الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفة تأمل ومصارحة في الأحداث الراهنة

نستطيع من هنا تفهم سر تفوق التيار الإسلامي في كل جولاته التي خاضها سواء كانت انتخابات أو استفتاءات

وقفة تأمل ومصارحة في الأحداث الراهنة
أحمد الشحات
الخميس ٠١ أغسطس ٢٠١٣ - ١٣:٠٢ م
4188
25-رمضان-1434هـ   1-أغسطس-2013      

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قامتْ أحداث "ثورة يناير" ولم يكن أحد يتوقع أن تكون ثورة؛ فضلاً عن أن تؤتي أُكلها وتصمد حتى يزول الظلم وبدون أن تراق دماء المسلمين أنهارًا، ولكن كان فضل الله وكرمه ورحمته أشمل وأوسع من كل التوقعات والتكهنات؛ فقد زال رأس الظلم هو وحاشيته في أيام معدودة لا تعد شيئًا في عمر الزمان إذا ما قُورنت ببلاد أخرى ما زالت تنزف حتى يومنا هذا.

لم تنتهِ الثورة بمجرد الوصول إلى هذه النقطة، بل ما إن تجاوزنا هذه المرحلة حتى قامت الحروب السياسية الداخلية بين فصائل مختلفة وتوجهات فكرية متنوعة، كل منهم يحاول بسط نفوذه على الأرض، وكل منهم يزعم أحقيته في قيادة زمام الأمور؛ مما أدي إلى دخول البلاد في صراعات وتطاحنات متكررة عبر مسار طويل وشاق.

ولكن كان من أبرز ما يميزه أمران غاية في الأهمية، وهما:

1- أن كل صراع سياسي ينشأ بين الفصائل والأحزاب يتم حسمه عن طريق اللجوء إلى الإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخاب أو الاستفتاء، وقد عُد هذا من أحد أهم مكتسبات الثورة المصرية؛ لأنه كان مؤشرًا يدعو للتفاؤل بالمستقبل، ويشجع على خوض غمار العملية السياسية بكل أدوارها بلا خوف أو قلق.

2- أن القوات المسلحة كانت حريصة أن تكون راعية للإرادة الشعبية دون التدخل فيها بالتحريف أو التزوير، بل كانت تقوم بتأمين الانتخابات بنفسها وتشرف على عمليات الفرز وحماية الأصوات، ويشهد العالم كله أن ما تم في عهد القوات المسلحة تحت قيادة المجلس العسكري كان يتسم بشفافية ونزاهة فائقة شجعت المواطنين على المشاركة الإيجابية والفعالة في اختيار مستقبل بلادهم.

نستطيع من هنا تفهم سر تفوق التيار الإسلامي في كل جولاته التي خاضها سواء كانت انتخابات أو استفتاءات؛ لأن الكيانات الإسلامية كانت هي القوى الوحيدة القادرة على حشد الجماهير والتأثير فيها لما لها عندها من ثقة وحب، إضافة إلى عامل التعهد بحفظ الأمن وضبط الشارع الذي وعدت به القوات المسلحة فلم يجرؤ البلطجية ولا محركوهم أن يتدخلوا في إجهاض هذه الإجراءات الجديدة؛ لئلا يتصادموا مع الجيش، وقد كان هذا من فضل الله علينا وعلى الناس.

أدت الشعبية الجارفة التي يتمتع بها التيار الإسلامي لاكتساحه كافة الجولات السياسية التي خاضها "من شعب إلى شورى إلى دستور ورئاسة"، وانتهت العملية السياسية بكل مراحلها، وتمت الفترة الانتقالية وتنحى المجلس العسكري عن المشهد وحلت مكانه مؤسسة الرئاسة المنتخبة التي صارت الأمور بيدها كاملة.

هنا انتظر المواطنون طفرات كانوا يوعدون بها، ومشاريع كانوا يسمعون عنها... ! فقد كانوا يتعطشون للعيش الآمن والحياة السهلة بقدر ما كانوا يحتاجون إلى الحرية والكرامة، ولكن شيء من ذلك لم يحدث، بل ولم تظهر له مؤشرات في القريب العاجل!

وفي نفس التوقيت إن لم يكن قبله... بدأت المعارضة تعد عدتها لإسقاط النظام وكشفه عبر مسار صبور، ولكنه مؤلم ومتتالي، ومع مرور الوقت بدأت العلاقة بين الرئاسة والمعارضة تأخذ منحى العداوة الظاهرة وحرب تكسير العظام، بدت فيه المعارضة أكثر منطقية وتماسكًا من مؤسسة الرئاسة التي ظهر فشلها وعجزها التام أمام مؤامرات المعارضة وعدم تعاون مؤسسات الدولة بالدرجة التي جعلت عموم المواطنين ينقلبون على أول سلطة مدنية منتخبة في تاريخ البلاد، وفي أعقاب ثورة ما زالت حية في قلوب غالبية الناس!

بدأ المد الثوري يأخذ مكانًا بارزًا في الشارع المصري، ومع تكرار الأزمات اليومية الطاحنة وتجاهل المسئولين لها، وعدم التواصل مع الناس بخصوصها، والاكتفاء بالاتكاء على نظرية المؤامرة وتخوين الآخر - انفجر الشارع في وجه هذا النظام، وتصاعدت حدة الخطاب من مجرد المطالبة بإصلاح المشكلات ومعالجة الأزمات إلى المطالبة بالرحيل، بل وبالمحاكمة في بعض الأحيان.

هذا المد الثوري النابض فشل الإخوان وأنصارهم في احتوائه تمامًا، بل تعاملوا معه بكل غطرسة وغرور وتكبر، ولم يحسنوا تقدير الموقف كما يجري على الأرض، وصدقوا أنفسهم فيما توهموه أن النبضة الثورية قد خمدت في حس المواطنين، وأن الشعب عاد إلى سابق استئناسه وخضوعه، وأنه سيقبل بأي شيء مهما كان!

ومما زاد من غرورهم امتلاكهم كتلة مؤيدة صلبة ليست بالقليلة في عددها ولا قوتها ولا قدرتها على الحشد، والتي طالما اعتمدوا عليها في الأزمات التي تعرضوا لها طوال السنة الماضية.

إلى هنا خسر التيار الإسلامي في معظمه الجماهيرية الشعبية، وأصبح من أيدوه بالأمس يثورون ضده اليوم؛ فلم يبقَ لهم إلا خُلص أتباعهم والمحيطين بهم، وهم بطبيعة الحال لا يصمدون أمام هدير الشعب الهائج الذي رأيناه بعد ذلك في الشوارع والميادين.

- بقي لنا الجيش الذي سيظل هو المحدد الحاسم في أي صراع سياسي أو غيره فهل استطاع الإخوان أن يتعاملوا مع الجيش أم صار هو الآخر ممن تشملهم حملة التشويه والتشهير، بل والتهديد أحيانًا؟!

- رفضت الرئاسة تدخل المؤسسة العسكرية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وتعاملت معها بجفاء شديد واستعلاء ربما يكون مقبولاً من دولة مستقرة ورئيس قوي، أما والحالة كما كانت عليها مما يعرفها القاصي والداني؛ فهذه غطرسة وحماقة لا مبرر لها!

- تصاعدت لهجة قيادات الإخوان في الإساءة للجيش ولقادته، والكلام عنهم بشكل غير لائق يستعديهم عليه ويهيجهم ضده مع أنه في الواقع لا يملك شيئًا، وحالته من الضعف والعجز معروفة للجميع! وبدلاً من أن يقترب منهم ويعطيهم مكانتهم كان التعامل الجاف والمسيء مع مَن كانوا بالأمس القريب يتحكمون في مقادير البلاد، وقادرون أيضًا على العودة إذا أرادوا.

- استخدام كارت الجماعات المتطرفة في إرهاب الجيش وتخويفه بدا أسلوبًا هزليًّا وسخيفًا ممن لا يقدِّر المسئولية، ولا يعرف حجم نفسه ولا طاقتها، وبنفس الدرجة لا يستطيع فهم الآخر ولا تقدير قوته!

- شعور الجيش بأنه يتعامل مع جماعة لا تعي معني الدولة، ولا تقدر قيمة الأمن القومي وتتعامل مع أسرار الدولة باستهتار واستخفاف، وتختلط لديها مصالح الجماعة مع مصالح الدولة بالدرجة التي أعلن فيها الرئيس قطع علاقته بسوريا في مؤتمر جماهيري بالإستاد كان أغلبه عن تأييده هو شخصيًّا!

إذن وصل بنا الحال إلى شبه قطيعة مع عموم الشعب واستعداء تام للجيش، فلم يعد لدينا ظهير شعبي نعتمد عليه، ولم يعد معنا جيش نحتمي بقوته أو نوظفها لصالح الدولة وفي سبيل استقرار الوطن؛ فما المنتظر إذن بعد ذلك... ؟!

إننا نناشد إخواننا من جماعة الإخوان أن يعودوا إلى رشدهم، فما يفعلونه الآن ما هو إلا انتحار جماعي لجماعتهم وقضاء تام على تاريخهم ومسيرتهم؛ لأنهم الآن يواجهون دولة وشعبًا وليس معهم من أدوات لهذه المقاومة؛ فضلاً عن أن نتائج ذلك لن تعود على الوطن بما ينفعه أو على الدين بما يصلحه؛ لأن الشعب الذي طالما ناصرهم لا يطيق الآن سماع كلمة واحدة عنهم، والجيش الذي كان من الممكن أن يقف على الحياد يتم الدفع به الآن لكي يستنسخ بنفسه النموذج الناصري في التعامل مع التيار الإسلامي! فاللهم سلم.

أقدِّر أن الصدمة كبيرة، ولكن هذا ما جنته أيدينا، ولعلنا نستفيد من التجربة في المستقبل، المهم الآن هو أن نحافظ على شبابنا وعلى دعوتنا، وأن نعود إلى شعبنا فنصالحه ونسترضيه وإلا ستلعننا هذه الأجيال، وسيكتب عنا التاريخ ما لا يرضينا، وسنغدو مثالاً سيئًا في التاريخ الإسلامي كله.

اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة