم أنْتَ رَبَّى لا إِله إِلا أنْت خَلَقْتَنى وَ أنا عَبْدك وأنا على عهدِك
و وَعْدِك مَا اسْتَطعْت ، ، أعوذُ بك منْ شر ما صنعْت ، أبوءُ لك بِنِعْمتك على و
أبوءُ بذنْبى ، فاغْفِرْ لى ، فَإنَّه لا يَغْفِرُ الذنوبَ إلاَّ أنْتَ ]
وإنما كان هذا سيد
الأستغفار ، لاشتماله على اعتراف العبد بنعم الله عز وجل عليه فى قوله : [ أبوءُ
لَكَ بِنعمَتِكَ علىَّ ] أى أعتراف لك بنعمتك على ، وكذا اعتراف العبد بذنوبه
وعيوبه فى قوله : [ وأبوءُ بِذنْبى ] ، ثم طلب المغفرة من الله عز وجل .
فأكمل الأحوال أن يذكر
المؤمن دائماً نعم الله عز وجل عليه كما قال تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) [ الضحى : 11
] فمن أسباب زيادة الإيمان ومحبة الرحمن أن يتحدث العبد بنعم الله
عز وجل ، لتكتمل محبته لله عز وجل وكذا تذكر الذنوب والعيوب يورث العبد الذل ،
وعلى ذلك درج السلف رضى الله عنهم .
قيل لأبى الصديق كيف أصبحت ؟ قال :أصبحت
عبداً ذليلاً لرب جليل ، أصبحت مأموراً بأمره .
وقيل للإمام الشافعى : كيف أصبحت ؟
قال أصبحت آكل رزق ربى , ولا أقوم بشكره .
وقيل لمالك بن دينار : كيف أصبحت ؟
قال : أصبحت فى عمر ينقص وذنوب تزيد .
وقال أبو بكر الصديق للنبى صلى الله عليه
وسلم : [
علمنى دعاء أدعو به فى صلاتى . قال : [ قُلْ اللَّهم إنَّى ظلمتُ نفسى ظُلماً
كثيراً ، ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنت ، فاغْفر لى مَغْفرةً منْ عندِك ،
وارْحمنى إنَّك أنت الغفورُ الرَّحيمُ ] وهذا من أدعية السجود .