ألاَ تنام يا ربيعُ ؟!
كتبه/
مصطفى دياب
الحمد
لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد ؛
صيحةٌ
من جوف الليل لأُمٍ حنون ، على ولدها الذي نشأ شاباً يافعاً منذ نعومة أظفاره في
طاعة الله ، وفطم نفسه منذ حداثتها على تقواه ، ويقول لها : كيف يستطيع النومَ من
جَنّ عليه الليل ، وهو يخشى هجوم الخصوم ؟ لقد أرقها كثرة تضرعه ، وشدة
نحيبه في عتمات الليل ، والناس نيام ، حتى ظنت به الظنون ، فقالت : ما الذي أصابك
يا بُني ؟ لعلك أتيتَ جُرماً !!! لعلك قتلتَ نفساً !!!
فقال
لها نعم ، قتلتُ نفساً فقالت في لهفةٍ : ومَن هذا القتيل ؟ لعلهم يعفون عنك ؟
والله لو علم أهل القتيل ما تعاني من البكاء ، وما تكابد من السهر لرحموك .
فقال
: لا تكلمي أحداً ، فإنما قتلتُ نفسي ، قتلتها بالذنوب .
وإذا
خلوتَ بريبةِ في ظلمةٍ ، والنفس داعيةٌ إلى الطغيان ، فاستحِي من نظر الإله وقل
لها : إن الذي خلق الظلام يراني .
أخي
الحبيب :
أنت
ذلك الشاب .. الربيع بن خُثيّم ، لك شهوة مثله تُرهقهُ وتُأرقه ، ويبحثُ لها عن
مخرجٍ مباح فلا يجد لها متنفساً ، وتتسارع في قلبه إرادةُ وجه الله ورضاه ، وإرادة
النفس وشهواتها ورضاها .
لكنه
شابٌ مهمومٌ بذنوبه ، يستجلب رحمةُ ربه ، فلما يسأله أحدهم كيف أصبحت ؟؟
فيقول
أصبحتُ ضعيفاً مذنباً ، يأكل رزقه ، وينتظر أجله .
لكنه
شابٌ أدرك الداء ، وعرف الدواء ، وأبصر طريق الشفاء ، فقال : الداء الذنوب ،
والدواء الاستغفار ، والشفاء بأن تتوب ، ثم لا تعود .
لكنه
شابٌ أدرك أن النفس جبلٌ عظيم في الطريق إلى الله ، وكل سائرٌ في هذا الطريق لابد
أن يصعد ذلك الجبل الوعر ، ويجتازه ، وهو جبلٌ كثير الأودية ، والعقبات ، والشوك ،
واللصوص وقُطاع الطريق .
لكنه
شابٌ عَلِمَ أن أكثر السائرين في هذا الطريق راجعون على أعقابهم ؛ لعجزهم عن قطعه
واقتحام عقباته ، فالسالكون قليل فلا يستوحش الطريق ، ولا يغتر بكثرة الهالكين ،
بل يمضي ولا يعجز .
إنه
شابٌ أدرك أن بين العبد والسعادة والفلاح ، قوةُ عزيمهٍ ، وصبرُ ساعةٍ ، وشجاعةُ
نفسٍ ، وثباتُ قلبٍ ، ويقينٌ بنصر الله .
والفضلُ
بيد الله يُؤتيه من يشاء ، فلهج قلبه ولسانه بالدعاء لرب العباد .
إنه
شابٌ أبصر حقيقة الطريق ، وباشر أسباب النجاة ، فنصح أبناء جلدته ، ورفقاء دربه ،
وأقران سِنه ، فقال : عليكم بالسرائر اللاتي تخفى على الناس ، وهُنّ على الله
بوادٍ ، ولا يغرنك كثرة ثناء الناس عليك ، فإن الناس لايعلمون منك إلا ظاهرك ، ولا
يقل أحدُكم اللهم إني أتوب إليك ، ثم لا يتوب ، فتكون كذبة ، و لكن ليقل ،
اللهم تُب عَلَيَّ , فكل عملٍ ، أو توبة لا يُبتغى به وجه الله ، يضمحل فالصدق .. الصدق يا شباب .
و
مرة أخرى هو شاب مثلك ..
لكنه
شابٌ هذّبَ نفسه ، و ربَّاها على الورع والخشية من الله ، وجعل من قيام الليل
وكثرة الاستغفار والتقوى سُلماً للوصول ، و مركباً في الطريق إلى الله , فتنام أمه
وتصحو ، فتجد ابنها اليافع مازال صافاً في محرابهِ ، غارقاً في دموعه ، يؤرقها
شَدّة نَحِيبِهِ ، وكثرة تَضرُعِهِ في عتمات الليل .
وأنت
ماذا ؟؟
وأنت
تتعجب لماذا يبكي ؟؟ و الإجابة يسيره ، فمن لم يكن له مثل تقواهم ، لم يدرِ ما
الذي أبكاهم .
وأنت
كيف تقضي ليلك ؟ على صفحات النت و الفيس بوك ؟ أم صافاً أمام المواقع الإباحية ؟ و
أنت غارقٌ في ماذا ؟ وغير ذلك .
لكنه
شابٌ أدرك حقيقة المستقبل ، فكأنه يريد أن يقول لمن يتخفون خلف لوحات الكيبورد ،
ما من شيء تقوله هنا ، أو تكتبه إلا كُتِبَ و قُرِأَ عليك هناك , فماذا نحن صانعون
غداً { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ
الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } (الفجر: 21، 22)
يا ريبع .. ألا تنام ؟!
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي